ماذا هناك بعد الموت؟ حاول الإنسان منذ القدم أن يجد الجواب على هذا السؤال المحيّر. ومع تعاقب المعتقدات المختلفة، على مر العصور، رست فكرة الجنة وجهنّم على اختلاف أشكالهما وترسّخت مع الديانات السماوية. وعلى غرار غالبية الاكتشافات التي توصّلتُ إليها في حياتي، القصيرة نسبياً، أردت أن أختبر الموت مباشرةً، وما بعده إذا أمكنني ذلك. لطالما اعتبرتُ أن الانتحار هو أغبى خطوة يُقدم عليها إنسان. وأرفض كل تبريراتها : شخص سئم تعاسة الحياة، منهار، مدمن على المخدرات أو الكحول، ينتمي إلى عبدة الشيطان، مناضل من أجل الحريّة... الانتحار يتعارض مع أحكام المنطق كلّها. إضافة إلى ذلك، لا يمكن أن نكون على يقين تام من أسباب الانتحار ودوافعه، ولو ترك المنتحر "رسالة توضيحية". ومع ذلك، فكّرتُ ملياً بالانتحار في إحدى مراحل حياتي. ومع أنني تلقّيت التعاليم الدينية في صغري وتمسّكت بالمعتقدات التي تعلّمتها، وجدتُ نفسي تائهاً ومرتبكاً في مرحلة ما. لم أعد متأكداً من شيء. فقدت إيماني. لكنّني لم أسر في طريق المخدرات والكحول. من الطبيعي أن يخشى الناس المجهول. كانت فكرة الموت ترعبني حقاً. وأردت معرفة ماذا بعده. أخذت مهمة التقصّي هذه إلى أقصى حدودها، وبحثت في مختلف المصادر عن الموت والحياة من بعده. وهكذا، بدأت التمحيص في كتب الديانات السماوية الثلاث. وتوصّلت إلى أن الحياة بعد الموت هي إمّا السعادة الأبديّة أو النار واللّعنة الأبديتين، وأن ذلك يتوقف على مدى إيمان الإنسان بالله. أمّا "ما يأتي بعد الموت" فهو عقد بين الله والإنسان. فإذا أتمّ الأخير واجباته على أكمل وجه، يكون ثوابه بدخول الجنّة. أمّا إذا ابتعد عن التعاليم، يكون عقابه النار. وتدين الديانات السماوية الانتحار ومرتكبيه. في فترة ارتباكي، لم أكن لأقتنع بهذه الأجوبة، فقرأت كتباً ومقالات فكرية ولاهوتية. مررت بفراعنة مصر، وآلهة روما واليونان القديمة، وال ANIMISM في إفريقيا، والفايكينغ في اسكندنافيا، والبوذيّة والهندوسيّة في الشرق الأقصى، وصولاً إلى "الأرواح والأسلاف" في أميركا. وكان ملفتاً للنظر أن القاسم المشترك بين هذه الديانات والمعتقدات هي أنها تعتمد كلّها على الخير والأخلاق والروحانيّة ومحبّة الغير. كما شكّل مفهوم الجنّة وجهنّم قاسماً مشتركاً آخر، وهو أن أعمال الإنسان الجيّدة في حياته تقوده إلى مكافأة في الحياة "الأخرى" - أو إلى "تقمّص" أفضل. شغلتني تلك الأفكار ولم أقتنع. لم أجد الجواب الشافي حول المجهول الذي لا يزال شغلي الشاغل. لقد ارتبطت الأجوبة كلّها بالمفاهيم والإيمان. وكانت الخطوة المنطقيّة التالية أن أنتقل من البحث الماورائي إلى البحث العلمي، أي إلى "الاختبار المباشر". وتكمن المشكلة الأساسيّة في أنه لم يسبق أن توفّي أحد - في أي ظرف - وعاد ليخبرنا عن تجربته في الموت. لذا، لم يكن في استطاعتي أن أعتمد على "شهود عيان". وخلال بحثي عن المعرفة الذي كاد أن ينتهي بالموت، قررّت أن اكتشف السرّ بنفسي. لم أكترث لفكرة أنني قد لا أعود لأخبر ما رأيت. أردت فقط أن أعرف. ولم أفكّر بالطريقة التي قد أنهي حياتي بها. فكّرت بالأمر طوال أسابيع. وكنت كلّما فكّرت بالموت، كلّما تقبّلت الفكرة، فالموت محتّم. تلك هي الحياة: نموت ما إن نولد. إلا أنني وجدت أنه لا يمكن أن تكون ديانات الإنسان كلّها وتاريخه على خطأ. ولاحظت أنني لن آخذ معي إلى القبر سوى ضميري، بغضّ النظر عن وجود حياة ما بعد الموت. لقد قررت أن أنتظر حتّى تحين ساعتي. وعندها، سأعرف... عطشي لم يُروَ، وبحثي مستمرّ، لكنّني لم أعد على عجلة من أمري!