بدا أن الجنازات صارت إحدى الفعاليات التي برع "الإخوان المسلمون" في مصر في تحويلها عروض قوة ومسرحاً تتحول فيه الجماعة الى اللاعب الاول في المشهد السياسي المصري. راجع ص 6 هكذا كانت جنازة مرشد "الإخوان" المستشار مأمون الهضيبي الذي توفي فجر أمس. وتمكنت الجماعة من حشد آلاف لتشييعه من مسجد رابعة العدوية شرق القاهرة قبل أن ينقل الحشد لينضم إلى آلاف آخرين كانوا ينتظرون الجثمان في قرية عرب الصوالحة في محافظة القليوبية حيث دفن. لكن نجاح "الإخوان" في حشد الآلاف لم يعد جديداً. فهم مارسوا المهمة بكفاءة ايضاً العام 2002 أثناء جنازة المرشد السابق مصطفى مشهور، وبدرجة أقل في جنازات شيوخهم الآخرين. لذلك ركزت الأسئلة على مستقبل الجماعة بعد غياب الرجل القوي الذي كانت له الكلمة العليا طوال أكثر من عشر سنوات، أي حتى قبل أن يتبوأ موقع المرشد. حسابات المستقبل بالنسبة الى الحكومة سهلة وواضحة. إذ تتعامل السلطات مع الجماعة بأسلوب واحد، أياً كان المرشد. وبات توجيه ضربات إجهاضية للتنظيم الاسلوب المتبع منذ بداية التسعينات، لكن الأمر كان مختلفاً في شأن خليفة الهضيبي، والذي لم يحسمه إعلان الجماعة تنصيب اكبر أعضاء مكتب الارشاد سناً محمد هلال قائماً بأعمال المرشد حتى انتخاب مرشد جديد. وتشير خريطة توزيع القوى داخل مكتب الارشاد الى أن الحرس القديم من اعضاء التنظيم الخاص الجناح العسكري قبل ثورة تموز/ يوليو 1952، ومعهم المحكومون في قضيتي "الإخوان" عامي 1954 و1965، متوافقون في الرؤية ومتفوقون في العدد على جيل الشباب، وهم أحمد حسنين ومحمد هلال ومحمد مهدي عاكف ومحمد عبدالله الخطيب وجمعة أمين وأبو الحمد ربيع ورشاد البيومي ومحمد بديع سامي ولاشين أبو شنب ومحمد حبيب ومحمود عزت، ومعهم في فريقهم اثنان من جيل الوسط الذي التحق بالجماعة في السبعينات، وهما المهندس خيرت الشاطر ومحمود غزلان. أما الجناح الآخر ممن يطلق عليهم اسم الإصلاحيين فلا يضم سوى اثنين هما الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور محمد علي بشر. وعلى ذلك فإن كل المؤشرات يؤكد أن المرشد المقبل سيكون من المجموعة الأولى سواء كان من الحرس القديم أو من جيل الوسط. أما فرص الطرف الآخر فتكاد تكون معدومة. ويبدو الحل التوافقي الذي يقوم على اختيار واحد من الحرس القديم مقبول من الطرف الآخر، مطروحاً أيضاً. وفي مثل هذه الحال، سيقع الاختيار على عاكف أو هلال إلا اذا رضي الشيوخ بأن يبايعوا مرشداً من جيل الوسط، فيكون الاختيار الشاطر أو عزت. ويبقى عامل مهم يتعلق ب"الإخوان" في الخارج، ومستقبل التنظيم الدولي للجماعة، خصوصاً بعدما برزت في السنوات الاخيرة نزعات تحررية لدى "الاخوان" في بعض الدول خفف من وطأتها وجود قيادات تاريخية تقود الجماعة من مصر يصعب على "اخوان" الخارج الجهر برفضها لها، ما منع تفكك التنظيم الدولي حتى لو كان دوره قد تقلص. وعلى ذلك فإن مكتب "الاخوان" في لندن سيُسلط عليهم الضوء في الاسابيع المقبلة، إذ سيتولى طرح الاسم الذي سيستقر عليه "اخوان" مصر على "اخوان" العالم. ويتلقى ردودهم قبل أن يعلن اسم المرشد الجديد للجميع.