الكل "سرقوا" أمجاد هذا البرنامج التلفزيوني الذي بدأ بريطانياً واستعار عنوانه من نعت سياسي للطاغية في الرواية الكلاسيكية لجورج أورويل 1984 والتي ندد فيها ب"الحكم التوتاليتاري وعصبته المتلصلصة على أقدار الرعاع"، وانتهى افعواناً اعلامياً دولياً لا تقف امامه موانع قانونية او ادارية او اخلاقية. الكل يتلهف على متابعته، ان لم تتح له او لها فرصة المشاركة فيه، واقتناص الثراء والشهرة الموعودين. لكن "الأخ الاكبر" هذه المرّة هو نحن، الجمهور الذي سيُغرى بمراقبة مجموعة من الشباب المعزولين في استوديو مبني على شاكلة قصر راقٍ "ملغوم" بعشرات الكاميرات في كل زواياه، تسمح بتسجيل يومياتهم وعلاقاتهم الحميمة ومشاحناتهم وقفشاتهم ودسائسهم على مدى أيام طويلة. والفائز هو من يتحمل عزلته ومناكفات الآخرين له لأطول مدة ممكنة. لم تمر حلقات هذا البرنامج مرور الكرام، بل أفادت من حملات معارضة دؤوبة من جمعيات حماية الاخلاق والكنيسة ومنظمات الشؤون العائلية التي تخوفت من تكريسه لمفهوم مرضي للعلاقات بين الجنسين، خصوصاً بين المراهقين، على رغم توكيدات عراب هذا البرنامج وصاحب حقوقه عالمياً، القناة الرابعة التجارية، بأن غرضه ترفيهي بحت، وهو مراقب بحزم عبر أحكام ومقاييس تمنع ما هو مخل بالآداب. لكن المعضلة الحقيقية لا تكمن في إقصاء الفاضح، بل ما يستتبع من حكايات الغرام اللاحقة بين الشباب المشاركين والتي ستتلقفهاصحف الإثارة وتحيلها مادة تُغري آخرين طموحين لن يتوانوا عن فعل كل ما يُدهش. امس، حدث ما لم يكن في الحسبان، فبعد معارك قانونية وسجالات في أروقة الحكومات والكثير من قرارات المنع والشتائم والتهديدات، حقق برنامج "الأخ الاكبر افريقيا" خبطة اعلامية مدوية في عموم القارة، بعدما نجحت الشابة الزامبية تشريس ماكوبالي 24سنة في خطف الجائزة المالية الكبرى البالغة 100 الف دولار، لتصبح الأشهر بين اقرانها في بلد تصل الاجور الى دولار واحد ويعاني من كثرة الاضرابات والمديونية العالية. وما ان اعلنت النتيجة حتى شهدت العاصمة لوساكا فرحة عارمة واشتعلت السماء بالالعاب النارية واكتظت الشوارع بالراقصين والسيارات التي أطلقت أبواقها، كأن نصراً وطنياً تحقق ضد 11 دولة افريقية شارك شبابها في أضخم وأطول حلقات هذا البرنامج الشعبي. وتابعها بشغف ثلاثون مليون مشاهد في 46 بلداً افريقياً،ً وبثت من موقع تصوير في جنوب افريقيا فُرضت على مكانه السرية. اضافة الى ازدهار سوق المراهنات. فيما نقلت صحيفة محلية عن نائب الرئيس الزامبي نفيريس مومبا قوله ان الشابة اصبحت مصدر فخر لبلادها. وقالت ماكوبالي وهي مسؤولة عن مبيعات في قرية كيتوي: "ان المبلغ الطائل يعني الشيء الكثير لي ولعائلتي، والمؤكد انني سأشتري منزلاً لوالدي وهو كهربائي". لم تغفل السياسة "الهرج" الذي أحاط هذه الحلقة التي استمرت 106 ايام. اذ عاب معلقون سياسيون أفارقة تداول الصحافة المحلية فكرة ان "النزلاء ال11 يمثلون وحدة افريقيا!"، متهمين المشرفين على الحلقة بتسليع "الوطنية الافريقية" بثمن المشاهد الكثيرة الفاضحة للمشاركين شباباً وشابات وهم شبه عرايا يتمازحون باشارات جنسية ورقصات خليعة تحت "الدش"! وحملوا على "الفسق" الجلي والمتعمد في استعراض المشاهد الحميمية بين بعض المشاركين، ضمن وعود دعائية بتنظيم زيجات لاحقة مدفوعة الثمن، بعد الاعلان في بريطانيا عن اول زيجة تمت خارج البرنامج بين شاب اسود ومتبارية بيضاء وقعا في الحب خلال حلقات السلسلة الثالثة. ويذكر ان الرئيس الناميبي سام نغوما دعا الشبكة العارضة "الأخ الاكبر افريقيا" الى وقف بثها، متهماً البرنامج باشاعة "الفجور"، والاستعاضة بعرض تاريخ البلاد. فيما لمح الاعلام الناميبي الى ان ملاحظة الرئيس قد تكون ذات صلة بمتنافس ابيض السحنة، يبدو ان الحكومة لم ترغب في ان يمثل البلاد في الحلقة التلفزيونية! وكانت كنائس زامبية تقدمت بالتماس مشترك الى الحكومة لوقف بث البرنامج. وفي ملاوي رفضت المحكمة العلياالتماساً حكومياً بمنع البرنامج، بعد اتهام البرلمان ب"فسقه". وندد تايلور نوثالي رئيس اللجنة الاعلامية في البرلمان ب"المشاهد المخزية التي تشوه اخلاقيات اطفالنا".