أعرف من ردود الفعل والبريد ان صفحة "الحياة" بالانكليزية على الانترنت ناجحة ولها قراء كثيرون غير قراء الجريدة بالعربية، ولا يكاد يمضي يوم من دون ان أتلقى تعليقاً من هؤلاء بالانكليزية، والغالبية من أميركيين من أصل عربي، لم ينسوا أصلهم، أو من عرب مقيمين في الخارج، والقراءة بالانكليزية أسهل عليهم. هناك أيضاً قراء من اليهود من مختلف البلدان، وهذا جيد، وقد رددت أخيراً في هذه الزاوية على قارئ من فرنسا، وأرد اليوم على قارئ باسم م. بيرفويتس أرجو ان أكون نقلت الاسم صحيحاً كنت أرسلت اليه رداً خاصاً فعاد إليّ، وأرسلته مرّة ثانية بطريقة أخرى فلعله وصل إليه. القارئ يحتجّ على ما يعتبر أنها إهانات أو شتائم أوجّهها الى المحافظين الجدد أو زعماء اسرائيل ويقول انها تكشف "تطرّفي" الشخصي، ولا تليق بالجريدة. أصرّ على أنني لا أوجّه شتائم أو إهانات، وإنما أصف الناس كما هم، بدقة وموضوعية، فشارون وموفاز ويعالون وداغان مجرمو حرب، وممارساتهم في الأراضي الفلسطينية نازية في كل وجه باستثناء "الهولوكوست"، ودانيال بايبس عنصري يكره العرب والمسلمين وداعية حرب، وعضو الكونغرس توم لانتوس هنغاري الأصل موجود في الكونغرس لخدمة اسرائيل لا البلاد التي احتضنته. دليلي على ما سبق جرائم اسرائيل اليومية ضد الفلسطينيين، وكتابات بايبس المعروفة، وسجل تصويت لانتوس في الكونغرس. أما عن "تطرّفي" فأنا ضد الحرب بالمطلق، وضد العمليات الانتحارية دائماً، وقد دافعت باستمرار عن اليهود، وقلت ان غالبيتهم ليبرالية تريد السلام، كما هاجمت كل من أنكر المحرقة. دليلي على ما سبق هذه المرّة هو ما أكتب في هذه الزاوية باسمي كل يوم، وهذا يعني ان القارئ متطرّف ويرى الأمور بعين واحدة هي عين اسرائيل، فيرى هجومي على شارون ويعمى عن دفاعي عن اليهود، ويؤيد على ما يبدو جرائم حكومة اسرائيل فيما أعارض العمليات الانتحارية. كما يرى هجومي على المحافظين الجدد، ولا يرى قولي مرّة بعد مرّة ان "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" أفضل صحف العالم وأكثرها موضوعية وصدقية، مع انني والقارئ نعرف ان مالكيهما يهود أميركيون. لا أفهم كيف يرى قارئ سطراً، ولا يرى سطراً آخر. وتفسيري الوحيد انه يؤيد الجرائم الاسرائىلية ضد الفلسطينيين، ما يعني انه شريك شارون، فلا أريد ان اعرفه أو أتعامل معه، ولا أريد ان يقرأ لي. غير أنه قد يقرأ غداً بقية الرسائل، وكلها آراء عربية في اسرائيل وجرائمها. اليوم أكمل برسالة من قارئ في الدنمارك اسمه محمد مهدي بنلامين، لم تتأخر في البريد، ولكن تأخّرت أنا في العودة الى لندن، وهي تعلّق على انتقادي خبير الارهاب المزعوم ستيفن ايمرسون في السادس من الشهر الماضي بعد ان زعم أمام لجنة في الكونغرس ان الأكاديميات السعودية تعلم كره المسيحيين واليهود. الأخ محمد يريد مني ان "أفضح مكائد اليهود ضد الإسلام" ولا أكتفي كما فعلت بعناوين القصص التوراتية، وإنما أقدم التفاصيل. وأقول انني لست خبيراً، ولو كنت ما فعلت، لأنه يجب علينا التوفيق بين الأديان، لا إثارة الكره. الواقع ان ما لفتني في موضوع ايمرسون انه أستعمل كلمة "أولياء" العربية في كلامه بالانكليزية، ووجدت انه يقرأ، أو يختار، انتقائياً من القرآن الكريم، كما فعل القارئ الذي بدأت به، اذ يبدو ان هذه عادة عندهم. أقول للقارئ ان العهد القديم من التوراة يضم قصصاً عجيبة، غير مفهومة بثقافة هذا العصر أو عدالته. وأكتفي هنا بقصتين: الأولى من سفر التكوين الاصحاح التاسع عن سيدنا نوح، فهو بعد الطوفان احترف زراعة الكرمة وشرب النبيذ وسكر ونام عارياً. ورآه ابنه حام، الذي يتحدر منه الكنعانيون، فبلّغ أخويه الآخرين شيم ويافت. وهما رجعا الى الوراء ووضعا غطاء على والدهما من دون ان يرياه. ولما استيقظ نوح وأدرك ما حدث لعن حام وأمر بأن يسترق الكنعانيون، ويعملوا خدماً لأخويه وسلالتهما... يعني ربما كان سبب قضية الشرق الأوسط اليوم ان سيدنا نوح سكر فعاقب ابنه. أما الثانية فهي قصة لوط في سفر التكوين الاصحاح 19، فهو يزوره ملاكان ويحاول سكان سدوم إخراجهما من بيته لاغتصابهما، الا انه يعرض على السكان ابنتيه. ثم يصيب الملاكان السكان بالعمى، فلا يهتدون الى باب البيت. وأخيراً يخرج لوط مع أسرته الى الجبل، وتلتفت امرأته الى خلف، على رغم نهيها عن ذلك، فتتحوّل الى عمود ملح. وتنتهي القصة بالبنت الكبرى تسكر والدها المسنّ حتى يذهل عن نفسه فتنام معه، وتتبعها البنت الصغرى في اليوم التالي. وأجد القصة كلها صعبة التصديق. وأختتم بشيء خفيف الوطأة، فالقارئ سعيد فضل السماوى، أو السمارى، من الرياض بعث اليّ برسالة يعلّق فيها على دفاعي قبل أيام عن الأثرياء، ويقول ان من الواضح انهم "اشتروني" الا انه لا يعترض أو ينتقد، وإنما يطلب ان "يُشترى" معي ليقضي الصيف في ايطالياوفرنسا، كما أفعل. يا أخ سعيد، أسعد الله أوقاتك بالخير، الموضوع ليس بيعاً أو شراء، ولو كان فأنا أَشتري ولا أُشترى، والواقع انني ضد الرأسمالية، الا انني لست ضد رأس المال، فأنا مثالي ولكن لست مجنوناً، وقد جدت ان المثالية مكلفة عندما تصطدم بأرض الواقع، لذلك قالوا ان الغنى هو الغنى عن الناس، وهذا عندي وأرجو أن يكون عندك.