في السادس من الشهر الماضي رددت على رسالة قارئ عن زاوية لي نشرت في السادس من الشهر السابق، اي آب اغسطس، وعدت من سفر، ووجدت في السادس من هذا الشهر رسالة من القارئ عزيز ستيفان، أو اسطفان، وهو مهندس لبناني يعترض على قولي ان العهد القديم من التوراة يضم قصصاً لا تمثل ثقافة هذا العصر وعدالته. الرسالة الجديدة في نحو أربع صفحات بالانكليزية، وفي سطور متراصة. وأقدر ان ترجمتها ستملأ نصف صفحة على الأقل من جريدتنا هذه، غير انني أريد ان أعطي القارئ حقه في الرد من دون ان يطغى ذلك على الزاوية أو الصفحة فأوجز كالآتي: - العهد القديم من التوراة، جزء من الكتاب المقدس، وهذا لجميع المسيحيين، ويضم 66 سفراً، 39 منها تعود الى العهد القديم و27 الى العهد الجديد. والعهد يشرح تعامل الله مع الانسان منذ بدء الخليقة، ومع كل قضاء أو عقاب هناك ما يوفر أملاً جديداً وبداية جديدة. - هناك وحدة تفكير وهدف تؤكد الطبيعة الالهية للأسفار الستة والستين. - العهد الجديد مليء بإشارات الى العهد القديم. وهناك عشرات النبوءات في العهد القديم تكتمل في العهد الجديد، مثل ولادة السيد المسيح وتعاليمه طبعاً اليهود ينكرون ذلك. - هناك إشارات الى المسيح في كل سفر من أسفار العهد القديم مرّة أخرى اليهود ينكرون ذلك. - المشكلة في تفسير أي نص، وليس التوراة وحدها، هي ان تُقرأ المادة ضمن سياقها الصحيح، ومن السهولة أخذ آيات خارج السياق، والمفروض فهم هذه الآيات ضمن النص الكامل والظروف التي وردت فيها. القارئ حسن الاطلاع جداً، وهو يقدم بعد ذلك شرحاً لقصة لوط، واليهود والكنعانيين، وغير ذلك. وأعرف انني اختصرت الرسالة كثيراً، والسبب ضيق المكان، وأردّ مرّة أخرى فأعود بالقارئ الى مقالي الأصلي قبل شهرين فقد قلت ان "ليست عندي المعرفة الدينية لأخوض جدلاً دينياً" ولا أفعل اليوم، ولكن أكمل بما أعرف، وأستطيع ان أستعمل مثلاً من العهد الجديد من الكتاب المقدس، حتى لا أبدو وكأنني أختار قصصاً عن اليهود فقط. وفي إنجيل مرقس، الاصحاح 11، هناك قصة خلاصتها ان السيد المسيح جاء الى شجرة تين ليأكل من ثمرها "ولم يجد شيئاً إلا ورقاً لأنه لم يكن وقت التين، فقال: لا يأكل أحد منك ثمراً الى الأبد". وعاد مع تلاميذه في اليوم التالي ووجدوا ان التينة "يبست من الأصول". والقصة نفسها واردة في إنجيل متّى، الاصحاح 21، الا ان التينة تيبس فوراً هنا. ولا أعرف لماذا تعاقب تينة في غير موسم التين، ويحرم الناس من ثمرها بعد ذلك. ومرّة أخرى، لا أجد عدالة كما نعرفها اليوم في الموعظة على الجبل نفسها، فهي تضم الكلام المشهور ان من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر. الا انها تضم أيضاً انجيل متّى الاصحاح الخامس: من يغضب على أخيه يستحق القتل... من قال يا أحمق يكون مستوجباً نار جهنم. في سفر الخروج الاصحاح 21، من شتم أباه أو أمّه يقتل. ولا أعتقد ان احداً يستطيع ان ينكر ان الغضب ليس جريمة يعاقب عليها بالقتل، أو حتى السجن، في هذه الأيام، وعبارة "يا أحمق" لا تستحق مجرد التوقف عندها. أكتب هذا وأرجو الا أدخل جدلاً جديداً مع أي قارئ، فالموضوع كله بدأ عندما لاحظت ان خبيراً مزعوماً في الارهاب هو ستيفن ايمرسون زعم أمام لجنة في الكونغرس ان الأكاديميات السعودية تعلم كره المسيحيين واليهود، ونقل عن القرآن الكريم آية، مستخدماً كلمة "اولياء" بالعربية، وهو ما أثار استغرابي، فقد توكأ على نصف آية ولم يرَ ما قبلها أو بعدها، وهذا ما سجلته عليه في حينه فلا أعود. اليوم أزيد للقارئ من موضوع وقعت عليه صدفة، وأنا أقرأ رسالته، فجريدة "نيويورك تايمز" نشرت دراسة مختصرة عنوانها "التوراة" لجيفري ماكوين، سجل فيها أخطاء صحافيين أميركيين في النقل عن العهدين القديم والجديد. وقرأت ان "بايبل" بالانكليزية مشتقة من "بيبلوس" اليونانية، ومعناها كتاب، وهي من أصل سامي، فالكلمة مأخوذة قبل ذلك من ورق البردى الذي كان الفينيقيون يصدرونه من ميناء بيبلوس، أو جبيل، وهذه أقدم مدينة في العالم، الا انها دمّرت وأحرقت، وهجرت أحياناً. أما دمشق فأقدم مدينة في العالم مسكونة باستمرار. القارئ عزيز ستيفان يقدّم شرحاً لمعنى كلمة "توراة" ويقول انها من كلمة عبرية تعني "القانون". وهو يضيف ان العهد القديم لا ترد في أي مكان من التوراة، ولكن اليهود يستعملونها في الاشارة الى الكتب الخمسة الأولى، وهي اسفار: تكوين، خروج، لاويين، عدد، تثنية. وبالنسبة الى القارئ فالكتاب المقدس هو كتاب واحد بالعهدين القديم والجديد، وهو كتاب المسيحيين. وأذكر ان الصديق الدكتور رضوان السيد كان أرسل إليّ رسالة بهذا المعنى نشرتها قبل أسبوعين. في النهاية، أقول انني أفضّل ان أدخل جدلاً دينياً مع أنصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة الذين يحاولون الاساءة الى العرب والمسلمين، والى الإسلام نفسه، على ان أناقش قارئاً في موضوع أساسه الايمان. وفي حين انني أجد صعباً ان أصدّق ان يشوع بن نون أوقف الشمس ليهزم اعداءه، فإلحاق الهزيمة بهم أسهل كثيراً من ايقاف الشمس، فإنني أفهم ان يقبل المؤمن ما يقرأ بالايمان فقط. وأكمل ببريد آخر غداً.