الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    ابن مشيعل يحصل على درجة الدكتوراة    «هيئة النقل» تؤكد منع عمل الشاحنات الأجنبية المخالفة للنقل بين مدن المملكة    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    تشكيل النصر المتوقع أمام ضمك    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    كابوس نيشيمورا !    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيادي المحسوب على "جماعة الجهاد" يرد على "المراجعات" ويطالب بدية "مئة من الإبل" لقتلى قوات الأمن في أسيوط . هاني السباعي ل"الحياة": قادة "الجماعة الإسلامية" سفكوا دماء ... وعليهم الآن التنحي
نشر في الحياة يوم 05 - 09 - 2003

"مراجعات" كثيرة أفرزتها السنوات الماضية في صفوف الجماعات الإسلامية. في الجزائر، راجع كثير من الإسلاميين المسلحين أفكارهم. قوّموا أخطاءهم، ووصلوا الى اقتناع بضرورة إلقاء السلاح و"النزول من الجبل". أفعال المتشددين في صفوفهم وضربات قوات الأمن لهم ساهمت من دون شك في وصولهم الى هذه "المراجعة" والاتفاق على وقف العمل المسلح. تكرر الأمر نفسه في مصر. ف"الجماعة الإسلامية"، أكبر الجماعات المسلحة، خلصت في 1997 الى انها "أخطأت" في حمل السلاح ضد الحكم. أصدرت دعوتها الشهيرة الى وقف العمليات داخل مصر وخارجها. لم يلتزم بعض عناصرها مباشرة تلك الدعوة، فحصلت مذبحة الاقصر ضد السياح الأجانب. لكن قادة "الجماعة" داخل السجون المصرية استطاعوا في نهاية المطاف جعل المبادرة السلمية مقبولة من كل تياراتها، داخل مصر وخارجها. وإذا كانت التجربتان الجزائرية والمصرية متشابهتين في كثير من الجوانب، فإنهما تختلفان أيضاً في ناحية جوهرية. فالمصريون، بعكس الجزائريين، أصّلوا ل"مراجعاتهم" بكتب أوردوا فيها أفكارهم "الجهادية" القديمة وشرحوا مكامن الخطأ في تفسيرهم لها. لم يخجلوا، كما شرحوا في "مراجعاتهم"، من القول "إننا أخطأنا". أنور السادات، الرئيس المصري الراحل الذي اغتالته الجماعة في 1981، صار "شهيداً"، بعدما كان عدوها في السابق. تطبيقها لمفهوم النهي عن المنكر بالقوة كان خطأ أيضاً، كما تعترف. ولكن، كما في الجزائر كذلك في مصر. ف"جماعة الجهاد" التي يقودها الدكتور أيمن الظواهري، أعلنت منذ البدء معارضتها مراجعات "الجماعة الإسلامية" أعلنت جماعة الظواهري وقفاً لعملياتها المسلحة منذ 1995 من منطلق "عدم القدرة"، وليس من منطلق عدم شرعية ذلك، كما تقول "الجماعة الإسلامية". وفي ظل غياب الظواهري، غير القادر على ما يبدو على الرد بنفسه على "الجماعة الإسلامية"، يُلاحظ ان محسوبين على "جماعة الجهاد" يشنون منذ فترة حملة عنيفة على مراجعات "الجماعة" وصل بعضها الى حد التحذير من تفككها وتحوّلها جماعات مختلفة. وبين هؤلاء يبرز إسم الدكتور هاني السباعي الذي يدير في لندن "مركز المقريزي للدراسات التاريخية" والذي تقول أجهزة الأمن المصرية انه قيادي في "جماعة الجهاد". التقت "الحياة" السباعي في منزله في منطقة هامرسميث، غرب العاصمة البريطانية، وسألته عن أسباب حملته على "الجماعة الإسلامية". وفي ما يأتي نص الحوار:
ما هي أسباب الحملة العنيفة التي تشنها حالياً على "الجماعة الإسلامية"؟
- لا أشن حملة على "الجماعة الإسلامية"، بل أجري تقويماً لتصريحات قادتها. إنه تقويم فقط. فقد بلغ السيل الزبى، وصارت تجربتهم تُتخذ مُتكأ لكل من هب ودب في الطعن في التيار الإسلامي الرافض الهيمنة وفساد الأنظمة. صار موقفهم يُتخذ أساساً لتوجيه سهام الى الإسلام العريض وليس الى جماعة بعينها. هم المنتقدون يتخذون تنازلات هذه الجماعة ومراجعاتها وانهيارها الفكري ... للقول ان هذا الإسلام الرافض هيمنة الحكام والأميركيين غير صالح. هذا هو السبب الذي دفعني الى إعلان موقفي هذا. وليس في الأمر شماتة. أريد النصح ما استطعت.
ولكن، ما هي اعتراضاتك على مراجعات الجماعة و"مراجعات المراجعات"؟
- هذه المراجعات مصدر ريبة كونها وُلدت في بيئة غير صالحة. وُلدت في بيئة السجون التي لا تُفرز إلا سلخاً مشبوهاً. وهذا السلخ المشبوه سمّوه بعد ذلك المراجعات الفكرية ل"الجماعة الإسلامية". لماذا لا يُفرجون عن قادة "الجماعة" ليكونوا في مناخ خصب وليصلوا الى الأفكار التي وصلوا اليها أو الى أفكار أخرى غير التي وصلوا اليها، لنستطيع ان نعلم ان هناك حرّية رأي واختيار...
لكنهم قالوا أكثر من مرة انهم وصلوا الى هذه المراجعات من دون ضغط خارجي. جلسوا في السجون وتناقشوا في هذه الأفكار فتوصلوا اليها عن اقتناع وليس نتيجة ضغط من الحكم المصري. أليس ذلك صحيحاً؟
- أي إنسان سجين يستطيع ان يأتي في التحقيقات ويقول: فعلت كذا وكذا وفعلت هذه الجريمة أو ذلك العمل. ويسأله المحقق: هل أكرهك أحد على الاعتراف؟ فيرد: لا لم يكرهني أحد. على رغم انه عُذّب في السجن. وجوده في السجن في حد ذاته يُعتبر تعذيباً.
قد ينطبق هذا الأمر على شخص أو شخصين من قيادة "الجماعة"، ونحن نتكلم على قيادة كبيرة جلست بحرية مع بقية السجناء وناقشتهم علناً في هذه الأفكار وحاولت إقناعهم بهذه المراجعات.
- ما ينطبق على فرد ينطبق على جماعة. الإكراه اكراه. من يتصف بصفة معينة فهو محل توقف، أي نتوقف في آرائه خشية ان يكون مكرهاً. لماذا؟ لأنه قد يحصل وتتغير الأمور وتحدث بحبوحة من الحرية بعد ذلك ل"الجماعة"، فنرى انهم هم انفسهم يقولون: كنا مكرهين مستضعفين في الأرض، وكنا في السجون لا نستطيع وقف التيار الجارف علينا، فاضطررنا ان نكتب مثل هذه الكتابات التي أمليت علينا من بعض المشايخ، ونكتشف ساعتئذ أسراراً لم نكن نعرفها من قبل.
إذاً، قد يتخذون عذراً دينياً آخر. هم بدأوا مشروعهم كجماعة عقدية باسم الدين، قامت لتغيير المنكر باسم الدين. قتلت الرئيس الراحل أنور السادات باسم الدين. استحلت أموال النصارى وأموال المسلمين باسم الدين. ثم هم الآن تراجعوا وقالوا: نحن مخطئون، أخطأنا في هذه العمليات، وهذا حرام، بل ان السادات صار شهيداً. الرجل الذي كان أكبر عميل للأميركيين والصهيونية، في نظرهم، صار شهيداً. قالوا ذلك باسم الدين أيضاً. من قبل قالوا راجعنا أفكار الفقهاء ليبرروا عملياتهم، والآن في مراجعاتهم قالوا راجعنا أفكار الفقهاء. لنفترض ان هناك فترة أخرى مرت وتغيّر المناخ وأرخت الدولة قبضتها، فماذا عسانا أن نجد؟ قد لا يطمئن الناس العاديون الى موقفهم الجديد هذا. كيف نطمئن الى جماعة تتراجع بين عشية وضحاها من الأسود الى الأبيض ومن الأبيض الى الأسود. كيف يمكن ان تطمئن النفوس الى مثل هذه المراجعات؟ هذا من الناحية الشكلية. ولكن لنفترض انهم مصرّون على موقفهم الجديد هذا، فهذا له حوار آخر. ما أريد ان أقوله ان المبادرة ولدت في مناخ باطل هو مناخ السجون، فما بني على باطل فهو باطل.
إحدى نقاط المراجعات تتعلق بوقف العنف. هل تعتبر ان هذه المراجعة خطأ أيضاً؟
- مبادرة ما يُسمّى بوقف العمل المسلح، وبين قوسين "العنف"، غير مُبرّأة. لا أسمي الجهاد كمصطلح شرعي عنفاً. هم يسمونه عنفاً. أطلقوا عليه مسمى العنف بالمصطلح الإعلامي التشويهي، بما يتضمن من قتل عشوائي وإباحة دم المعصومين.
لكنهم درسوا أفعالهم وخلصوا الى انهم كانوا على خطأ.
- هذه المبادرة خُطط لها في مباحث أمن الدولة. الذي خطط لها وأشرف عليها كاملة هو اللواء م. ر.، مسؤول النشاط الديني في مباحث أمن الدولة والذي حل محل اللواء رؤوف خيرت الذي اغتالته الجماعة الإسلامية بأمر من طلعت ياسين همام الذي قتلته بعد ذلك مباحث أمن الدولة في مباني الضباط في القاهرة. رؤوف خيرت هو الرجل الشبح الخفي الذي لا يعرفه أحد. الآن انكشف المخبوء وصار اللواء م. ر. محل اللواء خيرت. م. ر. يتخذ الآن السياسة التي كان يتبعها اللواء حسن أبو باشا، وهي مسألة الاستقطاب والحوار. سياسته كرجل أمن: إضرب بقوة، ولكن في الوقت نفسه لا مانع من ان تحاور، ولكن شرط ان تستقطب انت من تحاوره الى ما تريده. وهذا ما فعلوه الآن. اخترعوا قضية لجس نبض "الجماعة الإسلامية" في البداية. كانت القضية ضرب السياحة، إذ كان ذلك أمراً مؤلماً للحكم المصري في تلك الفترة. فأرادوا ان يضربوا اي الحكم بقوة فحوّلوا كل المحاكم وقتها الى محاكم عسكرية. لم تتحمل "الجماعة الإسلامية" المحاكمات العسكرية ولا كميات القتل والأحكام التي صدرت في حق اتباعها. وكان قرارها ضرب السياحة من أكبر الأخطاء القاصمة التي ارتكبتها. كل التيار الإسلامي بما فيه جماعة الجهاد لم يرض بأن تهاجم الجماعة السياح وتبدأ بهذه الطريقة العشوائية في قتل السياح. فبعد ان كانت الأمم الأخرى تراقب ان هناك جماعة تحارب نظاماً كبقية الجماعات المعارضة، صارت القضية ان هذه الجماعة تستبيح دماء الضيوف والسياح الأجانب. فاستعدوا بذلك الأوروبيين والأميركيين والدنيا كلها وصار النظام ضحية بعد ان كان هو الذي يقتل. إذاً، أكبر قضية خسرتها "الجماعة" وتسببت في ليّ ذراعها والسبب في انها تنازلت كل هذا التنازل هو بعد بدئها بضرب السياحة.
طبعاً لم تتنازل الجماعة في بادئ الأمر في قضية السياحة، لأن لجنة شرعية باسمها هي التي سمحت بضرب السياحة، والأخوة في السجون من قيادة الجماعة هم أيضاً من سمح بذلك من دون ان تكون عندهم أدلة شرعية. في بادئ الأمر سُئل الأخوة في الجماعة أثناء محاكمة المتهمين في قضية اغتيال رفعت المحجوب في بدايات العام 1992: لماذا تضربون السياحة؟ فردوا: ضربناهم لأننا نريدهم ان يعيدوا الينا مساجدنا ويفرجوا عن إخواننا. فهل هذا مبرر؟ وما ذنب السائح في صراعك مع السلطة.
تقول هذا الكلام اليوم ولم تقله في السابق عندما كانت الجماعة تقتل السياح في بداية التسعينات؟
- أولاً، من أدراك أننا لم نقل ذلك؟ لم نقل بوسيلة إعلامية. في تلك الفترة لم تكن عندي علاقة بالإعلام. كنت محامياً في مصر في تلك الفترة، وكان هناك تناصح بيني وبين بعض الأخوة وكنا ننتقد ما يقومون به. ثانياً، تيار "الجماعة الإسلامية" لم يكن يسمح لك بأن تنصح. كانوا يتهكّمون من الإخوة والشباب الذين ينصحونهم. عندما يُفجّرون سينما أو حانة أو يقومون ضد الأفراح من منطلق تغيير المنكر بالقوة وضرب الراقصات وأمور من هذا القبيل، كان يُقال لهم: هذا تبديد لقوتكم والأمن سيعوّض هؤلاء الذين يُقتلون. فيردون: تغيير المنكر بالقوة فرض عين. كانوا يرون ذلك فرض عين، وهذه نظرية عند بعض الفقهاء. لم يكن فرض كفاية في نظرهم. كانوا يتبنون أقصى درجات التفسير لتغيير المنكر ويرونه فرض عين. والآن أخذوا موقفاً مختلفاً تماماً، بل وصل بهم الأمر الى حد ضرورة التبليغ حتى وإن خالفتك بالفكر. مختار حمزة، شقيق مصطفى حمزة، قال هذا في "المصوّر". قال انه لو حاول ان يُقنع أحداً بالمراجعات التي يقومون بها ولم يوافق هذا عليها، فلا بد من ان يُبلّغ عنه أجهزة الشرطة والأمن. هذا من بعد ان كانوا يدفعونهم الى تغيير المنكر بالقوة، على رغم ان العلماء وضعوا ضوابط للتغيير خشية ان يؤدي التغيير الى منكر أشد. هذا يدل على انه أصلاً في تأسيس الجماعة فكرياً هناك خلل. عندما تبنوا بعض المسائل الشرعية الفقهية لم يدرسوها دراسة متأنية وعابوا على الفرق الأخرى التي كانت تتأنى وترى ان هذا الصراع ليس سهلاً بل يحتاج الى دراسة شرعية قوية ويحتاج ليس الى ضربة هنا أو هناك. هم من استعدى الشعب من كثرة اسلوبهم الغليظ في تغيير المنكر بالقوة أمام الناس. إذاً عندما قمعهم النظام بسبب تصرفاتهم هذا هو السر في انهم تراجعوا. فاستغل النظام ذلك من طريق اللواء م. ر. ربما لا يعرف حتى ضباط أمن الدولة من هو هذا اللواء. ربما يدخل الوزارة ولا أحد يعرفه. رؤوف خيرت كان يمشي في الشارع من دون حراسة. اغتالوه في شارع الهرم بعد معلومة خرجت من وزارة الداخلية. ترقبوه في شارع الهرم وقتلوه بقنابل المولوتوف. كان يمشي في سيارة عادية، ولم يكن أحد يعرف انه هو الشخص الخطير الذي يشرف على عمليات الأمن. استغل اللواء م. ر. تراجع الجماعة وبدأ حوارات مع قادتها، على رغم انهم لا يصرّحون بذلك. يقولون قادة الجماعة ان هذه المراجعات هي من عند ذاتياتنا. هكذا تصدر المراجعات من عند أنفسهم فقط؟ لا، واضح ان هناك اتفاقات بينهم وبين النظام لكنهم لا يريدون ان يُحرجوه. توصلوا في البدء الى اتفاق على القول ان هدنة الجماعة من طرف واحد. لكن أطرافاً في النظام شككت حتى في إعلان الجماعة في حد ذاته، وقالوا انه لا بد عليكم من ان تكتبوا مواقفكم كتابة. في الفقه الإسلامي يمكنك ان تجد بعض المثالب التي يمكن جمعها في مرجع كبير تجمع فيه مثالب هذا المذهب او ذاك. هناك آراء شاذة في الفقه يمكن جمعها لتكون مرجعاً في الزندقة. وهكذا تبنى اخواننا بعض الأفكار والنظريات. وأُجهّز حالياً رداً شرعياً على كل ما ورد في كلامهم ومراجعاتهم.
وكيف ترى مصير "الجماعة" في ضوء مراجعاتها؟
- لم تستفد "الجماعة الإسلامية" تاريخياً من التجارب السابقة. في العام 1989 أعلن أربعة من قادتها المتهمين في قضية الفنية العسكرية في 1974 تبرؤهم من أفكارهم السابقة ووصفوا الجماعة بأنها متطرفة وقالوا ان الحاكم لو أدى الشعائر الإسلامية لا يجوز الخروج عليه. قال الأربعة كلامهم ونقلته وسائل الإعلام. وكانت الدولة أوعزت اليهم انهم إذا فعلوا ذلك فسيفرج عنهم، بعدما قضوا فترة طويلة، إذ كانوا مسجونين منذ العام 1974 حتى 1989. ولكن بعد ان استنفدتهم الدولة وقابلهم وزير الداخلية وظن الناس انهم سيخرجون، لم تخرجهم الدولة ولم تفرج عنهم حتى قضوا فترة محكوميتهم كاملة. "الجماعة الإسلامية" استنكرت في ذلك الوقت كلامهم واعتبرته سقوطاً وتحدثت عن الذين باعوا دينهم. لكن طبعاً "الجماعة الإسلامية" في مراجعاتها الحالية تقول ان الحاكم إذا لم يحكم بشرع الله كلية او ببعض شرع الله فإنه لا يجوز على الإطلاق الخروج عليه بل تجب طاعته والسمع له.
هل تعتقد ان هذا الأمر يتكرر مرة أخرى؟
- لقد تكرر. فحتى الآن هم لم يفرجوا عن القادة. قول السلطات انها اطلقت الفاً من الجماعة ذر في العيون. الأخ كرم زهدي زعيم "الجماعة" يكاد يكون امضى العقوبة كاملة حتى الآن ولم يخرج، وهو زعيم الأمر. وحتى ولو خرج، فإنه سيخرج بعد ان يكون استُنفد وضمن هالة معينة. لا بد من ان نوازن بين الحوادث التاريخية. في بداية الثمانينات قال المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ عمر التلمساني ان السادات قُتل مظلوماً وشبّهه بالخليفة الثالث المبشّر بالجنة. عندما قال ذلك هاجمته "الجماعة الإسلامية"، ولم تكن وحدها بل كل التيار الإسلامي بما فيه "جماعة الجهاد". وكان من بين ما فعلوه ان كتبوا رسالة وسلّموها الى أحد الأخوة المحامين الذي ذهب مع الأخ مجدي سالم - من قيادات "جماعة الجهاد" - وسلما الرسالة الى مجلة "الدعوة" في مقر الإخوان في سوق التوفيقية في القاهرة، وفيها استنكار واحتجاج على هذا التشبيه الآن صار السادات شهيداً، فلماذا لمتم التلمساني؟ لم تقولوا انه كان يناور ربما بتشبيهه هذا من أجل المحافظة على جماعته. والآن تقولون علناً انه قُتل شهيداً.
الى ماذا سيؤدي هذا الوضع؟
- أدى الى تململات، لكن الجماعة تداريها. نجحت الدولة في انها عزلت قيادة الجماعة عن جمهورها. لا يهولنّك ال500 الذين جاؤوا بهم الى مؤتمر الجماعة. صار لهؤلاء سنوات في السجون ويريدون ان يخرجوا. يريدون ان يخرجوا لكنهم يقولون في قرارة انفسهم انهم لن يجتمعوا مع هذه الجماعة مرة أخرى. فما الذي سيجعلني اتحالف مع جماعة متحالفة مع النظام، وتقول عن الجنود الذين كانت تقتلهم من قبل انهم مسلمون مثلنا، وليس فقط مسلمون بل صالحون أيضاً. إذاً، لماذا نرتبط بالجماعة ما دام النظام صالحاً، فلنرتبط به. لماذا نُشكّل جماعة؟
سيخرج فريق من الجماعة من السجون ليطالب بحلّها بعدما لم يعد هناك مبرر لوجودها. آخرون سيقولون ان اسم الجماعة ليس جيداً لأنه ارتبط بالدم واستحلال الأموال والاعتداء حتى على بسطاء الناس مثل خفراء نقاط الشرطة وخفراء السكك الحديد وعساكر المطافئ واستحلال أموال البنوك الزراعية وبنك الائتمان الاجتماعي. إذاً، سيقول هذا الفريق ان الجماعة يجب ان تُحل. ثم يأتي فريق آخر يقول: هؤلاء أوردونا الهلكة وتسببوا في ما حصل ويجب الحجر عليهم. ومنهم من قد يطالب بمحاكمتهم محاكمة شرعية. سيقولون لهم: ما هو تصنيفكم لأنفسكم: هل كنتم فرقة بغاة خرجتم على الإمام الحق؟ هل انتم جماعة من الخوارج أو قطاع الطرق؟ على أي حال، عندما اعلنتم نبذ العنف وتبرّأتم منه وتبتم، هل كنتم من المقدور عليهم أم غير المقدور عليهم؟ فهذا في كتب الفقه له آثار مختلفة. فاذا كان الشخص من المقدور عليه - اي كان في عهدة القاضي والحاكم - فتوبته هنا لن تنفع. أما إذا تاب قبل القدرة فتوبته تنفع، إلا في بعض القضايا مثل الدماء والقتل العمد. وهنا الفقهاء يقولون ان من حق الذين قُتلوا ان يقتصوا. من حق الحاكم ان يعفو عنهم في القضايا العامة ولكن من حق الناس العاديين ان يأخذوا حقهم. من ناحية التوصيف، انتم لم تنبذوا هذا العنف إلا بعد القدرة عليكم، وبعد فترة طويلة من السجن. وبعد ان ملككم السلطان او الحاكم الذي تصفونه بالمسلم، من حقه الآن الا يقبل توبتكم ولا يقبل حتى مراجعتكم. فأنتم عنده الآن صرتم محل شك، إذ لم تتوبوا قبل ان يقدر عليكم. تبتم بعد. فحتى لو عفا السلطان أو الحاكم عنك، فهذا لا يُسقط حق ولي الأمر في مسائل القصاص. في حادثة أسيوط في 1981 قتلتم وذبحتم، وكان ذلك سبب خلافكم مع جماعة الجهاد التي قالت لكم انها عملية عشوائية سُفكت فيها دماء كثيرة من دون أي داع، وهو أمر دفع بالشيخ عمر عبدالرحمن - وهو أمر كانوا يخفونه قبل ذلك - بأن يأمرهم بالصوم 60 يوماً كفّارة قتل خطأ. ولكن هذا لا يمنعهم من تأدية الدية، والدية هي مئة من الإبل لكل قتيل. قالوا في بعض حواراتهم سنؤدي الدية لبعض القتلى من تجارة بعض الكتب. ولكن هل تكفي تجارة الكتب والعطور والأسوكة لجمع مال يكفي ليكون دية قتيل واحد فقط؟ مئة من الإبل كاملة، وهذه دية غير دية القتل شبه العمد وهي ديّة مغلّظة.
ما أقوله هو ان هذه الجماعة قدر عليها الحاكم، وأتوقع انها ستتشرذم وتتحول الى مجموعة من الجماعات وسينظر بعض الشباب الى هذه القيادة التاريخية كما ينظرون الى بعض مشايخ وزارات الأوقاف. بعض الناس ينظر بالفعل اليهم بهذه الطريقة. وهنا ربما سيخرج تيار أشد وسيذوبون في جماعات أخرى، بعضهم ينضم الى جماعة الجهاد وبعضهم يؤلف جماعة أو جماعات جديدة.
ماذا سترد اذا قال لك مناصرو "الجماعة الإسلامية" انك تتدخل في أمر لا يعنيك. فأنت محسوب على "جماعة الجهاد" والمراجعات نقاش داخل "الجماعة الإسلامية"؟
- انا محسوب على الإسلام العريض، ولا اختزله في جماعة ضيقة صغيرة. وهم يتكلمون عن قضايا كبيرة علناً، ومن حقي كمسلم ان اتصدى لها. يتكلمون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا الإكراه والامان، وهم ايضاً اعترفوا بأنهم اخطأوا ودمّروا. انا ادعوهم الى ان يستقيلوا ويتنحوا وأن يلزموا بيوتهم. فالإسلام ليس حقل تجارب، مرة يسفكون فيه الدماء باسم الإسلام ومرة يعطون الأمان باسم الإسلام. من حق أي مسلم ان يرد عليهم.
بعض المراجعات الأخيرة تناولت تفجيرات تُنسب الى تنظيم "القاعدة" خارج مصر مثل تفجيرات الدار البيضاء والرياض. فما هو موقفك منها؟
- هم يُحرّمون على غيرهم ويسمحون لنفسهم. لماذا يتدخلون في قضايا لا تكون لهم فيها معلومات، خصوصاً انهم داخل السجون؟ من حقهم ان يتصدوا لمثل هذه القضايا ولكن يجب ان يسمحوا أيضاً للناس أن ترد عليهم. قضية تفجيرات الرياض والدار البيضاء لا بد من ان تتوافر عندك معلومات عن الحدث. هناك تعتيم كامل على هذه القضية. ولكن معلوماتي هي ان تنظيم القاعدة او بعض التنظيمات المحسوية عليه تبنت التفجيرات وقالوا انهم قاموا بذلك. هم يقولون اننا فعلنا ذلك، لم نقتل مدنيين ولكن كنا نستهدف ثكنات عسكرية ... وصدف ان وجد من يخدم الأميركيين من المدنيين أو الناس العاديين والموظفين. في هؤلاء يقولون الذين قاموا بالتفجيرات انهم لو كانوا يمرون مروراً عادياً وقُتلوا وهم مسلمون فهم عند الله شهداء ويبعثون على نياتهم. أما إذا كانوا يخدمونهم - وهم نبّهوا الا يقترب أحد من أماكنهم - فهم يقولون اننا حذّرنا الناس. هذا هو فكرهم.
وهل توافقهم على ذلك؟
- هذه أراؤهم.
أريد ان اعرف موقفك انت وليس هم؟
- في ماذا بالضبط؟
في هذه النقطة: هل ترى جواز قتل الأميركيين المدنيين في السعودية؟
- هم يقولون ان الأميركيين لم يأتوا لخدمة الشعوب العربية والإسلامية. الأميركيون جاؤوا محتلين، ومن حق اي انسان ان يقاوم المحتل. فإذا كان وصفهم بالمحتل، فيجوز عندها محاربتهم.
تبرر الهجمات إذاً؟
- ليس لك ان تأخذ مني تبريراً او غير تبرير. انا اتكلم على قراءة في أفكارهم، أما رأيي في الضرورة فلن أبوح به.
بجملة قصيرة: لن تدين تفجيرات الرياض والدار البيضاء؟
- لن تأخذ مني رداً، لا هكذا ولا هكذا. على طريقة الانكليز: "نو كومنت" لا تعليق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.