طالب المدير العام لشركة "الراجحي المصرفية للاستثمار" إحدى أكبر المصارف السعودية السيد عبدالله السليمان الراجحي حكومة بلاده باقرار المزيد من خطوات التخصيص للمرافق العامة ولحصص الحكومة في الشركات العملاقة وتسريع وتيرة ما سماه "التطوير" الاقتصادي في البلاد بالتزامن مع قرب انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية. واعتبر الراجحي في حديث الى "الحياة" ان من ثمرات بيع جزء من اسهم شركة الاتصالات السعودية ازدياد اعداد المستثمرين في سوق الاسهم السعودية بعد اكتشاف الكثير من المواطنين ان البيع والشراء امر يسير خصوصاً مع التقنيات المتوافرة في نظام التداول. وقلل المصرفي السعودي من احتمالات تأثر القطاع المصرفي في بلاده من المنافسة الخليجية الحالية أو العالمية المقبلة مؤكداً متانة الوضع المالي والتشغيلي للمصارف وقدرتها على التنافس وتوسيع دائرة اعمالها خارج حدود السعودية. وفي ما يأتي نص الحوار: في شكل عام كيف تقومون وضع القطاع المصرفي السعودي بعد التطورات العالمية السياسية والاقتصادية، والمتغيرات الاقتصادية الداخلية في البلاد؟ - حقق القطاع المصرفي السعودي تطوراً ونمواً سريعين خلال السنوات الأخيرة واستطاع تحصين نفسه واثبات قدرته بأن يكون قوة دافعة قادرة على النمو والتطور في ظل التحديات العديدة والتغيرات الكبيرة والمتسارعة التي يشهدها العالم، واليوم يقوم القطاع المصرفي على بنية تحتية تقنية متطورة استطاع من خلالها توفير منظومة متميزة من الخدمات المصرفية الالكترونية للعملاء وأن يكون بذلك من القطاعات المصرفية المتقدمة في المنطقة ككل. القطاع المصرفي في السعودية كان باستمرار وسيظل أحد أهم عوامل استقرار وقوة الاقتصاد السعودي وقوته، حيث يتميز هذا القطاع بأنه قوي من ناحية رؤوس الأموال التي بلغت حتى نهاية عام 2002 نحو 5،24 بليون ريال 5،6 بليون دولار وهي مرشحة للزيادة باستمرار. كما ان القطاع المصرفي يتمتع بمعدل كفاية في رأس المال تتراوح بين 20 و25 في المئة في شكل عام، وهي معدلات تفوق بكثير المعدلات الدولية المطلوبة لتحقيق الكفاية المالية وفقاً لمقاييس لجنة بازل المعروفة. وفي الاجمال أضحت المصارف السعودية شريكاً رئيساً في التنمية ومحوراً اساسياً في خطط التطوير والاصلاح الاقتصادي ويعول عليها كثيراً في المراحل الاقتصادية المقبلة. الى ماذا يعود هذا النجاح الذي تتحدثون عنه، هل صورة القطاع المصرفي مشرقة الى هذا الحد؟ - هناك عوامل كثيرة لعل أهمها الإشراف القوي والدقيق من مؤسسة النقد العربي السعودي التي حرصت منذ إنشائها على إرساء قواعد متينة ومتطورة للقطاع المصرفي وتعاونت مع المصارف في تخطيط وتنفيذ مشاريع الكترونية عملاقة بدأتها من حيث انتهى الآخرون الذين ربما كانت لهم تجارب مصرفية أعرق، وهي تنتهج سياسة مصرفية يصفها بعضهم بأنها شديدة التحفظ. لكن التجارب والأحداث أظهرت ان هذه السياسة متحفظة بالقدر الآمن خصوصاً في ما يتعلق بحجم الاحتياطات التي تجعل القطاع دوماً في مأمن من التأثيرات المفاجئة والاحداث غير المتوقعة. الأمر الآخر هو ان المصارف السعودية تعمل في اقتصاد قوي هو أقوى إقتصاد عربي وتتفاعل بايجابية مع معطيات هذا الاقتصاد وكانت شريكاً حقيقياً في تمويل الكثير من المشاريع العامة والخاصة. وسبق لي أن قلت ان حجم التمويل المصرفي للمشروعات المحلية يزيد على حجم الودائع بنسبة 111 في المئة وهو رقم من النادر ان تجده في أماكن كثيرة حول العالم. وبالطبع أعتبر شخصياً ويشاركني الكثيرون هذا الرأي، ان الصورة مشرقة على حد تعبيرك. فالمصارف السعودية بلا استثناء شركات مساهمة يشارك الجميع في ملكيتها وتحقق للمساهمين فيها والمتعاملين معها أرباحاً متنامية وتخدم اقتصاد بلادها وتعزز من قدرات تنفيذ مخططات الاصلاح والتطوير... كل ذلك يجعل منها قطاعاً قوياً ومميزاً. ألم تعانِ المصارف السعودية أي عقبات بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، خصوصاً مع التحرك الدولي لتشديد الرقابة على حركة الأموال وعمليات غسيل الأموال؟ - المصارف السعودية لم تتعرض لأي شيء من هذا القبيل، وعلى رغم تنشيط التحرك الدولي تجاه تطبيق انظمة اكثر حزما لمكافحة غسيل الاموال والجرائم الاقتصادية إلا ان كل ذلك لم تعتبره المصارف استنفاراً أو موجة جديدة بسبب ان المملكة العربية السعودية وعبر مؤسسة النقد العربي السعودي كانت من أوائل الدول التي صادقت على اتفاق مكافحة غسيل الاموال والجرائم الاقتصادية والتوصيات الأربعون الشهيرة التي صدرت عن فريق العمل المالي لمكافحة غسل الاموال قبل احداث أيلول بسنوات عدة. وفي مجلس وزراء الداخلية العرب وجهت السعودية دعوة واضحة في هذا الاتجاه قبل الحدث نفسه بسنوات عدة الأمر الذي يعكس اهتمام الحكومة والمؤسسة في هذا الشأن قبل تزايد الاهتمام العالمي. وأخيراً أنهت معظم المصارف السعودية تحقيق متطلبات التوافق مع الجهات الرقابية ومع البنوك والمؤسسات الخارجية وبالتحديد متطلبات التقويم المشترك من قبل لجنة فريق العمل المالي وخصوصاً للعمليات الالكترونية المباشرة عبر الحدود ومن خلال القنوات التقنية. وربما لا يعرف الكثيرون ان مؤسسة النقد أصدرت عام 1996 دليلاً مفصلاً في هذا الشأن وبدأت منذ ذلك الحين المطالبة بتحقيق متطلبات التوافق لكن الاحداث سرّعت من وتيرة العمل في هذا الاتجاه. كل ذلك، إضافة الى سمعة وموثوقية القطاع المصرفي السعودي، جعل المصارف لا تواجه أي عقبات تذكر. ماذا إذاً عن طلب مؤسسة النقد العربي السعودي من المصارف تحديث بيانات جميع عملائها؟ - هذا إجراء وقائي متعارف عليه في جميع انحاء العالم حيث يتم كل فترة زمنية تحديث بيانات العملاء، وبالنسبة الى تعليمات مؤسسة النقد فهي تعليمات دورية تصدر كل يضع سنوات ولكنها جاءت هذه المرة بالتزامن مع عوامل عدة منها الاحداث العالمية. ولكن أيضاً منها تغيير نسبة كبيرة من بطاقات الاحوال المدنية للسعوديين من بطاقات مفتوحة التاريخ الى بطاقات محددة التاريخ والغاء القديمة بالكلية. وكذلك البدء خلال العام الماضي في إصدار بطاقات الاحوال المدنية للسيدات السعوديات، فضلاً عن ان هذا الإجراء يساعد المصارف كثيراً تنظيمياً وتسويقياً. يبدو أن السعودية اقتربت كثيراً من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، هل تخشون في القطاع المصرفي من المنافسة المقبلة؟ - قبل إصدار مجلس التعاون الخليجي قرار السماح بافتتاح فروع للمصارف الخليجية في الدول الاعضاء تناولت التحليلات والتوقعات الصحافية ذلك ببعض التخوف على المصارف السعودية. اليوم وبعد مرور سنوات من بدء المصارف الخليجية افتتاح فروعها في المملكة وبعد دخول ثلاثة من المصارف المعروفة في بلدانها، ثبت ان ذلك لم يؤثر، سلباً والسبب ان المصارف السعودية تتمتع بملاءة مالية قوية ولها رؤوس اموال ضخمة وهي انشأت بنية تحتية قوية خصوصاً في الجانب التقني كما اسلفت، ويديرها كوادر متخصصة ومحترفة، ولها منتجات وخدمات فريدة... كل ذلك يجعلها لا تتأثر في الشكل الذي يتصوره بعضهم. ان دخول المصارف، خليجية كانت أو عالمية، سيزيد روح المنافسة التي تخدم الاقتصاد والناس وسيزيد من المصارف المتخصصة في عمليات معينة وسيكون اجمالاً عامل دفع للاقتصاد وبالتالي اتوقع ان يكون عامل دفع للمصارف السعودية أيضاً. تعيش السعودية ما تسميه الجهات الرسمية فترة اصلاح وتطوير اقتصادي، كيف تنظرون كمصرفيين لهذه المرحلة وما هو دور المصارف في انجاحها؟ - لا يختلف اثنان في ان اقتصاد المملكة هو اقوى اقتصاد عربي، وان لديها أعلى نسبة نمو سكاني ربما على المستوى العالمي، وانها قبلة رئيسة للايدي العاملة والمستثمرين ومسوقي المنتجات والخدمات. ومع انها تصنف ضمن الاسواق الناشئة إلا انها بارزة وحاضرة بقوة على الساحة الدولية لأهميتها في اكثر من مجال، فلها ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي النفطي إن جاز لي استخدام هذا التعبير. ومن طبيعة الاشياء ان تتطور خصوصاً أن أنظمتنا إجمالاً وضعت لمراحل تنموية معينة وأصبح لزاماً تغيير وتطوير بعضها. شخصياً أعتقد بأن هناك مناطق تحققت فيها انجازات ملموسة ومناطق لا تزال وتيرة العمل فيها بطيئة، فعند الحديث عن انشاء جهات جديدة وإعادة هيكلة أخرى فنحن نسير بوتيرة طيبة اذ تم إنشاء الهيئة العامة للاستثمار وأعيد إصدار نظام الاستثمار وهو قيد التطوير باستمرار، وتم إنشاء الهيئة العليا للسياحة والمجلس الاقتصادي الاعلى وغيرها. وفي المقابل عند الحديث عن إصدار انظمة جديدة أو تطوير انظمة قائمة نلحظ بطئاً نسبياً، ونتمنى ان يكون هناك آلية تسرع من هذه الانظمة. وفي حال صدورها وإقرارها نتمنى تفعيل تطبيقها على أرض الواقع لقطف ثمارها إذ انها تكمل خطوات الاصلاح الاقتصادي الاخرى. والقطاع المصرفي كان وسيكون حاضراً في كل ذلك فعند التخصيص سيكون هو الممول وربما المستشار وأيضاً المنفذ، وعند استقطاب الاستثمارات الاجنبية سيلعب الدور نفسه. واعتقد ان المصرفيين ينظرون الى كل ذلك بالتفاؤل من جهة، والاستعداد للمشاركة والمواكبة من جهة ثانية. بالحديث عن المشاركة كيف ترون مشاركة القطاع المصرفي عموماً وشركتكم خصوصاً في المشاريع الحيوية المحلية التي يستفيد منها الاقتصاد السعودي؟ - القطاع الخاص السعودي شريك حقيقي في التنمية التي تبنتها الحكومة منذ زمن، وانطلاقاً من هذا فإن بعض المصارف السعودية ساهم وشارك بفعالية في عمليات التمويل الحكومية وفي ترتيب القروض الضخمة لكبريات شركات القطاع الخاص فضلاً عن الدراسات والاستشارات. ومن جهتنا فقد قامت الشركة بالمشاركة في عدد من المشاريع الحيوية التي تخدم المجتمع ومنها على سبيل المثال لا الحصر تنفيذ الشركة لعدد 500 مدرسة لمصلحة وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات سابقاً في مختلف مناطق المملكة، كما ساهمت الشركة في تمويل محطة كهرباء الوسطى بالتعاون مع أحد البنوك المحلية. والأهم من هذا وذاك قيام "شركة الراجحي المصرفية" بأكبر عقد تمويلي يقوده بنك بمفرده على مستوى المملكة من خلال تمويلها لمحطة كهرباء الشعيبة في المنطقة الغربية، وغير ذلك من مشاريع البنية التحتية والمشاريع الصناعية العملاقة. وهي لم ولن تتأخر عن أي مشروع يخدم هذا الوطن ويساهم في التنمية الشاملة فيه. يعتقد بعض المراقبين الاقتصاديين ان مسيرة التخصيص ضعيفة نسبياً، ويستشهدون على ذلك بقلة المنجز في هذا الشأن؟ ما رأيكم؟ - الجميع يطمح الى الأفضل. صحيح ان هناك تباطؤاً نسبياً في عمليات التخصيص لكن هذا لا يقلل من المنجز. فالمنجز كثير لكن يبدو انه غير كاف، فهناك تخصيص شبه كامل لخدمات الموانئ، وتخصيص جزئي لخدمات البريد، وتخصيص كامل لقطاع الاتصالات وعلى رغم احتفاظ الحكومة بحصة الاسد في الشركة. وهناك دمج شركات الكهرباء في شركة عملاقة، وتخصيص لخدمات البترول والغاز المساندة عبر الشركة الجديدة التي تم اشهارها العام الماضي تحت مظلة وزارة البترول.