انطلقت أعمال مؤتمر أبحاث التمويل الإسلامي، الذي تنظمه جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، في فندق الريتز كارلتون بمدينة الرياض. حضر المؤتمر الدكتور فهد المبارك محافظ مؤسسة النقد السعودي الذي ألقى الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، وشارك فيه نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي عبدالعزيز الفريح متحدثا رئيسا، والخبير المالي العالمي الدكتور فرانكلن ألن (Franklin Allen) من كيلة وارتون في جامعة بنسلفانيا وكلية امبريال لندن.
وذكر الدكتور فهد المبارك في كلمته في افتتاح المؤتمر أن المصرفية الإسلامية تحظى باهتمام دولي متنام منذ عدة عقود نظراً لنموها الكبير وصمودها أمام الأزمات المالية، إضافة إلى ان صيغ التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تركز على مبدأ الاستثمار في الأصول الحقيقية والمشاركة في المخاطر واضاف ان نموذج التمويل الإسلامي ساهم في انتشار مبادى التمويل المعتمد على الأصول الحقيقية وتبنيها في قمة دول العشرين كخيار مثالي لتمويل مشاريع البنية التحتية في العديد من دول العالم، وفي هذا السياق فقد بلغت أصول المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة ما يزيد على نحو تريليوني دولار على المستوى الدولي تقدم من خلال اكثر من الفي مؤسسة مالية وبلغت حصة دول مجلس التعاون الخليجي منها قرابة 37 % كما بلغ حجم قطاع الصكوك قرابة 300 مليار دولار تمثل حصة دول مجلس التعاون منها قرابة الثلث، وبلغت أصول قطاع الصناديق الاستثمارية الإسلامية أكثر من 75 مليار دولار منها 45 % في دول مجلس التعاون الخليجي وفاق قطاع التأمين التعاوني عشرين مليار دولار ممثلاً اكثر من 40% في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال إن العمل المصرفي المتوافق مع الشريعة الإسلامية في المملكة شهد نمواً سريعاً خلال السنوات الماضية، حيث تمثل المنتجات المصرفية المتوافقة مع الشريعة في المملكة حالياً قرابة 20% من إجمالي المنتجات المصرفية الإسلامية على مستوى العالم، اما على المستوى المحلي فإن قرابة ال50% من أصول القطاع المصرفي السعودي متوافقة مع الشريعة الإسلامية وبالإضافة إلى المصارف يوجد بالمملكة 30 شركة تمويل تقدم منتجات تمويلية متوافقة مع الشريعة للأفراد والمؤسسات التجارية إضافة إلى 35 شركة تأمين تعاوني تقدم منتجات تأمين متوافقة مع الشريعة.
وأضاف أن مؤسسة النقد السعودي تستخدم نموذجاً موحداً يمكن من خلاله الرقابة والإشراف على العمل المصرفي بشقيه التقليدي والمتوافق مع الشريعة الإسلامية وفقاً لنظام الرقابة على المصارف التجارية، الذي يمكن بدوره جميع المصارف التجارية من تقديم الخدمات المصرفية والمنتجات التمويلية بكافة أنواعها لعملائها ويتميز هذا النموذج الموحد في تطبيق المعايير المصرفية الدولية على كافة المصارف والسماح لقوى العرض والطلب في السوق المحلية في تحديد نوعية وحجم المنتجات المالية، وتشجع المنافسة بين جميع المصارف في تقديمها كما يساعد على طرح المزيد من المنتجات التمويلية والمصرفية ويوفر أساليب متقدمة من إدارة المخاطر التي يمارسها العمل المصرفي.
وتابع : أنه من منطلق إدراكنا في مؤسسة النقد العربي السعودي لأهمية المنتجات والخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، فقد شجعت المؤسسة المصارف وشركات التمويل وشركات التأمين على تلبية متطلبات السوق وفق أفضل المبادئ والمعايير الصادرة في هذا الخصوص، حيث تمارس المؤسسة مهمة الرقابة والإشراف والتنظيم على الأنشطة المصرفية بصفة عامة وفقاً للمعايير واللوائح والتعليمات التي تصدرها مؤسسة النقد والمستوحاة من المبادئ الدولية ومنها الصادرة عن لجنة بازل للرقابة المصرفية ومجلس الاستقرار المالي فيما يتعلق بمعايير الحكومة وكفاية رأس المال والسيولة وإدارة المخاطر والتمويل المصرفي والانضباط وغيرها من المتطلبات الرقابية و الإشرافية الأخرى، وقد كان لهذه الإجراءات دور مهم في مواجهة الازمات المالية العالمية المتعاقبة وتحقيق الاستقرار في النظام المصرفي بالمملكة.
وأضاف إن المملكة تحظى -ولله الحمد- بحضور دولي فاعل في المحافل الدولية لا سيما مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ولجنة بازل للرقابة المصرفية ومجلس الاستقرار المالي وبنك التسويات الدولية ، إذ تشارك المؤسسة في اجتماعاتها الدورية وفي لجانها المختلفة و فرق العمل التي تعمل على وضع المعايير الدولية وهذا بدوره اعطى المملكة دوراً مؤثراً في وضع المعايير وتشكيل الممارسات الدولية، والتأكيد على هذه المنظمات بالأخذ بالاعتبار خصوصية العالم الإسلامي فيما يخص الصكوك والمنتجات المالية الإسلامية اثناء وضع المعايير المصرفية والتأمينية كما تقوم المملكة بدور اللاعب الإقليمي المؤثر من خلال رئاستها المجموعة الاستشارية الإقليمية للاستقرار المالي التي تودي دوراً وظيفياً مهماً في المنطقة جميع الممارسات والمعايير الدولية لشركائنا في المنطقة كما أن المؤسسة عضو فاعل في مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي بدأ أعماله في عام 2003م من ماليزيا بهدف وضع معايير احترازية وفنية ومبادى إرشادية من اجل تعزيز سلامة ومتانة كافة المنتجات والخدمات المالية الإسلامية بما فيها القطاع المصرفي وأسواق المال والتأمين التكافلي وقد صدر عن هذا المجلس حتى الآن 17 معياراً عن التمويل الإسلامي وكفاية رأس المال وإدارة المخاطر لشركات التكافل واختبارات الضغط وبرامج الاستثمار الجماعي إضافة إلى ستة مبادى ارشادية شملت المعايير الكمية لإدارة مخاطر السيولة وتعزيز إدارتها وتحث مؤسسة النقد كافة المؤسسات المالية التي تحت اشرافها من مصارف وشركات تمويل وتأمين على متابعة ما يصدر عن المجلس من معايير ومبادى وملاحظات فنية والاسترشاد بها في أعمالها والمنتجات المصرفية والمالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في ضوء المعايير المصرفية التي تصدرها المؤسسة.
وأشار إلى أن مؤسسة النقد منذ نشأتها تنتهج أسلوب التحفظ والحصافة في الإشراف على الجهات التابعة لها من خلال تطبيق أفضل مبادى ومعايير الإشراف المصرفي الفاعل مما ساعد على بناء قطاع مالي قوي يتفاعل بشكل ديناميكي وحيوي مع التطورات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية ويجدر التنويه بأن القطاع المالي بالمملكة يضم مجموعة واسعة من المؤسسات المالية ابتداء من مؤسسة النقد وهيئة سوق المال والمصارف التجارية وشركات التمويل وشركات التأمين التعاوني وشركة السوق المالية وتداول وشركات الاستثمار والصناديق الحكومية المتخصصة ويعد القطاع المصرفي والمالي سنداً قوياً للنمو وللاستقرار الاقتصادي من خلال ما يقدمه من تسهيلات تمويلية ملائمة وخدمات مالية ومصرفية حديثة لمختلف قطاعات الاقتصاد وشرائح المجتمع من أفراد وشركات كما توجد علاقة تبادلية وتأثير مزدوج بينه وبين القطاعات الاقتصادية الأخرى ولذلك تعد متانة وتطور هذا القطاع بمثابة حجز الأساس للتنمية المستدامة الشاملة والتخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية الوطنية ومن هنا برزت أهمية التطوير المستمر له مهنياً وإدارياً وتنظيمياً ومالياً لكي يواكب تطلعات العصر واحتياجات الاقتصاد ويكون قادراً بجدارة عالية على المنافسة محلياً وإقليميا وعالمياً كما أن استقرار هذا القطاع يعد ركيزة للاستقرار المالي وجذب الاستثمارات المالية والأجنبية وتنمية المدخرات والمحافظة على أموال العاملين من مواطنين ومقيمين محلياً وهذا سينعكس على الأداء الاقتصادي بشكل عام.
وأوضح أن من اهم مقومات أي اقتصاد هو تنمية سلوك الادخار وتعد المنتجات الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة السمحة فرصة كبيرة لجذب وتنمية حجم الادخار في المجتمع الإسلامي حيث يوفر عائداً مناسباً يتوافق مع مستوى المخاطر.
وأكد أن السياسة النقدية بالمملكة تهدف إلى المحافظة على استقرار العملة الوطنية وتوفير قطاع مصرفي قوي ومتين وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي الذي يدعم النمو الاقتصادي الوطني وبالاستعراض التاريخي نجد أن الاقتصاد الوطني حظي باستقرار كبير في الأسعار المحلية واستقرار سعر صرف الريال مع نمو واضح للقطاع المصرفي والمالي ونجد أن السياسة النقدية للمملكة وقوة المصارف التجارية المحلية قد ساهمت بشكل إيجابي واضح في استقرار النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتخفيف الآثار السلبية لتقلبات الدورات الاقتصادية والأزمات المالية الدولية وهنا أود أن أؤكد على استقرار مؤسسة النقد في ادارتها للسياسة النقدية لتحقيق اهداف استقرار قيمة الريال وسعر صرفه عند 3.75 ريالات للدولار وبما يعزز الاستقرار المالي والنقدي مستخدمة كافة الأدوات والموارد المتاحة لها.
وتطرق الدكتور المبارك إلى أبرز التطورات الاقتصادية التي يشهدها اقتصادنا الوطني، وقال "على الرغم من تراجع أسعار النفط والظروف التي تمر بها المنطقة فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي الفعلي في عام 2015م نمواً نسبته 3.4% وكذلك حقق القطاع المصرفي الخاص نمواً نسبته 3.7% كما شهد القطاع المصرفي نمواً في معظم بنود مركزه المالي ومن المتوقع ان يستمر الأداء الجيد للاقتصاد الوطني في ضوء توجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي ولي العهد حفظهم الله كما ان الاقتصاد سيستفيد من التطور الكبير الذي شهدته البنية التحتية والكوادر البشرية السعودية في السنوات الماضية إضافة إلى التغيرات الهيكلية الأخيرة في اليه اعداد المالية العامة للدولة وإننا نتطلع إلى برنامج التحول الوطني المرتقب الذي من المتوقع إن شاء الله ان يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة في المملكة لتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد إلى مجال أوسع من التنوع في القاعدة الإنتاجية وموارد الدولة والاستفادة المثلى من الموارد المتاحة.
وطالب المبارك بالتركيز على دور الجامعات ومراكز البحوث واللجان الشرعية بالمملكة وعلى المستوى الدولي لدراسة التحديات وتلبية احتياجات العملاء المتعددة والمتغيرة التي تنسجم مع تطورات المجتمع وتلبي رغباته واطلاق الابداع والاجتهاد المرتكز على تعليمات الشريعة السمحة والمعرفة المالية المهنية والفنية والإلمام بالمعايير المصرفية الدولية حيث أن شح الدراسات والأبحاث ومحدودية عدد الباحثين المتخصصين في تشريعات الصيرفة الإسلامية تعد أحد معوقات النمو المأمول لصناعة التمويل الإسلامي وتطورها كما أن محدودية الدور الفاعل للتدريب الملائم قد يساهم بطريقة غير مباشرة في بروز ممارسات ومنتجات مالية قد لا تتناسب مع احكام الشريعة والبيئة التنظيمية والمالية والاقتصادية مما يعرض القطاع المالي والعملاء للمخاطر المالية وبالتالي انحسار الثقة في المنتجات المصرفية والادخارية المتوافقة مع الشريعة.
من جانبه، قال الدكتور خالد بن صالح السلطان مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن المؤتمر يكتسب أهميته من انعقاده في وقت يشهد فيه التمويل الإسلامي تطوراً متسارعاً جعل منه أحد أهم خيارات الاستثمار على المستوى العالمي، كما يعقد في وقت تعاني فيه المصرفية الإسلامية من قصور في أدواتها المعرفية والبحثية يتناقض مع حجم حضورها الكبير في الواقع، ولذا فإن المؤتمر يمثل جهداً علمياً لرفع مستوى البحوث المصرفية في التمويل الإسلامي ونقلها إلى مصاف فروع الاقتصاد والتمويل الأخرى.
وأضاف "لقد أضحت مبادئ وتقنيات وأدوات التمويل الإسلامي جزءاً من منظومة أسواق المال العالمية تتكامل معه وتنمو في إطاره، فالكثير من العاملين في قطاع الأعمال في البلدان المتقدمة أو النامية تبنوا أساليب للتمويل تتقيد بقيود التمويل الإسلامي التي تمنع القروض الربوية وتشجع تقاسم المخاطر والأرباح بين الدائن والمقترض."
وأشار إلى أنه على الرغم من النمو السريع لصناعة "التمويل الإسلامي"، فإن البحث العلمي في هذا المجال الحيوي لا يسير على نفس هذا المستوى من النمو، ولذا فإن هذا المؤتمر يهدف إلى التغلب على هذا العزوف الأكاديمي وزيادة وتيرة البحوث ذات الجودة العالية في مجال المالية الإسلامية.
وأوضح أن جامعة الملك فهد على اقتناع تام بدور مؤسسات العلم في إنتاج المعرفة، وهي تضم قسماً متخصصاً في المالية والاقتصاد ورصيدًا كبيرًا من الكفاءات المتخصصة في هذا الحقل الحيوي ومركزاً للتميز البحثي في المصرفية الإسلامية يسعى إلى أن يكون مرجعاً عالمياً متميزاً على مستوى الدراسات والبحوث في هذا المجال الحيوي.
وأكد أن الجامعة حرصت على أن يكون هذا المؤتمر متميزاً عن العديد من المؤتمرات الأكاديمية والمهنية في مجال الخدمات المصرفية الإسلامية والتمويل، واستقطبنا فقط الأبحاث ذات الجودة العالية وسعينا إلى مشاركة علماء بارزين، ومحرري المجلات الأكاديمية المالية الأكثر شهرة والهدف من هذا هو تقديم مجال التمويل الإسلامي كحقل معرفي معترف به في الأوساط البحثية المعتبرة.
وقال إن المؤتمر تلقى أكثر من 170 ورقة علمية من 24 بلداً مختلفاً، كان نصيب الجامعات ومؤسسات البحث المرموقة منها واضحاً، لافتا أنه تم اختيار أفضل 14 ورقة علمية للحفاظ على مستوى عال من الجودة، وموضحا أنه قد شارك في تأليف الأوراق المقبولة 39 باحثاً من 28 جامعة ومنظمة في 13 بلداً مختلفاً.
وزاد " نأمل أن يساهم المؤتمر في معالجة القصور الذي تعاني منه المصرفية الإسلامية في أدواتها المعرفية والإسلامية وزيادة حضورها في المجلات العلمية المرموقة واهتمامات المؤسسات الأكاديمية الكبرى في مجال المالية والاقتصاد وأن يكون وجود نخبة من الخبراء فرصة لتعزيز سعي الجامعة لتحقيق مستوى متقدم من الأداء البحثي والتطويري ونشر ثقافة البحث والتطوير في المجتمع وتعميق علاقة التعاون بين الجامعة والجهات ذات الحضور العلمي المميز.
وأوضح عبد الرزاق الخريجي مدير المصرفية الإسلامية في البنك الأهلي التجاري أن هناك طلبا كبيرا على منتجات وخدمات التمويل الإسلامي وتبلغ نسبة نمو التمويل الإسلامي 15 في المائة في السنوات الخمس الأخيرة بينما بلغ مجمل الأصول 1.8 تريليون دولار
وقال إن صناعة التمويل الإسلامي تواجه تحديات كبيرة، ولمواجهتها لايكفي فقط تطوير قدراتنا لمواكبة تعاليم الشريعة الإسلامية ولكن أيضا مواجهة المخاطر والمعايير القانونية وان تكون ذات كفاءة اقتصادية وتواكب احتياجات المستفيدين.
وقال إن صناعة التمويل الإسلامي تحتاج تطوير الإطار القانوني والإطار الشرعي والمخاطر المالية والمحاسبية كما تحتاج تطوير الموارد البشرية وتطوير الخدمات والمنتجات لسد.
وأكد على أهمية توعية المستهلك بمزايا هذه الصناعة وليس فقط تقديم الخدمات.
ويهدف المؤتمر إلى رفع مستوى البحوث والدراسات المصرفية في التمويل الإسلامي ونقلها إلى مصاف فروع الاقتصاد والتمويل الأخرى في المؤسسات الأكاديمية، إضافة إلى دعم أبحاث التمويل الإسلامي للقيام بدور فاعل في هذا المجال وتعزيز حضورها في المجلات العلمية المرموقة في مجال الاقتصاد والمالية، ووضعها على قائمة اهتمامات المؤسسات الأكاديمية الكبرى في مجال المالية والاقتصاد.