التاسعة صباحاً هي اللحظة التى تستيقظ فيها وفاء، العاملة في أحد محال تصفيف الشعر، وهي اللحظة ذاتها التي يعود فيها علي، الذي يدرس الاخراج السينمائي، إلى منزله وينطلق فيها محمود سائق التاكسي، إلى الشارع سعياً وراء رزق يومه، وتكون فيها ياسمين المعيدة في إحدى الكليات فى طريقها الى العمل، بينما يكون سمير، الاستاذ الجامعي ورجل الاعمال بدأ عمله فعلياً منذ ما يقارب النصف ساعة. أربع وعشرون ساعة فى حياة المصريين تمر بأشكال مختلفة ويكشف استغلال المصريين الوقت عن كثير من الحقائق الاجتماعية فى حياتهم، تجعلك تفهم مدى اهمية الاسرة لديهم والوقت الذي يخصصونه للزيارات العائلية، لتدرك الاهمية التي صارت المقاهي تحتلها فى المقابل. وتدرك ضغط الظروف المعيشية عندما تلاحظ ساعات العمل الطويلة التي تستهلك اليوم كله وتجعلك تدرك القيمة التى تحتلها القراءة والفنون والعلاقات الاجتماعية، والتي يقتلها ببطء ضغط العمل المتزايد بلا رحمة. وفاء حسن فتاة فى الثالثة والعشرين من عمرها، تعمل منذ خمسة اعوام فى احد محال تصفيف الشعر الراقية فى منطقة مصر الجديدة، لكنها تقيم فى منطقة عزبة النخل النائية فى اقصى شرق القاهرة، فتستيقظ قبل موعد عملها بساعتين على الاقل لأنها تحتاج الى ساعة بالميكروباص للوصول اليه. وهي تعمل من الحادية عشرة صباحاً حتى التاسعة ليلاً، يقطعها ثلث ساعة فى الظهيرة لتناول طعام الغداء، ثم تعود الى عملها. تقول ان ضغط العمل تزايد عليها اخيراً مع تزايد عدد المحجبات فى مصر والحريصات على رغم الحجاب على تصفيف شعرهن شرط ان تقوم بذلك فتاة وليس رجلاً. وينتهي اليوم، وتدخل وفاء إلى منزلها فى العاشرة ليلاً لتجد ابنها الصغير اسلام غارقاً في نوم عميق، تستريح لساعة تقريباً، ثم تنهض للقيام بأعبائها المنزلية من طهي وكي وتنظيف فتنتهي منها فى الثالثة صباحاً، لتغرق بعدها في نوم عميق لا يتجاوز الساعات الست. تعترف وفاء بأنها لا تجد وقتاً كافياً للعناية بابنها اسلام، الذي يظل ساهراً احياناً بانتظارها كي يلعب معها لنصف ساعة فقط، الا ان والده محمود سائق التاكسي هو الذي يتولى مهمة العناية به. يقول محمود انه يملك وقتاً حراً نسبياً يساعده على العناية بابنه، ويسمح له بالقيام بزيارات عائلية لا تستطيع وفاء الا ان تخصص لها يوماً واحداً في الشهر، تقضيه مع بنات خالتها فى سهرة تستمر فى المنزل حتى الخامسة فجراً. وعندما تستيقظ وفاء من نومها فى التاسعة صباحاً يكون محمود قد انتهى من تناول افطاره وانطلق بسيارته الاجرة، ثم يعود فى الرابعة عصراً، يصطحب اسلام من منزل الجيران، ثم يأخذ قيلولته حتى السادسة مساء، بعدها إما ان ينطلق لمواصلة عمله حتى العاشرة مساء، وإما ان يصطحب اسلام معه فى زيارة لوالدته او شقيقاته، يتناول فيها طعام العشاء لديهن، ويظل ساهراً حتى الحادية عشرة مساء، موعد عودة وفاء إلى المنزل. على العكس من يومهما، يبدو يوم رانيا مسعود التى انهت دراستها الجامعية في كلية الآداب هذا العام، هادئاً إلى حد كبير، فهي لم تلتحق بعمل بعد، وما زالت في تلك المرحلة التي لا تحدد فيها ساعة معينة للاستيقاظ، لكنها تتجاوز دائماً الثانية عشرة ظهراً. عدد الساعات التى تقضيها وفاء فى العمل يساوي عدد الساعات التي تقضيها رانيا فى اجراء المكالمات الهاتفية مع صديقاتها، لأنها لا تستطيع الخروج من منزلها قبل السادسة مساء بعد ان تنكسر حرارة الجو. تقضي عادة ذلك الوقت الممتد حتى الحادية عشرة مساء مع اصدقائها فى احد المطاعم الراقية، او دور العرض، او المقاهي الغالية، حتى يأتي يوم الخميس الذي تسافر فيه مع اهلها إلى العجمي، وتعود إلى القاهرة بعد اربعة ايام، ليبدأ روتين يومها من جديد. تفضل رانيا صحبة صديقاتها على زيارة افراد اسرتها الذين تعترف بأنها لا تراهم الا فى المآتم والافراح، على العكس من ياسمين برسوم المعيدة في إحدى الكليات، والتي تحرص على تخصيص يومي الثلثاء والسبت لزيارة اهلها، خصوصاً ابنة عمها، على رغم ضغط العمل. تقول ياسمين انها تستيقظ فى السابعة والنصف صباحاً كي تصل إلى كليتها فى الموعد المحدد وهو التاسعة صباحاً، وتظل تعمل حتى الخامسة عصراً وأحياناً يمتد العمل حتى السابعة او الثامنة مساء، ثم تعود إلى منزلها، لتبدأ جزءاً آخر من عملها، فهي تعمل في مجال الترجمة إلى جوار التدريس، وعندما تنتهي في الثامنة مساء تقريباً تخرج للقاء بعض اصدقائها، وتعتبر ذلك جزءاً اساسياً من يومها حتى لا تختنق تحت وطاة العمل الكثير، الذى سيتزايد مع بدء اعدادها أطروحة الماجيستير ليلتهم ست ساعات اخرى من يومي عطلتها كل اسبوع. ولا يحمل علي مصطفى، الذي يدرس الاخراج السينمائي في احدى الاكاديميات الخاصة، مثل هذه الضغوط، فدراسته لا تستمر الا لأربعة ايام اسبوعياً، اما الايام الثلاثة فيقضيها في النوم، لأن ساعات النوم عنده تنقلب لتمتد من السادسة مساء حتى الحادية عشرة مساء، بعدها ينطلق للقاء اصدقائه في احد المقاهي، ويبقون هناك لثلاث ساعات تقريباً، ثم يواصلون السهرة في اي مكان آخر، ليعود إلى منزله فى الثامنة او التاسعة صباحاً، او ينطلق مباشرة إلى الاكاديمية فى ايام الامتحانات او الايام التي تبدا فيها دراسته مبكراً. هذا الاسلوب لا يمكن ان يفهمه الدكتور سمير شلبي، الاستاذ الجامعي وأحد علماء المركز القومي للبحوث. فيومه يسير وفق نظام محكم دقيق لا يتغير الا نادراً، فالعمل يبدأ من الثامنة والنصف صباحاً حتى السادسة مساء، ثم يعود إلى منزله ليشاهد التلفزيون لساعة او ساعتين، تكفيانه لمعرفة اخبار العالم. يواصل العمل احياناً فى منزله لخمس ساعات ولا ينتهي منه قبل الثالثة فجراً، ويحرص على قراءة بعض الدوريات العلمية ثلاثة ايام فى الاسبوع، ثم يخصص عطلة نهاية الاسبوع لزيارة الاصدقاء اكثر من زيارته للأهل، ولا يرتاد المقاهي لأنه يعتبر ان المقاهي نوع من التنبلة، ويمضي معظم الوقت فى احد النوادي او في مكان مريح على ضفاف النيل. كان استغلال المصريين للوقت من النقاط التى اثارت اهتمام الباحثين فى مركز الدراسات الاجتماعية والجنائية، فأجريت دراسة عام 1999 تحت اشراف السيد ياسين، اوضحت ان معظم ربات البيوت المصريات يقضين 10 ساعات في النوم، بينما لا تحظى النساء العاملات الا بسبع ساعات منه، ويخصص رجال الاعمال وأصحاب المهن الفنية والتجار والحرفيون والباعة الجوالون ست ساعات له، اما التزاور والالتزامات الاجتماعية فتحتل ما بين 3 و8 ساعات يومياً من وقت ربات البيوت اللواتي يخصصن ثلاث ساعات على الاكثر لرعاية أطفالهن، على العكس من النساء العاملات اللواتي يمضين وقتاً اطول مع اطفالهن نظراً الى شعورهن بالذنب لتركهن اياهم طوال النهار. يقضي الرجال المصريون وقتاً اطول من زوجاتهم في العناية بالابناء بعد بلوغهم سن السادسة. ساعة ونصف الساعة في المتوسط يومياً لتدريسهم وما يتراوح بين ربع الساعة والساعة والنصف يومياً لحل مشكلاتهم والملاحظ ان هذا الوقت يتزايد لدى المستويات الاقل تعليماً لأن اصحاب الشهادات العليا ينشغلون اكثر عادة بالعمل الوظيفي. واللافت ان الدراسة اوضحت ان اولويات المرأة المصرية طبقاً للوقت الذي تخصصه لها تبدأ بتنظيف المنزل، ثم يأتي الطهو في المرتبة الثانية، وتنظيف الملابس فى المرتبة الثالثة، ثم تأتي رعاية الاطفال فى المرتبة الاخيرة، وتمضي ربة البيت في الغالب ثلاث ساعات اسبوعياً على الاقل لشراء حاجات الطعام، اما المراة العاملة فتختصر وقت الواجبات المنزلية لتوفر مزيداً من الوقت لرعاية ابنائها. أيام لا يعرف احد عددها، تمضي احياناً كثيرة بتخطيط عشوائي لا يعرف الافادة من الظروف، ويمر بعضها الآخر بروتين ثابت لا يعرف التغيير، لكنها فى النهاية، كلها ايام تمر.