تبدو الادارة الاميركية من دمشق في هذه الأيام "أقل عنجهية واستعلاء" في تعاطيها مع الموضوع العراقي بسبب "المشاكل" التي تواجهها في هذا البلد وانطلاق حملة الانتخابات الرئاسية. واذا كان استمرار عمليات المقاومة العراقية وتفجير مركز الأممالمتحدة في بغداد واغتيال آية الله محمد باقر الحكيم أكدت ان وجهة النظر السورية ان "الحرب على العراق ستفتح أبواب جهنم"، وان احتلال العراق يقود الى "المجهول"، فإن بدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية جعل الجمهوريين اكثر حساسية في كيفية تعاطيهم مع الموضوع العراقي لخفض الخسائر السياسية التي يمكن ان تؤثر في مستقبل الرئيس جورج بوش. وأدى تداخل هذين الأمرين الى تغيير في اسلوب التعاطي الاميركي يمكن لمسه الآن، اذ بدأ الاميركيون بالتشاور مع اعضاء مجلس الأمن جميعاً للوصول الى "صيغة نهائية" للقرار الدولي المتعلق بالعراق مع الاستعداد ل"التعديل في الصيغة غير النهائية" التي قدموها قبل أيام الى ممثلي الدول ال15. لذلك طلبوا من هذه الدول بما فيها سورية "التعامل بإيجابية" مع مشروع القرار. كان ذلك بمثابة "لجوء اميركي" الى المنظمة الدولية للوصول الى حل يساعدهم في "تخفيف المشاكل" من خلال قرار دولي يتيح ارسال قوات الى العراق. واستقبلت دمشق "التركيز الايجابي" للاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، و"الاستشارة الاميركية" في موضوع القرار "مريحاً". اذ انه يسمح لها بتعزيز وجهة نظرها التي اعلنتها قبل الحرب "في ضوء الخبرة بالمنطقة والمعرفة بوضع العراق"، ويسمح لها بتضمين القرار الدولي وجهات نظرها القائمة على وضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال، ودور مركزي للأمم المتحدة في اعادة اعمار العراق وتشكيل حكومة منتخبة. كما ان ذلك يجعل دمشق تضع تصريحات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد حول الحدود السورية - العراقية مشكلة كبيرة في سياق طبيعي، فهي تبريرية للحال التي وصل اليها الوضع في العراق اكثر مما هي اتهامية أو تصعيدية فضلاً عن ان الأمن مسؤولية سلطة الاحتلال حسب القرار 1483. اما عملياً فإن دول الجوار لا تستطيع حماية حدودها مع العراق التي تبلغ في حال سورية اكثر من 596 كيلومتراً 24.7 في المئة من اجمالي الحدود السورية. واذا كانت القوات الحليفة التي تملك أفضل المعدات التكنولوجية الفضائية والأرضية لا تستطيع حماية الحدود، فهل يمكن لدولة مثل سورية أو ايران ذلك، مع العلم ان واشنطن ذاتها تفرض عليهما حظراً لاستيراد المعدات التكنولوجية المتطورة كونهما مدرجتين على القائمة الاميركية للدول "الداعمة للارهاب" حسب التعريف الاميركي. استطراداً، ان توجيه واشنطن اتهامات الى ايران وسورية تشبه الاتهامات الاسرائيلية، فإذا كانت أقوى دولة اقليمية لا تستطيع حماية "حدودها" ضد منفذي العمليات الفدائية كيف يمكن للسلطة الوطنية أو أطراف اخرى ذلك؟ وهل تتوقع واشنطن ان تنقل سورية قواتها من الجبهة الجنوبية مع اسرائيل لتكون على حدودها الشرقية الممتد معظمها في الرمال الصحراوية؟ ان الموقف السوري يهدف الى سيطرة سورية كاملة على المعابر الحدودية التي فتحت مع العراق بعد "طلب اميركي"، ولمساعدة الشعب العراقي بمده بالطاقة الكهربائية وتصدير البضائع الاساسية سواء عبر المنافذ البرية أو القطارات التي استؤنفت رحلاتها قبل اكثر من شهر بعد توقفها منذ اعلان الرئيس بوش بدء العمليات العسكرية في العراق. وعلى رغم ذلك، هناك خدمة المصالح السورية القائمة على "الحفاظ على استقرار العراق ووحدة أراضيه، اذ ان منع تقسيمه موضوع مصيري من منطلق وطني وقومي".