لحسن حظ سورية ان العامين المقبلين اللذين ستشغل فيهما مقعدا غير دائم في مجلس الامن الدولي سيشهدان الكثير من النقاشات بين الاعضاء ال15 في مجلس الامن حول القضايا الاشكالية في الساحة الدولية خصوصاً "الحرب على الارهاب" واحتمال توجيه ضربة عسكرية الى العراق. حصلت سورية على 160 صوتاً من اصل 177 دولة شاركت في التصويت السري الذي جرى في الجمعية العامة في تشرين الاول اكتوبر الماضي، فكانت المرة الثالثة التي تفوز بمقعد غير دائم بعد دورتي 1947-1948 و1970-1971. وتمكنت دمشق من تحقيق ذلك بفضل الجهود الديبلوماسية التي بذلت وراء الكواليس مع عدد من الدول الاوروبية والآسيوية والعربية خصوصاً انها استطاعت اقناع المجموعتين العربية والآسيوية كي تكون مرشحتها الى هذا المقعد خلفاً لتونس في تمثيل مصالح الكتلة العربية، وبنغلاديش في تمثيل المصالح الآسيوية في العامين المقبلين. وكانت جماعات الضغط الاسرائيلية شنت حملة قوية ضد ترشيح سورية باتجاهين: الاول، قيام عدد من اعضاء الكونغرس بالعمل لدى الادارة الاميركية بعرقلة الترشيح وقيام حملة مماثلة لتلك التي شنت سابقاً ضد ترشيح السودان، التي نجحت في عدم نيل الخرطوم مقعداً غير دائم في مجلس الامن، او مماثلة للحملة ضد ليبيا التي تخلت عن ترشيحها لمصلحة مصر قبل سنوات. الثاني، قيام البعثة الاسرائيلية في نيويورك و"معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى" ورئيسه روبرت ساتلوف، احد الاذرع المدافعة عن مصالح اسرائيل في العاصمة الاميركية، بشن حملة ديبلوماسية مستخدماً علاقاته العامة ضد سورية متهماً اياها ب"الارهاب" و"استضافة الاجنحة العسكرية لمنظمات المقاومة الفلسطينية". ودعا هؤلاء ادارة الرئيس جورج بوش "القيام بمعارضة قوية" ضد ترشيح سورية بسبب دورها في الملفات الثلاثة الاساسية المهمة لواشنطن في الشرق الاوسط وهي: اولاً، جنوبلبنان و"منع" دمشق الحكومة اللبنانية من نشر جيشها في جنوبلبنان بحسب القرار 425. ثانياً، عدم وضع انبوب النفط السوري - العراقي تحت اطار لجنة العقوبات المفروضة على العراق بعد تشغيله منذ تشرين الثاني نوفمبر العام الماضي، اي خرق نظام الحصار المفروض بقرارات من الاممالمتحدة. ثالثاً، وجود سورية على قائمة الدول الداعمة ل"الارهاب" التي تصدرها وزارة الخارجية الاميركية منذ العام 1979، مع دول ست اخرى هي: السودان، كوريا الشمالية، العراق، ايران، ليبيا، وكوبا. من الخطأ الكبير مقارنة سورية بليبيا او بالسودان على رغم وضعها جميعاً في القائمة الداعمة ل"الارهاب". اذ ان وجود سورية منذ نحو 23 سنة لم يمنع الخارجية الاميركية منذ العام 1986 في التأكيد في كل تقرير سنوي "عدم وجود اي دليل لتورط مسؤولين سوريين بأي عمل ارهابي". وشهدت السنوات العشر الماضية انطلاق حوار سوري - أميركي حول تطوير العلاقات الثنائية بعد مشاركة سورية في "الحلف الدولي" لاخراج العراق من الكويت ودخول دمشق مفاوضات سلام ثنائية مع اسرائيل لتوقيع اتفاق سلام. الى ذلك، كانت دمشق العاصمة الوحيدة التي تستضيف رئيساً اميركياً بين "الدول الارهابية"، بحسب التصنيف الاميركي، اذ ان الرئيس السابق بيل كلنتون زار سورية في نهاية العام 1994 لاقناع الرئيس الراحل حافظ الاسد الخوض في تفاصيل ترتيبات الامن، التي هي احد عناصر اتفاق السلام الذي كان متوقعاً بين دمشق وتل ابيب. اضافة الى لقائيهما الآخرين في جنيف العام 1994 و2000، بعدما كان الرئيس السابق جورج بوش الأب التقى الرئيس الراحل في العاصمة السويسرية في العام 1991. يدل ذلك الى ان سورية مصنفة عملياً بين "الدول المعتدلة" على رغم الخلاف الكبير من الناحية السياسية في شأن القضايا المطروحة، الامر الذي يفسر عدم جدية ادارة بوش الأبن في خوض حملة علاقات عامة كبيرة ضد سورية. ملفان اساسيان لا شك في ان الملفين الاساسيين في الشرق الاوسط: العقوبات على العراق، و"الحرب على الارهاب"، ستجري معالجتهما عبر الاممالمتحدة ما يعطي ميزة اضافية لوجود سورية في مجلس الامن كي تحاول الحصول على تأييد وجهة نظرها من القضيتين المطروحتين، ما يفسر الجولات والزيارات الرسمية التي قام بها ممثلون من فرنساوبريطانيا واميركا في الاممالمتحدة الى سورية في الاسابيع الاخيرة. ملف العراق: على رغم ان التطبيع بين دمشق وبغداد بدأ منذ العام 1997لمساعدة العراقيين والمساهمة في توسيع الخيار السياسي وفي حل المشكلة الاقتصادية في سورية وتوسيع خيار سورية بعد انخفاض حرارة السلام، تمثلت الخطوة الابرز في المجالين السياسي والاقتصادي في نهاية العام الماضي باقدام دمشق وبغداد على اعادة تشغيل انبوب النفط من كركوكالعراقية الى بانياس السورية بعد توقف منذ العام 1982. اذ بدأ يعمل بطاقة تزيد عن 150 ألف برميل يومياً تستخدمها سورية في استهلاكها المحلي رافعة طاقتها التصديرية من نفطها الخام الى نحو نصف مليون برميل يومياً بدلاً من 300 -350 ألف برميل. ويوفر ذلك نحو بليون دولار اميركي تضاف الى بليون آخر بفضل اتفاق التجارة الحرة بين سورية والعراق الذي بدأ العمل به في مطلع العام الجاري، إضافة الى عقود بنحو 300 مليون دولار من مذكرة "النفط للغذاء". واذا كانت هذه الارقام تشكل مصدراً كبيراً لسورية التي تبلغ موازنتها السنوية نحو 5،7 بليون دولار اميركي، فإنها تشكل نافذة مهمة بالنسبة للعراق لكسر الحصار المفروض عليه. وأدركت واشنطن اهمية الدور السوري، لذلك أثار وزير الخارجية الأميركي كولن باول الملف العراقي مع الرئيس بشار الاسد في لقائهما في شباط فبراير العام الماضي، وتعهد الرئيس السوري وضع الانبوب تحت الرقابة الدولية لدى اقرار صيغة جديدة للعقوبات ذلك لأن "سورية لا يمكن ان تكون الاّ مع الشرعية الدولية" بحسب قول الاسد. ويدل ذلك الى ادراك واشنطن لمدى اهمية سورية الجار الاساسي للعراق في نجاح اي نظام للعقوبات او الحصار او حتى اي تغيير سياسي يفرض عليه في المستقبل. وسيزداد الدور السوري اهمية لدى تجديد الحديث عن اعادة صوغ نظام العقوبات المفروض على العراق منذ عشر سنوات بعدما تم تمديد العمل بالقرار 986 المعروف بمذكرة التفاهم "النفط للغذاء" بسبب عدم حصول واشنطن ولندن على دعم روسيا لاقرار المشروع البريطاني ل"العقوبات الذكية". ملف "الحرب على الارهاب": سارعت سورية بعد وقوع انفجارات 11 ايلول سبتمبر الى "ادانة الارهاب" وأبدت استعدادها لتبادل المعلومات الامنية والاستخباراتية ل"استئصال الارهاب من جذوره" وتقديم خبرتها في ذلك بسبب المواجهات العنيفة التي وقعت بين السلطات و"الاخوان المسلمين" بين عامي 1976 و1982. اي ان دمشق وقفت بكل وضوح ضد ارهاب تنظيم "القاعدة" واسامة بن لادن، لكنها رفضت الوقوف مع اميركا في نظرتها الى منظمات اخرى مثل "حركة المقاومة الاسلامية" حماس و"الجهاد الاسلامي" و"حزب الله". اي ان الحكومة السورية تريد تفريقاً بين النوع الاول الذي هو "ارهاب" والنوع الثاني الذي هو "مقاومة مشروع للاحتلال" الذي كفلته الاممالمتحدة. ويفسر ذلك تعاون سورية مع القائمة التي صدرت عن الاممالمتحدة بالمنظمات الارهابية اذ ان الخارجية السورية قدمت المعلومات المتوافرة لديها عن ذلك ودققت المصارف السورية لاثبات عدم وجود حسابات لهؤلاء الارهابيين، لكنها بدت رافضة ل"اي تعاون" في شأن "منظمات المقاومة المشروعة" ادرجتها واشنطن، ثم الاتحاد الاوروبي، في لائحة "حركات ارهابية". وكان هذا واضحاً في الجواب الرسمي السوري الذي قدم الى نيويورك عن الاسئلة المتعلقة بتنفيذ القرار 1373 الصادر عن الجمعية العامة، الذي ستطبقه الدول ال15 في مجلس الامن، وفي المحادثات التي جرت في دمشق مع مبعوثي بريطانياوفرنسا وأميركا في نيويورك. ما تقدم يثبت انه على رغم ضيق هامش المناورة بعد انطلاق تاريخ جديد بعد 11 ايلول واغلاق واشنطن عيونها وآذانها خلال عملية الانتقام للانفجارات الارهابية، فإن وجودها في مجلس الامن سيدفعها اولاً اكثر لالتزام قرارات الهيئة الدولية، وسيعطيها ثانياً مجالاً للحصول على دعم لوجهة نظرها والتخفيف من توظيف اسرائيل مسألة "الحرب على الارهاب" كي تصبح "الحرب على المنظمات الفلسطينية". ويُسجل لدمشق حتى من قبل اعدائها، مدى التزامها بقرارات مجلس الامن والاتفاقات التي وقعتها بما في ذلك اتفاقها مع الدولة العبرية لفك الاشتباك في العام 1974 حتى ان جبهة الجولان منزوعة السلاح لم تشهد اي خرق من قبل السوريين منذ عقود، الامر الذي يدفع السوريين الى مزيد من التزام قرارات مجلس الامن كي تستطيع دمشق الحصول على دعم اضافي دولي لدفع اسرائيل الى تنفيذ القرارين 242 و338 الخاصين بانسحاب الدولة العبرية من الجولان المحتل منذ العام 1967.