تستعد الإدارة الأميركية لإجراء محادثات مع مجلس الحكم الانتقالي في العراق حول برنامج جديد عنوانه "النفط للشعب" بدلاً من "النفط للغذاء" الذي كانت تشرف عليه الأممالمتحدة خلال سنين الحصار ويستجيب البرنامج الأميركي مطالب عدد من الأحزاب السياسية العراقية. فيما يعتقد الخبراء الأميركيون ومعهم عدد من أصحاب شركات النفط الأميركية أن توزيع الثروة النفطية في العراق على الشعب سيشكل دعما لإرساء قواعد التحول الديموقراطي ويقضي على انتشار الفساد في أجهزة الدولة. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" يتبنى عدد كبير من السياسيين الأميركيين والمؤسسات الخيرية الأميركية العاملة في الخارج، بالإضافة إلى خبراء اقتصاد ليبراليين ومحافظين على حد سواء، فكرة توزيع عائدات النفط على الشعب العراقي للقضاء على ظاهرة "لعنة النفط" التي أصيب بها هذا البلد. وأفادت الصحيفة ان الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر بارك الفكرة وقال انها ستساعد على توطيد الأمن والاستقرار. ويستند الداعون إلى هذه الفكرة الى النجاح الذي حققته تجارب أخرى في العالم في مجال توزيع الثروة توزيعا عادلا، مثل اليابانوالسويد وولاية ألاسكا الأميركية. فاليابانيون حققوا نجاحاً بارزاً في برنامج توزيع الأراضي على الفلاحين خلال الاحتلال الأميركي القصير، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كما اقتطعت السويد نسبة معينة من عائداتها النفطية أودعت في صندوق توفير خصص ريعه لرعاية المواطنين لدى بلوغهم سن التقاعد وتأمين الدخل للمسنين، فيما أثبت مشروع تبنته ولاية ألاسكا الغنية بالنفط قبل عقدين نجاحه بعد تأسيس صندوق لخدمة المواطنين الأميركيين في هذه الولاية يودع فيه ما نسبته 40 في المئة من عائدات النفط المستخرج من أراضيها، ويجري تشغيل رصيد هذا الصندوق واستثماره جيدا في الأسواق المالية على نحو يدر المزيد من الأرباح، ما أدى إلى حصول كل مواطن على حصة تبلغ أكثر من 1500 دولار سنوياً آخذة في التزايد بشكل متواصل. ويقدر المسؤولون الأميركيون دخل العراق من صناعة النفط بحوالى 15 إلى 20 بليون دولار سنويا، أي أن نصيب كل مواطن عراقي من هذا الدخل إذا تقرر توزيعه بالكامل سيكون بحدود ألف دولار سنويا. لكن أحدا لا يطالب في العراق بصرف الدخل القومي من النفط بهذه الطريقة، مع أن اقتراحات عدة من الداخل والخارج طرحت لتوزيع ربع الدخل من النفط على الشعب. وأضافت الصحيفة أن خبيرا اقتصاديا أميركيا يدعى ستيفن كليمونص رئيس مؤسسة "أميركا الجديدة" نشر بعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين في نيسان أبريل الماضي دراسة عن كيفية توزيع الثروة النفطية في العراق، اقترح فيها إيداع 40 في المئة منها في صندوق خاص توزع أرباحه على المواطنين، أسوة بما هو معمول به في ألاسكا. غير أن المسؤولين الأميركيين لم يتحمسوا لمشروع كليمونص ورأوا أن إدارة مثل هذا الصندوق ستكون مكلفة جدا وأن حصة كل مواطن عراقي سنويا لن تزيد عن 40 دولاراً، على عكس التجربة في ألاسكا. فيما رأى آخرون أن توزيع الدخل من النفط يجب أن يتم على شكل مشاريع عامة وليس بتوزيع مبالغ نقدية أو حصص عينية كما في ألاسكا. ومن الاقتراحات التي قدمت في واشنطن دراسة أعدها الخبير الاقتصادي توماس بالي الذي دعا إلى توزيع ربع الدخل من النفط العراقي على البالغين فقط ما يوفر للشخص 250 دولارا سنويا. غير أن المعارضين للفكرة داخل الإدارة الأميركية يرون أن تنفيذها مستحيل في السنوات القليلة المقبلة نظراً الى العجز المالي في موازنة العراق، وحاجة البلد الى مبالغ كبيرة في البداية للقضاء على هذا العجز الذي من المنتظر أن يتفاقم إذا استمرت عمليات التخريب التي تتعرض لها المنشآت النفطية.