جمع الكاتب شكري انيس فاخوري في حلقات "كلها مالحة" ممثلاً معروفاً بطلّته الكوميدية هو جورج خباز وممثلة معروفة بطلّتها الدرامية هي ريتا برصوني. اخترع شكري لجورج وريتا شخصيتين مبنيتين على بعض المفارقات الإنسانية وقال لهما اعطيانا ما عندكما، فكانت النتيجة مزيجاً من الأمل وخيبة الأمل في قدرة الممثلين على الانسجام، ومزيجاً من الأمل وخيبة الأمل في قدرة فاخوري على تجاوز عالم صنعه لنفسه وعندما قرر الخروج عليه باءت المحاولة بصعوبات جمّة أقنعت الجمهور بأن "الأسلوب هو الإنسان" على قولة الفكرة الأدبية الغربية، على رغم ضرورة محاولات الخروج على الذات لدى كل فنان، سعياً الى التجدد والتغيير. لا شك في ان الممثل الكوميدي القدير جورج خباز راغب في ايصال رسالة ادائية الى الجمهور تقول انه يستطيع لعب الأدوار الدرامية، ليس حينما تدعو الحاجة فقط، بل حينما يقرر هو عن سابق تصور وتصميم ان وجوده الدرامي لا يقل عن وجوده الكوميدي، وبقدر ما يطرح الإنتاج التلفزيوني امامه من خيارات. غير ان الرسالة لم تصل كما ينبغي، اما لأن ايقاع جورج الأدائي عموماً اكثر انتماء للكوميديا، وإما لأن النص الفاخوري حاول اللعب على عاملي الكوميديا والدراما في آن معاً فضيّع الاثنين. وأغلب الظن ان جورج ممثل يقنع الناس عندما يكون فكاهياً لأن شخصيته اساساً جدية، والممثل عادة، على ما تقول تجارب كبار الممثلين شرقاً وغرباً، يبرع في تجسيد الأدوار التي تتناقض مع طباعه وميوله لأنه بذلك يعوّض لنفسه ما فقده. وإن غالبية الأدوار الجدية - الدرامية التي لعبها جورج لم تزح لحظة واحدة صورته الشائعة ذات المغزى الظريف، الى درجة انه احياناً يؤدي موقفاً حزيناً فيترك انطباعاً بالضحك! من هنا يمكن القول ان فائدة جورج خباز من "كلها مالحة" قليلة. وسيؤدي ذلك الى ان تركز المؤسسة اللبنانية للإرسال وهي تعدّ لمسلسل قريب يجمعه ويورغو شلهوب بعنوان "عبدو وعبدو"،على ان يتفوق العنصر الفكاهي الخفيف في النص على اي عنصر آخر، ما سيسمح برؤية جورج خباز ويورغو شلهوب على خير شكل ادائي يتضمن مواقف استفزازية ظريفة، ملوّنة المعنى والمبنى. اما ريتا برصوني التي كانت تنتظر الوقت الذي تجرّب فيها نفسها في المسلسلات الأقرب الى خفة الظل، فقد احدثت رد فعل محيّراً. فهي احياناً عفوية وأداؤها خلوّ من المبالغة، وهي احياناً اخرى متكلفة. لكن اندفاع ريتا في ابتكار نظرة جديدة لها في عيون الناس، لم يذهب سدى مع انه لم يكتمل، وتبدو ريتا في حاجة الى معرفة امكاناتها قبل ان يعرفها الكتاب والمنتجون، والتأكد من قدراتها الأدائية قبل دخول تجارب غامضة النتائج. ويمكن فهم انحياز ريتا الفطري الى كل دور غريب، على انه انحياز الفنان الى كل ما من شأنه ان يكشف شيئاً مما في ذاته القلقة الباحثة عن جديد. يضاف الى ذلك مشكلة يعانيها الممثل اللبناني عموماً، وهي البحث عن ... عمل. جورج خباز وريتا برصوني ثنائي غير متناغم. كل واحد منهما ينجح مع آخرين، اما مع بعضهما بعضاً فدون النجاح كيمياء متنافرة.