بعد أن تساوت المرأة مع الرجل بل تفوقت عليه في مجالات عدة حتى صار هو يطالب بالمساواة، بدأت الظاهرة تنتقل إلى الوسط الدرامي اللبناني وبات من الجيد تنبيه المخرجين الشباب من أن اجتياح المخرجات الشابات للعمل الدرامي اللبناني قد بدأت. ورشات عمل، مسلسلات، كتاب، تقنيون... تجندوا جميعاً لخدمة مخرجات يعملن بجد لتحقيق بعض تطلعاتهن واهتماماتهن في محاولة للنهوض بالدراما اللبنانية. "كلها مرة"، "الزاوية"، "ماريانا"، "ابنتي"، "عبدو عبدو": مسلسلات تقدمها جنان منضور، كارولين ميلان، وفيفيان زكور. تجمع كارولين ميلان في"كلها مرة" - وهو الجزء الثاني من سلسلة حكايات لشكري أنيس فاخوري بدأت "ال بي سي" عرضه أخيراً - جورج خباز وريتا برصوني ورندة حشمة وجورج دياب والفنان الراحل يوسف أبو ملهب في مواقف خفيفة مهضومة يتعرض لها مدير مالي في شركة، ما يلزم زوجته الجاهلة في أمور الإدارة على الحلول مكانه. أما في "الزاوية" -الجزء الرابع من السلسلة نفسها - فتجمع ميلان عمار شلق، كارلا بطرس، وداد جبور، علي الزين ونعمة عساف... وتعكس الزاوية عذابات مخرج فقد زوجته في حادث سيارة، فيمر في عقد نفسية كثيرة ويتعرض لنساء عديدات في حياته منهن بطلة أفلامه ومتسولة تطرق باب منزله، يحاولن إخراجه من محنته. وتقدم منضور تجربتين مختلفين: ففيما تعكس "ابنتي" - أحد أجزاء مسلسل حكايات - المشاكل التي تعانيها أسرة لا تستطيع الإنجاب، وتعلّق الأب الكبير بابنته بعد طول انتظار والمشاكل التي تنتج عن ذلك، يجمع "ماريانا" - لمروان نجار - بين التشويق والسلاسة مع تجربة فتاة ريفية تنزل للعمل كخادمة في أحد قصور أغنياء المدينة. وبعد حصول جريمة قتل تتجه أصابع الاتهام للعائلة والخادمة ويعيش المشاهد تجربة الفتاة ومحاولة التأقلم مع حياة المدينة المختلفة تماماً. المخرجات الجديدات يشارك في "ماريانا" مجموعة من الممثلين أبرزهم: كارول الحاج، يوسف حداد، علي الخليل، نوال كامل، جيرار افيديسيان، سيرين عبد النور، بول سليمان، زاهر شهيب، نهلا داود وجان قسيس. ويجمع "ابنتي" الكو داود مع سيرين عبد النور، وبيار داغر، ومي صايغ، ونهلا داود، وجناح فاخوري ووفاء طربيه. وتقدم فيفيان زكور في "عبدو عبدو" من كتابة جورج خباز جورج خباز ويورغو شلهوب وفيفيان انطونيوس وبيرلا شليلا وجورج دياب ورندة حشمة. وعبدو وعبدو قريبان مختلفا الاهتمامات والشخصية ينتقلان للعيش في المدينة وتبدأ سلسلة من المواقف تعترض الأول الذي لا يهتم إلا بدراسته والثاني الذي يركز فقط على معجباته. تخرجت كارولين ميلان من "الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة" عام 1993. عملت في "تلفزيون وراديو العرب" لمدة ست سنوات قدمت خلالها برنامج "حلو ومر" وبرامج للأطفال وأخرى تخللتها بعض المشاهد الدرامية. أخرجت بعض الكليبات العربية وعملت مديرة الشؤون الفنية في "روتانا". تجربتها الفعلية في العمل الدرامي بدأت مع "كلها مرة" وتعمل الآن على إخراج "الزاوية". أما جنان منضور التي عملت في مكتب مروان نجار، فقد تخرجت في "معهد الدراسات العليا للفنون السمعية البصرية" في "جامعة القديس يوسف" عام 1994. أول تجربة إخراج لمنضور كانت مع "مرتي وأنا" و"كارلالالا". أنهت منضور جزء "ابنتي" قبل عودتها الى العمل مع نجار في مسلسلها الجديد "ماريانا". بعد دراستها في "الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة" وعملها في قسم الأخبار واخراجها برنامجاً عن السينما، انتقلت فيفيان زكور إلى "المؤسسة اللبنانية للإرسال" حيث عملت مساعدة مخرج في "كيف وليش"، وقدمت فقرات ل"تي تايم" وأخرجت برامج عدة ك"زوايا"، و"منع في لبنان" و"ضربت" و"ملايين" الذي يعرض قريباً. تقدم زكور أول تجاربها الدرامية في "عبدو عبدو". الأسلوب الجديد تنطلق ميلان من القصة وبالتحديد من القراءة الأولى للنص. وترفض "عرض العضلات" في تجسيده. فالنقطة الأساسية عندها عرض المسلسل بالطريقة التي تقنع المشاهد ويحس بها: "لا أحب فلسفة القصص ولا أن تبرز تقنيات معينة على حساب القصة، فالتلفزيون ليس سينما". وقد أثنى فاخوري على عملها قائلاً: "أفضل من قرأ نصاً وقدمه في شكل دقيق". ولكن تعلق ميلان بالقصة لا يمنعها من التركيز على نقاوة الصورة وسلاسة حركة الكاميرا ونظافة العمل الذي تقدمه. وتعتمد منضور في إخراجها على إحساسها واحترامها للنص وتوظيف كل عناصر الصورة لخدمته. وتشير منضور أيضاً إلى عدم اتباعها "برز العضلات" في المكان غير المناسب. "في مشاهد معينة اترك الممثل يأخذ الدور الأساسي وفي مشاهد أخرى أجد مجالاً لأضع بعض اللمسات الإبداعية... الكادر الجيد، الإحساس الصادق، إدارة الممثل الجيد، عوامل بسيطة تساهم في إيصال النص كما هو". في "عبدو عبدو" تعتمد زكور على انتقاء الألوان والكوادر التي تظهر صورتها بأجمل شكل. وبما إن العمل كلاسيكي لا تلجأ زكور إلى التفنن في شكل كبير لتقدم القصة بالبساطة المطلوبة. وتعتبر ميلان أن مشكلة الدراما اللبنانية الأساسية تكمن في الإنتاج. وتشير إلى أن "ضيق أطر الدراما اللبنانية دفع بالكتّاب الى التفتيش عن قصص غريبة لشدّ المتفرج مما جعلها تخرج نافرة من الواقع بعكس الدراما السورية والمصرية التي تحاكي قصصها الواقع وتخرج منه صادقة وتدخل إلى قلب المشاهد". وتقول: "باعتقادي أننا إذا نزلنا إلى حي لبناني وحكينا قصص ثلاث عائلات، نكون قد قدمنا شيئاً جميلاً". وتربط ميلان بين الدراما وتأثيرها الإيجابي على قطاع السياحة خصوصاً مع شخصية اللبنانية القريبة من المواطن العربي. وتتفق منضور مع ميلان حول المشاكل الإنتاجية المتعلقة بوضع الدراما اللبنانية في حين تسلط الضوء على مشكلة إضافية تتعلق "بعدم وجود خيارات اكبر أو كافية من الكتاب". أما بالنسبة إلى زكور "فالدراما اللبنانية اليوم في تحسن ملحوظ عن السنوات القليلة السابقة من ناحية حسن انتقاء القصة وإبراز جمالية الصورة". أما عن الصعوبات التي تواجهها كمخرجة، فتشير ميلان إلى محاولة بعض الممثلين التحكم بها لكونها امرأة وصغيرة السن. لكنها دائما تصمم على إبقاء ما ترتئيه هي خصوصاً أنها تخرج الدور من مميزات شخصية الممثل الذي يؤديه. وتنزعج منضور من أن "شكلها لا يوحي" بأنها مخرجة في بادئ تصوير المسلسلات، إلا أن ما يساعدها هو تعود فريق العمل عليها بعد ذلك. وتؤكد منضور أن أهمية المخرج لا تعود لجنسه بل لما يثبته من جدارته وطريقة عمله. أما بالنسبة لزكور فلا فرق حقيقياً بين المخرج الرجل والمرأة، لكنها تشير الى ان مشكلتها الوحيدة في العمل صوتها المنخفض. وتلفت المخرجات الثلاث إلى دور "المؤسسة اللبنانية للإرسال" في تلبية طلبات المخرجين الجدد وبنائها لمساحات يبرزون فيها قدراتهم.