كلما هدأ الصراع المسلح بين الفلسطينيين واسرائيل واقتربت بوادر الانتقال الى الصراع السياسي ضمن افق البحث عن تسوية او سلام، انطلاقاً من اتفاق او بروتوكول او خريطة طرق، كما هو حاصل الآن، سرعان ما يطفو على السطح الصراع على حق العودة للاجئين الفلسطينيين وكأنه جوهر الصراع السياسي المطروح اولاً: الاسرائيلي يطالب بالغاء او اسقاط هذا الحق، والفلسطيني يرد بالتمسك به بوصفه حقاً مقدساً غير قابل للتصرف او الالغاء ولا بد من تنفيذه وممارسته من قبل اللاجئين الفلسطينيين كي تستقيم التسوية ويدوم السلام. ما ان تم التوصل الى الهدنة الحالية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية كتمهيد لبدء تنفيذ خريطة الطريق حتى فتح الاسرائيليون على مختلف مستوياتهم المعركة لالغاء حق العودة واسقاطه الامر الذي استدعى ويستدعي من الفلسطينيين كافة: سلطة وفصائل وقوى وهيئات مدنية، استنفاراً وتنبهاً عالي المستوي لتأكيد التمسك بهذا الحق وعدم جواز ابطاله او الغائه اياً تكن المسببات او النتائج. فقد اقر الكنيست الاسرائيلي قانوناً يحول دون تنفيذ حق العودة وابلغ شارون وزير الخارجية الاميركي انه لن يصادق على خريطة الطريق الا بعد تنازل الفلسطينيين عن هذا الحق، واصدر وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم تعليمات الى البعثات الديبلوماسية الاسرائيلية بالكف عن استخدام تعبير "حق العودة" حتى وهي تدعو الى الغائه وبوجوب استخدام تعبير رغبة العودة بدلاً عنه، وذهب المستشار القضائي للوزير الاسرائيلي الى اصدار اجتهاد بعدم وجود اي معنى لحق العودة في القانون الدولي بالنسبة الى الفلسطينيين ولا بالنسبة الى اي شعب آخر ناصحاً الديبلوماسية الاسرائيلية بأن من الافضل القول ان هناك حاجة لايجاد حل لمشكلة اللاجئين وليس تنازل الفلسطينيين عن حق العودة طالما انه لا وجود لاي معنى لهذا الحق في القانون الدولي! تعتبر المعركة الحالية التي فرضتها اسرائيل بمثابة استمرار لمعارك سابقة الا انها ربما تكون الاكثر شراسة وقوة واحتداماً وهي بلا شك لن تكون المعركة الاخيرة، مهما سعت اسرائيل الى ذلك، طالما استمر الفلسطينيون بالتمسك بهذا الحق الثابت وغير القابل للتصرف. وما تريده اسرائيل هو التخلص من حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ارضهم وممتلكاتهم والذي نص عليه قرار الجمعية العام للامم المتحدة رقم 194، وهي بسعيها هذا تريد من الفلسطينيين الموافقة الرسمية على اغلاق ملف حرب 1948 والتسليم بنتائج تلك الحرب كما استقرت عليه حتى الآن. وبحسب وجهة النظر الإسرائيلية فإن الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل وبحقها في الوجود وتوقيع اتفاق سلام معها، يبقى ناقصاً وغير مكتمل قانونياً حتى يتنازل الفلسطينيون عن هذا الحق ويوافقون على إلغائه وشطبه من قرارات وسجلات الأممالمتحدة. في المقابل، لا يجد الفلسطينيون مناصاً عند كل هجوم إسرائيلي على حق العودة من استنفار قواهم للدفاع عنه وتأكيد قدسيته والتمسك به بوصفه من الحقوق الثابتة وغير القابلة للتصرف كما سبق، وإن صنفته الأممالمتحدة. ومع التوقيع على اتفاقات أوسلو وما تلاها من اتفاقات انتظم اللاجئون الفلسطينيون في لجان وحركات وحتى منظمات مهمتها الوحيدة الدفاع عن هذا الحق وتأكيد التمسك به ورفض أي مساس به أو محاولة طمس له، كما جاء في البيانات الصادرة عن الندوات واللقاءات والمؤتمرات التي عقدت لهذه الغاية في العديد من المدن والعواصم الفلسطينية والعربية والأجنبية. وعلى رغم ذلك، يستشعر الفلسطينيون اخطاراً حقيقية مستجدة تتهدد حق العودة، خصوصاً حين يشاهدون بعض الشخصيات الفلسطينية وهي تضطر للانحناء قليلاً أو كثيراً أمام العواصف والتحديات والطروحات الإسرائيلية، محاولة ابداء التفهم والإعراب عن الاستعداد للتفاهم والتجاوب مع الإسرائيلي في شأن امكان الالتفاف على هذا الحق. تؤكد القراءة المدققة للمواقف من حق العودة: 1- استحالة موافقة إسرائيل على تمكين اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة هذا الحق تنفيذاً للقرار 194، واجماع الإسرائيليين على رفض ذلك انطلاقاً من الادعاء بأن ممارسة الفلسطينيين لهذا الحق سيقود إلى تقويض إسرائيل كدولة يهودية، وانطلاقاً من ذلك، فهي ترى في التمسك الفلسطيني بهذا الحق والدفاع عنه كهدف، إنما هو تعبير غير مباشر عن رغبة الفلسطينيين والعرب في تصفية الوجود الإسرائيلي. 2- استحالة موافقة الفلسطينيين، سلطة وفصائل وقوى شعبية، على إلغاء أو اسقاط هذا الحق أياً تكن الاغراءات أو التهديدات. على رغم هذه المواقف المتناقضة، فإن الحوار والنقاش بين أطراف فلسطينية وإسرائيلية، وأحياناً أميركية، للبحث عن مخارج تتيح تجاوز هذه المواقف، خصوصاً منها المواقف الإسرائيلية الضاغطة باتجاه ربط التوصل إلى اتفاق في شأن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بشرط تنازل السلطة الفلسطينية عن حق العودة. واستناداً لبعض ما ينشر عن هذا الحوار، فإن التوجه الإسرائيلي ومعه الاميركي الى حد ما، يدعو الى تجيير حق اللاجئين في العودة بحيث يكون الى الدولة الفلسطينية الموعودة وليس الى اسرائيل مقابل تفكيك اسرائيل لمستوطناتها في الضفة والقطاع وسحب مستوطنيها منها. وفي انتظار تبلور الاتصالات والحوارات والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية برعاية اميركية فان حق العودة سيبقى وسط دوامة من العواصف العاتية، فتحقيقه او الاتفاق على تحقيقه يبدو امراً مستحيلاً وكذلك الحال بالنسبة الى الغائه او ابطاله، والممكن فقط هو تجاوزه عدم التطرق اليه عند التوصل الى اتفاق فلسطيني اسرائيلي على اقامة الدولة، وربما كانت الرغبة في الاكتفاء بالتجاوز هي الاقوى في الجانب الرسمي الفلسطيني ونظيره الاسرائيلي، وبالتالي الابقاء عليه او ديمومته كمطلب او هدف استراتيجي متروك لأزمنة وموازين وسيكولوجيات وارادات جديدة. * كاتب فلسطيني.