من مآسي النكبة التي تتضاعف يوما بعد يوم مأساة اللاجئين الفلسطينيين فالكارثة لم تقف عند اغتصاب الأرض وإنما تجازوت هذا إلى محاولة إنهاء الوجود الفلسطيني في حد ذاته ، حيث تحول الفلسطينيون إلى شعب من المشردين سواء كان ذلك داخل وطنهم أو في البلدان العربية . فتقديرات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة تشير إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لديها قد بلغ 4349946 لاجئ حتى 31 مارس 2006 بزيادة تقدر بنحو 4.7 مرات عما كانوا عليه عام 1950 ، من هؤلاء اللاجئين 1278678 لاجئ يعيشون داخل 59 مخيما للاجئين موزعة على عدد من المناطق، ففي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة هناك 27 مخيما بواقع 19 مخيما في الضفة الغربية، يعيش فيها 184382 لاجئ من عدد اللاجئين المسجلين البالغ عددهم 699817 لاجئ، ما نسبته 16.2 % من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى الاونروا و8 مخيمات في قطاع غزة يعيش فيها 479364 لاجئ، من عدد اللاجئين المسجلين البالغ عددهم 986034 لاجئ، بنسبة 22.6% من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى الأونروا . وفي الأردن هناك 10 مخيمات، يعيش فيها 286110 لاجئ، في حين بلغ عدد اللاجئين المسجلين 1827877 لاجئ بنسبة 41.8% من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين ، أما في لبنان فيوجد فيها 12 مخيما يعيش فيها 213349 لاجئ، أما عدد اللاجئين المسجلين فقد بلغ 404170 لاجئ بنسبة 9.4% من إجمالي اللاجئين المسجلين ، وفي سوريا هناك 10 مخيمات يعيش فيها 115473 لاجئا من اعداد اللاجئين المسجلين البالغ عددهم 432048 لاجئ بنسبة 10.% من إجمالي اللاجئين المسجلين. وفي السياق ذاته ، تشير إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد اللاجئين يشكلون 27.2% من سكان الضفة الغربية في حين يشكلون ما نسبته 68.4% من سكان قطاع غزة كما تشير الإحصاءات إلى أن المجتمع الفلسطيني بين اللاجئين هو مجتمعا فتيا حيث تشكل نسبة اللاجئين من هم دون سن الخامسة عشر 45.8% من عدد اللاجئين، في حين بلغت نسبة من هم أكثر من 65 سنة 3% فقط . ولقد بلغ معدل وفيات الأطفال الرضع في الفترة من 1999 وحتى عام 2003 27.2طفل لكل ألف مولود حي وهو معدل مرتفع إذا ما قورن بمعدل الوفيات عند غير اللاجئين حيث بلغ 21.7 طفل لكل ألف مولود حي ، أما الوفيات لدى الأطفال اقل من 5 سنوات فقد بلغ المعدل 32.3 طفل لكل ألف مرتفعا بذلك كثيرا عند معدل الوفيات عند غير اللاجئين الذي بلغ 25.2 لكل ألف طفل ، وهذا يعكس بشكل كبير سوء الأوضاع الصحية عند اللاجئين خصوصا داخل المخيمات. وبصفة عامة ، يعيش اللاجئون الفلسطينيون أوضاعا اقتصادية واجتماعية مأساوية ، ففي الأراضي الفلسطينية يتعرضون إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اعتداءات متواصلة على كل مناحي الحياة، حيث تكبد اللاجئون خسائر بشرية ومادية فادحة ، وما زالت المخيمات الفلسطينية تتعرض إلى الاقتحامات والاجتياحات والاغلاقات المتكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي كما حدث ويحدث في مخيمات جنين وبلاطة وغيرها ، وقد تصاعدت الممارسات العدوانية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني فزادت الخناق الاقتصادي الذي أدى إلى تزايد معدلات الفقر وتزايد معدلات البطالة خصوصا منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية . وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين فإن وضعهم لم يكن أحسن حالا حيث يواجهون شتى ألوان التعسف بل والتمييز أيضا ، ففي لبنان ما زالت المخيمات الفلسطينية محاصر ة مع فرض رقابة شديدة على الدخول أو الخروج منها ، وما زال اللاجئون الفلسطينيون محرومون من ممارسة عشرات المهن، ومحرومون من إقامة أي منشآت حتى داخل المخيمات الأمر الذي عاني ويعاني منه اللاجئون هناك بالإضافة إلى وجود نحو من 25 ألف فلسطيني يعيشون بدون أوراق ثبوتية، وهو ما يعقد من حياتهم اليومية. بورصة المزايدات وفي ضوء تلك المآسي ، لم يكن من المستغرب أن تشكل قضية اللاجئين جوهر الصراع العربى الإسرائيلى ، كما أن عودة اللاجئين الفلسطينيين هو حق تحميه القوانين الدولية بالنظر لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم194 لعام 1948 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلي ديارهم والحصول علي تعويضات عن ممتلكاتهم ، ولذا لايمكن لأى كان أن يتنازل عنه كما أنه لايسقط بالتقادم. وهذا ما ظهر جليا في محادثات ديفيد 2000، فهى إلى جانب قضية القدس كانت بمثابة الصخرة التي تحطمت عليها محادثات كامب ديفيد بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود باراك تحت رعاية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. فبالنظر لإدراك إسرائيل لخطورة تلك القضية على وجودها ومساعيها لتكون ذات أغلبية يهودية ، فإنها طالما سعت لإنهائها ، ومايجري علي مسرح الشرق الأوسط منذ انهيار محادثات كامب ديفيد يشير بوضوح إلي أن هناك مخططا إسرائيليا تشارك فيه بعض الأطراف الإقليمية والدولية لتلبية مطلب الكيان الصهيونى فى تصفية تلك القضية . فقد كشفت تقارير صحفية إسرائيلية أن كل أوراق وبنود الحل النهائي للقضية الفلسطينية مثل الحدود والمياه وكذلك القدس يمكن لها أن تظل حتي اللحظة الأخيرة أوراقا مفتوحة ومهيئة لهامش من المناورة والمقايضة مقابل أن تحصل إسرائيل علي تنازل فلسطيني عن الصفة المطلقة لحق العودة وقبول استبدال هذا الحق بالتعويضات المالية. وبالإضافة إلى هذا ، فإن الذى جري لعرفات بدءا من حصاره في مقر المقاطعة برام الله حتي رحيله ، وسط شكوك قوية ترجح تسميمه عقابا له علي موقفه في كامب ديفيد ، ليس ببعيد عن الجدل السياسي في لبنان حول المخيمات الفلسطينية ولا هو بعيد أيضا عن الذي يتردد عن إمكانية تهيئة المسرح العراقي ليكون أحد أهم ساحات التوطين الأساسية لمعظم اللاجئين الفلسطينيين. ولاننسى أيضا تكرار الدعوات الإسرائيلية لإقامة علاقة كونفيدرالية بين دولة فلسطين المرتقبة والمملكة الأردنية الهاشمية علي أساس أنه من شأن علاقة كهذه إذا شملت حدودا مفتوحة وتكاملا اقتصاديا أن تقنع غالبية الفلسطينيين المقيمين في الأردن بالبقاء في أماكنهم وعدم التمسك بحق العودة ، كما أن هناك دعوات إسرائيلية أخري تتحدث عن إلغاء وكالة غوث اللاجئين ونقل مسئولياتها عن المخيمات إلى الدول المضيفة بهدف خدمة مخطط التوطين. ورغم رفض القمة العربية فى الرياض الاستجابة لطلب إسرائيل بإدخال تعديل على مبادرة السلام العربية يتعلق بإلغاء حق العودة ، إلا أن هناك من المسئولين العرب من خرج فيما يبدو عن هذا النهج . ففى 20 إبريل 2007 ، كشفت صحيفة "هاآرتس" العبرية أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعا خلال لقائه وفداً برلمانياً إسرائيلياً في عمان في الثامن عشر من إبريل إلى بحث إمكان دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين بدلاً من تطبيق حق العودة . ووفقا للصحيفة الإسرائيلية فإن أعضاء الكنيست انتقدوا تضمين المبادرة العربية بنداً يشير الى حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194 الذي ينص على حق العودة، مشددين على أن أي اسرائيلي لن يوافق على ذلك، ومعتبرين الأمر "انتحاراً" ، ورد الملك الأردنى أن المبادرة العربية ليست خطة وإنما نقاط للبحث وأن أي اتفاق بين إسرائيل والعرب سيكون بالتفاهم ، قائلا أيضا :"إننا في القارب نفسه ونواجه المشكلة نفسها. لدينا الأعداء أنفسهم" ، وذلك في إشارة بحسب وفد الكنيست إلى إيران وحزب الله وحركة حماس. ورغم نفى الأردن ما ورد على لسان الملك فى صحيفة هاآرتس ، فإن حركتى حماس والجهاد انتقدتا تصريحات العاهل الأردني التى ذكر فيها أنه يمكن لإسرائيل تقديم تعويضات للاجئين الفلسطينيين كبديل لعودتهم إلى الأراضى الفلسطينية ، وأكدت حركة حماس أن قضية اللاجئين الفلسطينيين تعتبر من الثوابت التي لا يحق لأحد سواء فلسطيني أو عربي أو أياً كان في أي مكان في العالم أن يفاوض عليها، وشددت على أن هذه القضية غير قابلة للتعويض ، قائلة في بيان لها :" دافعنا عن قضية اللاجئين بالدماء والأشلاء والتعب والجهد على مدار عقود من الزمن، وبالتالي يجب أن يتوج هذا الجهد وهذا التعب وهذا النضال بعودة اللاجئين، وليس بالتفاوض على قضيتهم أو تعويضهم أو بتسكينهم في أي مكان في العالم". وفى السياق ذاته ، استنكرت حركة الجهاد الإسلامي بشدة تصريحات العاهل الأردني ، معتبرة إياها بمثابة إلغاء لحق عودة ملايين الفلسطينيين المشردين في الشتات ، ووفقا لتصريحات أدلى بها محمد الحرازين القيادي في الحركة فإن حق العودة هو حق قانوني وإنساني غير قابل للمقايضة والتسويف، ووصف تصريحات العاهل الأردني بأنها لاتخدم القضية الفلسطينية وبأنها دعوة للشعب الفلسطيني للاستقالة من الثوابت والمبادئ التي ناضل وقاتل من أجلها عقوداً من الزمن ، مؤكدا أن عدم القدرة على استرداد الحقوق لايعني التنازل عنها أو التفريط بها. والخلاصة هنا أن المرحلة المقبلة سوف تكون هي الأصعب والأشرس في مسيرة القضية الفلسطينية بأسرها لأن المطلوب الآن هو رأس وقلب القضية المتمثل في قرار حق العودة ، فهناك تحركات إسرائيلية مدعومة أمريكيا لتغييب المعطيات الصحيحة للقضية الفلسطينية ككل ولمسألة اللاجئين تحديدا وبالتالي إمكان القفز باتجاه شطب بند اللاجئين من معادلة أي تسوية سياسية إلا أنه تبقى حقيقة مهمة ستظل تؤرق مضاجع إسرائيل وهى أن عدد الفلسطينيين المقيمين في الشتات يزيد بما هو أكثر من الضعف عن عدد الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربيةوغزة ومن ثم فإنه من الصعب الحديث عن حل دائم وشامل وعادل للمشكلة الفلسطينية لايكون مراعيا لهذه الحقيقة ومستوعبا لتداعياتها المحتملة.