برزت أمس جهود أميركية وبريطانية مكثفة مع اطراف النزاع السوداني في محاولة لضمان نجاح الجولة المقبلة من المفاوضات بين الحكومة و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" لدى استئنافها في كينيا في العاشر من الشهر المقبل. واكد المبعوث البريطاني الى السودان آلن غولتي ان عملية السلام "لن تفشل ولن تنهار، وستصل الى غاياتها لأنه لا يوجد خيار آخر"، فيما بدأ مسؤولان اميركيان محادثات مع مسؤولين سودانيين لمعالجة القضايا الخلافية التي تعطل العملية. في غضون ذلك، تبدأ اليوم في المانيا اجتماعات فصائل المعارضة السودانية المسلحة لمناقشة موضوع "المناطق المهمشة" وتأثير ابعاد تلك الفصائل على مسيرة السلام التي تجري برعاية "السلطة الحكومية للتنمية" في شرق افريقيا ايغاد. فيما كشفت مصادر في المعارضة ان "ملتقى السلام السوداني" عرض على عدد من قادة المعارضة المسلحة في الخارج الحضور الى الخرطوم والمشاركة في "الاجماع الوطني". أجرى المبعوث البريطاني الى السلام في السودان آلن غولتي محادثات أمس مع مستشار الرئيس السوداني لشؤون السلام الدكتور غازي صلاح الدين ورئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية الدكتور ريال قاي ناقش خلالها أفكاراً لتجاوز المسائل الاجرائية وتسوية القضايا الخلافية التي برزت في الجولة الاخيرة التي تعثرت بين الحكومة و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، خصوصاً المتعلقة باقتسام السلطة والثروة والترتيبات الأمنية. كما ناقش المبعوث البريطاني مع قيادات احزاب المعارضة الشمالية والجنوبية مواقفها من القضايا المطروحة امام طرفي التفاوض. وطالبت المعارضة الوسطاء، الاهتمام بقضايا الحريات والتحول الديموقراطي والمشاركة في محادثات السلام، حتى تدعم اي اتفاق وتشارك في تنفيذه لضمان استمراره. وقال غولتي، في مؤتمر صحافي عقد في مقر السفارة البريطانية، إن عملية السلام لن تفشل بعدما حققت بعض التقدم، موضحاً ان لندن ليست محبطة من التعثر الذي لازم جولة المحادثات الأخيرة واعتبره امراً طبيعياً. وتابع، "لكن لا بديل عن عملية السلام والوصول الى اتفاق نهائي". وعبر عن تفاؤله في الوصول الى تسوية سلمية قريباً لكنه اشار الى ان هناك الكثير الذي ينبغي عمله لبلوغ هذه الغاية، وجدد التزام بلاده العمل على مساعدة أطراف النزاع لافتاً الى انه لا يوجد موعد محدد لتوقيع اتفاق سلام نهائي. واضاف غولتي: "بريطانيا تشجع طرفي التفاوض لتسريع جهود الوسطاء في منظمة السلطة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا ايغاد لأنها فرصة ينبغي اغتنامها، ولأن المجتمع الدولي بأسره أخذ على عاتقه ضرورة الوصول الى سلام في السودان". مشيراً الى ان "الوصول الى سلام ليس أمراً سهلاً وانه من الطبيعي ان تمر العملية السلمية بلحظات هبوط وارتفاع، ولكن لا يوجد خيار غير السلام". الى ذلك، اجرى الرئيس عمر البشير اتصالاً هاتفياً مع نظيره المصري حسني مبارك أطلعه خلاله على تطورات عملية السلام. وجدد مبارك موقف بلاده الثابت لجهة دعم وحدة السودان وحرصه على استقراره. كما اجرى النائب الأول للرئىس علي عثمان محمد طه محادثات مع المسؤول الاميركي عن ملف السلام في السودان المقيم في نيروبي السفير جيف ميلنغتون ركزت على تجاوز العقبات التي أدت الى تعثر جولة المفاوضات الأخيرة. وأكدت الخرطوم ان لقاء طه وميلنغتون كان ناجحاً ومثمراً وان عملية السلام قطعت شوطاً بعيداً ولم يتبق إلا القليل، وجددت التزامها المضي في الاتجاه ذاته "حتى نهاية الشوط". وبدأ نائب مدير هيئة المعونة الاميركية روجر ونتر امس زيارة للخرطوم لإجراء محادثات مع المسؤولين عن ملف السلام. كما سيزور ولايات دارفور الغربية التي تنشط فيها المعارضة المسلحة وسيتفقد نحو 40 ألف نازح خرجوا من قراهم بعد تصاعد العمليات العسكرية بين الجيش ومتمردي دارفور. على صعيد آخر، قال اريك بارتون رئيس فريق من مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن الذي يزور الخرطوم ان الرأي الغالب بين اعضاء الكونغرس الاميركي يرى ان الحكومة السودانية غير جادة في التوصل الى اتفاق عبر المفاوضات الجارية برعاية "ايغاد". وزاد: "هناك اقتناع بدأ يتشكل بالفعل داخل اميركا انه خلال الجولة المقبلة لن تحسم قضية السلام اذا لم تُظهر الخرطوم جديتها"، نافياً بشدة ان تكون لدى واشنطن أجندة خفية في عملية السلام. من جهة اخرى، علمت "الحياة" ان منظمي "ملتقى السلام" في الخرطوم حكومي يبذلون جهوداً لاقناع الأمين العام ل"التجمع الوطني الديموقراطي" الدكتور شريف حرير وعضو هيئة القيادة عبدالله كنة لحضور "الملتقى" مع ضمانات لخروجهم من السودان في حال فشل تحقيق "الاجماع الوطني". لكن قيادياً في حزب "مؤتمر البجا" وصف "الملتقى" ب"العنصرية" واشار الى ان "كل جميع أعضائه يمثلون شمال السودان وليس هناك أي ممثل من مناطق الشرق والغرب والجنوب". الى ذلك، اكدت مصادر في المعارضة ان الحزب الشيوعي السوداني تلقى اشارة من الخرطوم لإرسال قيادات من الخارج لحضور الملتقى، لكن الحزب رفض ذلك. من جهة اخرى، تبدأ اليوم في المانيا اجتماعات الفصائل المسلحة في غرب السودان اضافة الى قيادات من حزب "المؤتمر الشعبي" الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي وعلى رأسهم نائب الأمين العام الدكتور علي الحاج للبحث في تطورات عملية السلام وخطورة ابعاد القوى السياسية من العملية السلمية. ويشارك في الاجتماعات الفصائل المعنية بالمناطق المهمشة. وكشفت مصادر من منظمي الملتقى "ان ثمة توجهاً لتكوين تحالف عريض تحت اسم اتحاد المهمشين". وفي الإطار ذاته، علم ان الخرطوم أرسلت أمين الشؤون السياسية في "المؤتمر الوطني" الحزب الحاكم الشفيع أحمد محمد الى المانيا وهولندا ولندن للقاء قيادات من دارفور لاحتواء الأزمة الجارية في غرب السودان. ويلتقي الشفيع الدكتور شريف حرير والدكتور خليل ابراهيم والدكتور علي الحاج محمد وهم من ابناء قبيلة الزغاوة وذلك للتوسط مع "حركة تحرير السودان" والترتيب لاجراء حوار سياسي مع قادتها في دارفور.