سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" تقدم رواية شاملة لقصة الرهائن الغربيين منذ اختفائهم في الصحراء حتى تحريرهم ."خلافات" الخاطفين سهلت اطلاق السياح ... وجزائريون استخدموا "دروعاً بشرية" خلال الانتقال إلى مالي
تُقدّم "الحياة" اليوم، نقلاً عن مصادر مختلفة بعضها جزائري والآخر غربي، رواية شاملة لقضية السياح الأوروبيين منذ خطفهم في الصحراء الجزائرية في شباط فبراير الماضي حتى تحريرهم على دفعتين، الأولى في أيار مايو خلال عملية للقوات الخاصة الجزائرية، والثانية سلماً في مالي الأسبوع الماضي. وتكشف معلومات خاصة عن هويات زعماء الخاطفين المنتمين الى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي يتزعمها حسان حطاب، والخلافات التي عصفت بهم خلال عملية الخطف، وامتداداتهم عبر الصحراء الى مالي. وتشير الى ان "الجماعة" بدأت على ما يبدو تغيّر استراتيجيتها في الاعتداءات المسلحة بإدخال "أساليب جديدة" على نشاطها، ما يوفّر لها عودة قوية إلى الساحة الأمنية. بدأت عملية خطف السياح في 19 شباط الماضي عندما "اختفى" 11 أوروبياً هم ستة ألمان وهولندي وأربعة سويسريين كانوا في ثلاث مجموعات، خلال عبورهم مسلكاً وعراً بين ورقلة وجانت 800 كلم و1700 كلم جنوب شرقي الجزائر. وفي 8 اذار مارس اختفى مجدداً أربعة سياح جميعهم ألمان كانوا غادروا مدينتهم الأصلية أوسبسورغ في 22 شباط، بعدما توغلوا في الصحراء الجزائرية الكبرى. ونقلت "وكالة الأنباء الجزائرية"الرسمية، في 17 آذار، عن مصادر أمنية ان قوات الدرك التابعة لوزارة الدفاع الوطني تقوم "بالتعاون مع وكالات سياحية محلية في ولاية إليزي - 1800 كلم جنوبالجزائر - بعملية بحث عن ثمانية سياح أجانب تاهوا في الصحراء". وأوردت أن هؤلاء السياح كانوا ضمن فوجين. الأول يضم أربعة سويسريين انتقلوا على متن حافلة صغيرة من ولاية ورقلة 800 كلم جنوب في اتجاه ولاية إليزي مروراً بمنطقتي بلبقور ووادي سمان. أما الفوج الثاني فيتكون من أربعة ألمان انتقلوا من مدينة جانت في ولاية إليزي إلى ورقلة على متن دراجات نارية على المسار ذاته الذي يسلكه عادة السياح الأجانب بالاستعانة بمرشدين من المنطقة. وفي اليوم نفسه تحادث خمسة سياح ألمان وآخر من السويد مع أهاليهم بالهاتف للمرة الأخيرة انطلاقاً من مدينة تمنراست 1900 كلم جنوبالجزائر عندما كانوا ينتقلون في ثلاث سيارات مجهّزة لعبور المسالك الصعبة. واختفى سائح ألماني آخر من دون تحديد التاريخ. وفي الرابع من نيسان ابريل أعلن التلفزيون النمسوي اختفاء ثمانية سياح نمسويين في الصحراء الجزائرية. وبعد يومين فقط وصلت فرقة من خمسة أفراد من الشرطة الجنائية الألمانية إلى الصحراء حيث كان سبقهم مسؤول أمني ألماني للتحقيق في ظروف اختفاء السياح. ومع مر الأيام بدأت أعداد السياح "المفقودين" ترتفع إلى أن وصل عددهم في نهاية نيسان إلى 32 من جنسيات ألمانية ونمسوية وسويسرية وواحد من هولندا، وآخر من السويد دخلوا جميعهم من تونس عبر بوابة طالب العربي في وادي سوف ولاية الوادي، 700 كلم جنوب شرقي الجزائر. ويقول مصدر غربي إن عدداً من السياح الذين احتجزوا أكدوا لاحقاً أنهم "تعرفوا على بعضهم عبر الانترنت قبل أن يتجمعوا في مكان واحد يُعد ضمن المناطق الممنوعة في الصحراء الكبرى الجزائرية". وتزامن إعلان اختفاء السياح الأوروبيين مع إعلان حضيرة الأهغار رفع دعوى قضائية ضد سياح ألمان بتهمة "سرقة قطع أثرية من المنطقة وعرضها للبيع في ألمانيا". ورُفعت الدعوى بناء على إفادة قدمها سائح بريطاني. وأثارت تصريحات أدلى بها مستشار لوزير السياحة الجزائري لخضر ضرباني الى الإذاعة الوطنية حول احتمال أن يكون بعض السياح المفقودين "لصوصاً" يسعون الى اقتناء قطع أثرية، تساؤلات حول دور الحكومة في التعامل مع هؤلاء عند العثور عليهم، خصوصاً أن بعضهم دخل الأراضي الجزائرية عبر النقطة الحدودية مع تونس ومن دون الاتصال بالوكالات السياحية المحلية ولا حتى بالمرشدين السياحيين، كما أن بعضهم سلك طرقاً وعرة ومناطق محظورة على السياح لاعتبارات أمنية. غير أنه وبمجرد بروز شكوك في إمكان ان تكون للجماعات المسلحة علاقة باختفائهم، بادرت الحكومة إلى طي ملف "شبكات تهريب القطع الأثرية" وبدأت في تهيئة الرأي العام لأسوأ الاحتمالات. هدف الخاطفين... الانتقال إلى مالي وفي 28 نيسان أوردت يومية "لوموند" الفرنسية، استناداً إلى مسؤول عسكري جزائري رفيع رفض كشف هويته، أن الرهائن الأوروبيين "في صحة جيدة وحياتهم غير معرضة للخطر"، مشيراً إلى أن الجيش الجزائري "يفضل الحفاظ على أرواح السياح حتى ولو اقتضى الأمر ترك الإرهابيين يفرون، وسنجد دوماً فرصة لإلقاء القبض عليهم يوماً ما". وأكد المصدر ان الخاطفين "اختاروا منطقة جبلية وعرة وهدفهم الانتقال إلى دولة مجاورة". وخلال اسبوع بادرت لجنة الاتصال والثقافة والسياحة في البرلمان الجزائري، أي بعد مرور شهرين من اختفاء السياح، إلى مساءلة كل من وزير السياحة لخضر ضرباني ووزير الداخلية يزيد زرهوني. وفي حين أشار ضرباني إلى وجود "اتصالات مع الخاطفين للحفاظ على أرواح السياح"، نفى وزير الداخلية ذلك لكنه قال ان هدف السلطات يبقى "إنقاذ السياح". وفتحت هذه التصريحات باب التكهنات في شأن هوية الجماعة الخاطفة ومطالبها. وبدأت تبرز منذ الأسبوع الأول من ايار مايو ان الخاطفين ينتمون على الأرجح الى مجموعة تابعة ل"الجماعة السلفية" تنشط في منطقة الصحراء. وفي 14 أيار أعلن بيان مقتضب لقيادة الجيش أن قواتها تمكنت من تحرير مجموعة من السياح تضم 17 أوروبياً "إثر عملية خاطفة". خطف السياح لم يكن مبرمجاً ويعترف عماري صايفي المدعو عبدالرزاق "البارا"، "أمير المنطقة الخامسة" في "الجماعة السلفية"، في بيان تلقت "الحياة" نسخة منه، أنه احتجز السياح الأجانب في 23 شباط في ولاية إليزي. لكنه لم يقدم تفاصيل عن أسباب هذه العملية. لكن "تائبين" من "الجماعة" أكدوا أخيراً أن العملية "لم تكن مبرمجة من قبل". وتحدثوا عن "مصادفة" تحولت إلى عملية حجز للسياح الذين بادر بعضهم الى عرض مال في مقابل الإفراج عنهم ظناً منهم بأنهم أمام مجموعة من "قطاع الطرق" أو "المهربين" الذين سمعوا عنهم من قبل. وعرف السياح لاحقاً ومع مر الأيام أن الخاطفين عناصر من "الجماعة السلفية". ويذكر مصدر أمني في ولاية تمنراست ل"الحياة" أن عدد الخاطفين الذين يتزعمهم عبدالرزاق "البارا" المدعو أيضاً "أبو حيدرة" كان يتراوح بين 35 و40 عنصراً، كان عددهم يرتفع أو ينقص بين منطقة وأخرى. ويقول ان غالبيتهم ناشطون في "الجماعة السلفية" من مناطق الوادي وتبسة وبوطالب ولاية سطيف وباتنة، وبعضهم سبق أن عمل في شبكات التهريب ويعرف الصحراء جيداً. ومن بين مجموع الخاطفين حُدد ثلاثة أشخاص أساسيين. الأول هو زعيم الخاطفين عماري صايفي "البارا" و"أبو حيدرة". والثاني هو "أمير سرية" يدعى ضوء العيش ويعرف باسم "عبدالحق" وهو من منطقة الوادي 650 كلم جنوب، والثالث هو زرفاوي أحمد المدعو عبدالله ويكنى أيضاً باسم "أبو الخولة" وهو "أمير سرية" من منطقة الشريعة في ولاية تبسة 550 كلم شرق الجزائر. وتولى "عبدالله" و"عبدالحق" تأمين المسالك التي يعبرها الخاطفون بمساعدة "البارا" الذي سبق له أن زار الصحراء ومالي والنيجر مرات عدة لإجراء اتصالات مع مبعوثين عن "القاعدة" ولشراء اسلحة وذخائر. خلافات ساهمت في تحرير المجموعة الأولى ويذكر "البارا"، في بيان تبني عملية الخطف، ان رهائن المجموعة الأولى أطلقهم "المجاهدون وليس بفعل ما تدعيه القوات الجزائرية". لكنه لا يشير على وجه الدقة إلى خلفية الإفراج عن المجموعة الأولى وعدم القيام بالأمر نفسه مع المجموعة الثانية. غير ان ديبلوماسياً غربياً قدّم ل"الحياة" رواية أخرى تؤكد ان عملية تحرير المجموعة الأولى قامت بها قوات النخبة الجزائرية "في هجوم خاطف"، مثلما أعلنت قيادة أركان الجيش الجزائري. ويؤكد المصدر الغربي أن اجهزة مكلفة متابعة عملية الخطف رصدت خلافات حادة برزت بين الخاطفين في منطقة أمغيد في ولاية تمنراست 1900 كلم جنوب حول كيفية التعامل مع الرهائن الأوروبيين في حال شن الجيش هجوما مباغتاً ضدهم. وأضاف ان هذه المعلومة كانت وراء التعجيل في صدور قرار "الحسم العسكري" لتحرير المجموعة. ويضيف المصدر ان رأي عبدالرزاق "البارا" كان أن يتم قتل جميع السياح حتى يتحمل الجيش بعد الهجوم الضغوط الخارجية المتوقعة ضده، مما يُمثّل نكسة له. غير أن هذا الرأي لم يوافق عليه اثنان من كبار مرافقيه. واعترض هذان على "شرعية" قتل الرهائن من الناحية الدينية ولكونه أسلوباً لم تألفه "الجماعة السلفية" من قبل في حق الأجانب والمدنيين. لكن الخلافات "الفقهية" بين الخاطفين حول التعامل مع الرهائن، لم تؤثر سلباً على شعورهم بالاطمئنان لوضعهم في المناطق الوعرة، خصوصاً بعد مرور شهرين من احتجازهم من دون أن يشعروا بمضايقات أو ملاحقات يقوم بها الجيش أو قوات الأمن. وينقل ديبلوماسي أوروبي عن أحد الرهائن تأكيده أن الخاطفين، على رغم الخلافات التي برزت بينهم، "كانوا يشعرون بأنهم غير متابعين"، لكن طائرات استكشاف حديثة كانت ترصد كل حركة من حركاتهم بدقة متناهية. ووفر ذلك لقوات الأمن معلومات مفيدة كان أهمها تقلص درجة الحذر عند الخاطفين إلى درجة ترك الرهائن الأوروبيين يبتعدون عنهم أحياناً إلى مسافة مئة متر، وهي مسافة دفعت القيادة الميدانية للجيش إلى إصدار قرار بالتحرك والحسم العسكري بسرعة، فأُرسلت مروحيتان حديثتان كانتا على مسافة قريبة. وكان الهدف الأساسي من التدخل في المرحلة الأولى وضع "حاجز عسكري" بين الرهائن والخاطفين في المسافة التي تقل عن مئة متر بقليل، ثم إبعاد الرهائن عن الخاطفين لأبعد مسافة ممكنة بهدف حمايتهم من الطلقات النارية. وخلال عملية الانزال وتحرير الرهائن التي دامت نحو عشرين دقيقة قُتل جندي في القوات الجزائرية. وبعد تأمين سلامة السياح، بدأت هذه القوات عملية مطاردة للخاطفين الذين حاولوا الفرار وسط التضاريس الوعرة للمنطقة. وأصيب خلال عملية المطاردة عنصران من القوات الخاصة بجروح خطيرة. وتمكن الخاطفون الذين نجوا من هذه العملية وعلى رأسهم "البارا" و"عبدالحق"، من الالتحاق بمجموعة ثانية من رفاقهم كانت في منطقة وادي السامن جنوب شرقي إليزي. وهناك اتُخذ قرار بالتوجه إلى مالي. ويقول المصدر الغربي: "تفطن زعيم الخاطفين إلى أن الجيش الجزائري يراقب عن قرب تحركاته، فأمر بتوزيع الخاطفين في شكل يعقد مهمة أي محاولة لتحرير الرهائن الذين سيكون مصيرهم واحداً في حال حصول تدخل عسكري". ويتابع: "كانوا الخاطفين يعرفون أن المهمة الأساسية لأي عملية هي تحرير الرهائن أحياء وفي أقرب وقت ممكن"، ولذلك أعادوا خطة انتشارهم وابتعدوا أكثر فأكثر في اتجاه المناطق الوعرة. ويقول أحد الطوارق الجزائريين إن الطريق الذي سلكه الخاطفون في اتجاه شمال مالي "هو الطريق نفسه الذي يتبعه مهربون لتجنب ملاحقة الجمارك أو حرس الحدود". ويقول أحد عناصر الأمن في ولاية إليزي أن الخاطفين كانوا يحصلون على المؤن والأغذية باستمرار سواء من خلال المهربين الذين يصادفونهم في المسالك الوعرة أو المؤن والوقود الذي يوضع في مناطق محددة عليها علامات خاصة يعرفها المهربون فقط ويتخذونها احتياطاً في حال بروز متاعب في الطريق. دروع بشرية وخلال تحركهم في اتجاه مالي في بداية حزيران يونيو الماضي، صادف الخاطفون في طريقهم ثلاثة من الجمارك كانوا في مهمة روتينية لملاحقة المهربين فاعتقلوهم وجرّدوهم من ملابسهم الرسمية ومن أسلحتهم ومن السيارة التي كانوا يتنقلون على متنها. ويذكر "تائب" من "الجماعة السلفية" سلم نفسه حديثاً للجيش الجزائري في الصحراء: "كان عبدالرزاق منزعجاً من هؤلاء الجمركيين لاعتقاده بأنهم قد يساعدون قوات الأمن في ضرب الخاطفين إذا حصلت عملية جديدة لتحرير الرهائن، فقرر نقلهم معه إلى مالي مع الأمر باستخدامهم دروعاً بشرية في حال كرر الجيش الهجوم مرة ثانية على الخاطفين" ويتابع ان أحد الجمركيين الثلاثة "قُتل ببرودة لرفضه الانتقال معهم في اتجاه مالي. وأبقى على الآخرين إلى غاية عبور الحدود الجزائرية مع مالي. كانت معنويات عنصري الجمارك سيئة للغاية". ويقول مصدر جمركي إن عبدالرزاق "البارا" طلب من أحد المهربين الذي صادفه في منطقة حدودية شمال مالي ان ينقلهم الى منطقة أخرى، لكن هذا رفض خوفاً من أن يُعتقل ويُحقق معه إذا دخل الجزائر واكتشفت قوات الأمن انه ساعد الخاطفين. وبحسب المعلومات المتوافرة اتصل "البارا" بمجرد دخوله شمال مالي بشيوخ المنطقة وأعيانها طالباً مساعدته على تسوية قضية الرهائن شرط تلبية مطالبه التي تركّزت على الحصول على "فدية" تمكنه من مساعدة عناصر تنظيمه وتأمين وجودهم في المنطقة لفترة من الوقت. وكان أبرز محادثيه عياد أكغالي المدعو "أسد الصحراء"، وهو واحد من أبرز ناشطي الحركة الشعبية المسلحة لطوارق شمال مالي سابقاً. وكان وضع السلاح إثر وساطة قامت بها الجزائر في اذار مارس 1996 مع الحكومة المركزية في باماكو. وأفضت تلك الاتصالات إلى قرار "البارا" الاكتفاء بمبلغ خمسة ملايين يورو شرط تمكين مرافقيه من عناصر التنظيم من البقاء معه في شمال مالي. ومع انتهاء أزمة خطف الرهائن، تقول مصادر جزائرية ان السلطات تخشى لجوء "البارا" إلى خطف مزيد من الغربيين لإثبات وجوده في ساحة العمل المسلح. لكنها قالت "ان العملية تشبه وضع المسلح الذي يدخل إلى فندق ويحتجز العزل فيه. قد يقتل رهائنه، لكنه يكون قضى على نفسه أيضاً".