عندما أقر حزب "العدالة والتنمية" الاسلامي المغربي الممثل في البرلمان، عدم ادلاء قيادييه بأي تصريحات صحافية تعقيباً على الهجمات الارهابية في الدار البيضاء، إلا في نطاق محدود ومدروس، كان واضحاً ان الأمر يتعلق بتجنب الدخول في مواجهات مع السلطة، خصوصاً في ضوء ارتفاع أصوات طالبت بحل الحزب وحملته المسؤولية المعنوية عن الهجمات. وثمة من ذهب الى أن اعتقال أمين فرع الحزب في منطقة سيدي الطيبي في ضواحي القنيطرة يوسف أوصالح وادانته والحكم عليه بالسجن ثلاثين سنة قد يفتح ملفات ضد الحزب كانت أثيرت في وقت سابق للهجمات، من قبيل جمع الأموال في نطاق التبرع لفلسطين والبوسنة بطرق غير قانونية. ويضاف الى ذلك ما تردد عن وجود تيار راديكالي داخل الحزب يدفع في اتجاه التصعيد، عدا أن الجدل السياسي ارتدى طابع الحدة في طرح قضية استخدام المساجد لأهداف سياسية. وكان لافتاً أن قضية مقتل المعارض عمر بن جلون العام 1975 عادت الى الواجهة بعد اعتقال المتهم الرئيسي عبدالعزيز النعماني الذي كان ناشطاً في تنظيم "الشبيبة الاسلامية" التي يتزعمها عبدالكريم مطيع. ومصدر الربط في ذلك ان قياديين في "العدالة والتنمية" سبق لهم، في سنوات الشباب، ان كانوا ناشطين في التنظيم ذاته الذي يتهمه معارضوه بأنه دعا الى استخدام العنف في مواجهة الخارجين عن الاسلام. وحرصت أوساط خصوم "العدالة والتنمية" على اشارة اسم زعيم الحزب الدكتور عبدالكريم الخطيب في محاكمة المتورطين في هجمات الدار البيضاء. ومن ذلك ما صرح به "شيخ الأفغان المغاربة" أحمد رفيقي المدعو "أبو حذيفة" من أنه زار افغانستان في نطاق خطة لدعم المجاهدين لم يكن الدكتور الخطيب بعيداً عنها. إلا أن المحكمة ركزت في ادانته على ممارسات تدعو الى العنف وتتبنى التكفير. وبارتباط مع قضية القيادي في "العدالة والتنمية" أوصالح، أصدر هذا الحزب بياناً نفى فيه علاقته بأي تصرف خارج عن نطاق الشرعية السياسية. لكن حزب الدكتور الخطيب لم يكن وحده الذي أثيرت حوله الشكوك. فقد قدم وزير العدل المغربي محمد بوزوبع افادات عرضت إلى انتساب متهمين إلى جماعة "العدل والإحسان" المحظورة التي يتزعمها الشيخ عبدالسلام ياسين، إضافة إلى "العدالة والتنمية" و"الصراط المستقيم" و"السلفية الجهادية". لكن الناطق باسم "العدالة والإحسان" فتح الله ارسلان سارع إلى نفي ذلك، مؤكداً أن بعض المعتقلين من مسؤولي الجماعة في مدينة تطوان اعتقلوا واطلقوا في قضية لا علاقة لها بالهجمات الإرهابية. في غضون ذلك، قال الدكتور سعدالدين العثمان، نائب الأمين العام ل"العدالة والتنمية": "على رغم محاولات أطراف عدة سياسية وإعلامية وغيرها استغلال حادث الهجمات الإرهابية بطريقة لا أخلاقية، واتهام الحزب مجاناً وشن حملات ضده، إلا أن ذلك لم يؤثر على مكانته وسمعته لدى الطبقة السياسية الواعية والناضجة". وقال إن تدبير الحزب لما وصفه بحملة التشهير به تم "بعيداً عن الحسابات الانتخابوية"، في اشارة إلى ربط "العدالة والتنمية" بين الصراعات والأهداف الانتخابية، خصوصاً أن انتخابات البلديات المقررة في 12 ايلول سبتمبر المقبل تأتي في أعقاب حدثين: الهجمات الإرهابية في 16 أيار مايو الماضي، والانتخابات الاشتراعية في 27 أيلول من العام الماضي، حين استطاع الحزب الإسلامي احراز عدد كبير من المقاعد في الخريطة السياسية قاده لأن يصبح واحداً من بين أكبر الأحزاب الأربعة في البلاد إلى جانب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال وتجمع الأحرار. وكان لافتاً ان تداعيات الهجمات الإرهابية ركزت على البعد السياسي في المعركة الدائرة بين الاتحاد الاشتراكي الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي و"العدالة والتنمية" اضافة الى تيارات يسارية صغيرة وتنظيمات المجتمع المدني. وبلغت المعركة ذروتها لدى اقصاء "العدالة والتنمية" وبقية التيارات الاسلامية عن المشاركة في تظاهرة حاشدة في الدار البيضاء لادانة الهجمات الارهابية. لكن "العدالة والتنمية" وجماعات "العدل والاحسان" و"الاصلاح والتوحيد" التأموا في تظاهرة مماثلة في الرباط تجاهلتها وسائل الاعلام الرسمية بخاصة الاذاعة والتلفزيون والقناة الثانية. وأثير في غضون ذلك جدل في البرلمان عن دوافع اقصاء الحزب في حين طالب زعيم الاتحاد الاشتراكي بالنيابة وزير الاسكان محمد الياز في "العدالة والتنمية" بالاعتذار الى الشعب المغربي. الا ان حزب الاستقلال الذي يقوده وزير الدولة المغربي عباس الفاسي نأى بنفسه بعيداً عن تلك المواجهة. وقد يكون استند في ذلك الى انه مباشرة بعد الانتخابات الاشتراعية في ايلول الماضي اقام تحالفاً مع "العدالة والتنمية" لحيازة غالبية نيابية تؤهله لتولي منصب رئيس الوزراء. وهو ما يعني ببحسب مراقبين انه ترك الباب "نصف مفتوح" في انتظار نتائج انتخابات البلديات. ودخل رئيس الوزراء الحالي ادريس جطو بدوره في مواجهة مع "العدالة والتنمية" الا ان هذا الحزب يبدو مصراً على تجنب مواجهة مع السلطات اذ سلك التجربة نفسها التي اعتمدها في الانتخابات الاشتراعية الماضية عبر تقديم اقل عدد ممكن من المرشحين لانتخابات البلديات. وعزا الدكتور العثماني ذلك الى رفضه فكرة "الاكتساح الاسلامي" التي تتوخى التخويف من الاسلاميين. وقال بهذا الصدد: "هدفنا ليس فوز العدالة والتنمية وانما ان تفوز الديموقراطية الوليدة والمتطورة تدريجاً". وشرّع الباب امام المستقبل قائلاً: "ننتظر نتائج صناديق الاقتراع وحزبنا مستعد للتعاون مع مختلف الشركاء السياسيين".