من الكتب التراثية الطريفة في عنوانه وموضوعه وهدفه كتاب محمد بن المرزبان الموسوم "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" من منشورات الجمل - كولونيا - المانيا 2003، تحقيق ركس سميث ومحمد عبدالحليم. والمرزبان المحولي كان يسكن باب المحول ببغداد. توفي عام 309 ه/ 921 م. وقذ ذكرت كتب السير والأدب انه كان مؤرخاً وأديباً وكاتب سير وشعر ولم يبق من مؤلفاته سوى ذم الثقلاء وكتاب الهدايا والشعر والشعراء وكتاب الشراب والجلساء والندماء والروض والزهر والنساء والغزل. كما ترجم أكثر من خمسين كتاباً من الفارسية الى العربية. وكان الكتاب طبع في بيروت عام 1909، وأخرى في القاهرة عام 1922. وقد اعتمد المحققان على ثلاث مخطوطات في برلين وباريس والقاهرة واسترشدا بكتاب الحيوان للجاحظ ونشوار المحاضرة واخبار المذاكرة للتنوخي. جمع المرزبان في هذا الكتاب ما قيل في فضل الكلاب على البشر وحسن خصالهم في السر والعلانية وإظهار فضلهم كأخلص اصدقاء الإنسان، في أسلوب جريء في ادعاءاته، مطعم بصور بلاغية مشوبة بسخرية لاذعة من بني البشر. فهو يصف وجه الكلب مثل وجه الانسان وفي معان متعددة ليبين أفضلية الكلام على بني البشر، في هذا الزمن الرديء الذي تغيرت فيه أخلاق الناس وفسدت علاقاتهم. وإذ هو يندب الزمن الرديء، يبكي على البشر مما أصابهم، من دون ذكر اسباب التغير والفساد والظروف الرديئة التي حلت بهم ودفعتهم الى ذلك. ويستشهد بأحد الشعراء الذي ينعى الزمان الذي مضى فيقول "وذهب الذي يعاش في أكنافهم" وفي هذا الشطر رقة وعذوبة جمالية وتعكس صورة حيّة مأخوذة من الحياة الاجتماعية، وكذلك ايقاع مملوء بالحزن والحنين الى الماضي. كما يسرد حكايات وطرائف ونوادر عن الخصائص الإيجابية للكلاب كالوفاء والاخلاص باعتبارهم "أفضل أصدقاء الإنسان". قال الشاعر: ذهب الناس وانقضت دولة المجد/ فكل إلا القليل كلاب وان من لم يكن على الناس ذئباً/ أكلته في ذا الزمان الذئاب ثم يقول: "ولو فتشت في دهرنا هذا لوجدت صاحب الكتاب ممن تعاشره، إذا لقيك رحب بك وإذا غبت عنه أسرف في الغيبة، ويلقاك بوجه المحبة ويضمر لك الغش والمسبّة". كما يذكر أبياتاً لدعبل الخزاعي يصف فيها الصديق ذا الوجهين: عدو راح في ثوب الصديق/ شريك في الصبوح وفي الغبوق له وجهان ظاهره ابن عم/ وباطنه ابن زانية عتيق ويصف المرزبان ناس هذا الزمان ويسخر بهم قائلاً: فإذا رأيتم كلباً فتمسكوا به، فإنه خير من أناس هذا الزمان. ومما يدل على قدر الكلب كثرة ما يجري على ألسنة الناس بالخير والشر والمدح والذم حتى ان العرب قالت: أكلب بن ربيعة وكليب بن يربوع. ومنافع الكلاب كثيرة تزيد على مضاره، بل هي غامرة وغالبة عليها ولم تزل القضاة والفقهاء والملوك والنساك لا ينكرون اتخاذها ومرافقتها، واذا قُتل كلب كانت عقوبة. ومن فضائل الكلب انه حين يلاعب صاحبه بالعض لا يؤذي ولا يؤلم. وقيل ان للكلاب خصالاً شريفة كالوفاء والحراسة واتباع رحلة صاحبه والاستجارة به من بعد وحمايته لصاحبه في الليل عن قرب. وقيل في الكلب: اني أراه أوفى ذماماً/ من كثير عرفت في الأخوان عارف للجميل يفضي حياءً / حين تلقاه للفتى عينان صابر نافع حفوظ ألوف/ دافع مانع بغير امتنان ألين الخلق معطفاً لحميم/ ولأعدائه كحد السنان وأرى الخلق غير من أنت فيهم/ خلقوا كالذئاب والثيران ويورد في الأخير قصة ترمز الى وفاء الكلب وإخلاصه لصاحبه وحمايته له، حيث كان له صديق ماتت امرأته وخلفت صبياً اضطر الى تربيته ورعايته. وكان له كلب رباه، فترك ولده يوماً في الدار والكلب يحرسه وخرج لقضاء حاجة. وعندما عاد بعد ساعة فرأى الكلب وبوزه ملطخ بالدم فظن الرجل ان الكلب قد قتل ابنه وأكله، فاستشاط غضباً وحمقاً وأسرع فقتله قبل أن يدخل الدار. وعندما دخل الدار وجد الصبي نائماً في مهده والى جانبه بقية أفعى قتلها الكلب وأكل بعضها، فندم الرجل على فعلته وقتله للكلب ودفنه بيديه.