الانتقام هو أن تعض كلبا عضك . والخبر هو أن يعض الإنسان كلبا لا أن يعضه كلب تعرضت الكلاب فى السودان خلال الفترة الماضية ، لحملة شرسة ومسعورة، لا مثيل لها ،حتى رفع البعض أمرها إلى البرلمان ،وحدثتنا بعض صحف الخرطوم الاجتماعية والسياسية ومجالسها ، أن زلزالا عنيفا لا يقل فى قوته عن زلزال هايتي ،ضرب شوارع الخرطوم آناء الليل وأطراف النهار،جراء غزو كلاب (ماكنة ) تلاميذ المدارس والأطفال الصغار ،ليس هذا فحسب بل ربات البيوت أيضا، وحدثنا بعض علماء الحيوان هناك أنها كانت من الصنف (الجيرمان شيبارد ) وحدثونا أنها جاءت من الهضاب الأثيوبية ،فيما رأي آخرون أنها كانت بعض ما تبقى من حملة العدل والمساواة لغزو الخرطوم .وتسرى الشائعات فى عاصمة التوجه الحضاري، كالنار فى الهشيم و أتهم البعض الحكومة ، ووزارة الداخلية،وأجهزتها الشرطية ،بالتقاعس عن حماية المواطنين، وأطفالنا أكبادنا التي تمشى على الأرض، بعد أن أصابت هذه المخلوقات المتوحشة ،عددا مقدرا من الأشخاص جلهم من الأطفال، وطالب البعض بدك جبل طورية وغيره من الجبال ، وحرق الغابات والمزارع إلى تأتى منها تلك الحيوانات، لترويع الآمنين فى بيوتهم ومدارسهم ورياضهم ، وتطهير العاصمة من نجاستها ورجسها ،وظننت وبعض الظن إثم ،أن مفوضية الانتخابات ربما أصدرت قرارا بتأجيل الانتخابات ، ليس تلبية لمطالب بعض الكيانات السياسية ،وإنما لأن الأمر جلل ،والمصاب كبير فى الخرطوم ،فإذا كانت الخرطوم غير آمنة، فكيف يكون حال بقية أرجاء الوطن ؟ لكن الحمد لله لم تستجب المفوضية للحملة الشعواء علي أمة الكلاب ،وعلي كل حال لا يخاف من الكلب الإ من جرب عضته ،كما لا يخاف من جر الحبل الامن لدغة الثعبان . لعل الحديث عن الكلاب ووفائها الذي يفوق وفاء كثيرين من الناس الذين كرمهم الله خلقة وأخلاقهم أحط من أخلاق الكلاب ، يستحق أن نمنحها بعض حقوقها علينا نحن معاشر البشر ،فقد عقد البرلمان القومي المنتخب ومجلس الولايات اجتماعهما الأول ،وكانت الوجوه هي ذات الوجوه في البرلمان السابق مع طغيان واضح للونين فقط هما لونا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية . ينتظر البرلمان الوطني بسيطرة الحزبين الواضحة عليه جملة من التحديات ،ونرجو ونأمل أن لايكون من بينها قضايا كلاب أو قطط مع احترامنا بالطبع لحقها في العيش الكريم ،الا أننا نرجو أن تكون القوانين والقضايا التي يناقشها النواب المحترمون من شاكلة القضايا الحياتية التي تمس المواطن الذي منح صوته لهذا العضو أو ذاك حتي يجلس تحت قبة البرلمان ، نريدهم أن يناقشوا قضايا الحريات والقوانين التي تقيدها ،المعيشة وهموم المواطن اليومية في التعليم والارتقاء به والصحة والعلاج الميسر ،قضية دارفور والزراعة وكيفية النهوض بها وبالصناعة الوطنية وبقضية الوحدة وغيرها من القضايا الكبار ونعود لأمة الكلاب التي نحن بصددها ، وإزاء وضع متفجر كهذا، متعلق بالكلاب ما كان لى أن أقف مكتوف اليدين ، وبلدي يتعرض للغزو وتذكرتني قضية الكلاب هذه، أيام طفولتي فى مسقط رأسي، فى قرية الزورات شمال دنقلا ،حيث كانت كلاب ضالة تأتى ليلا إلى(زرايب ) البهائم بالقرية وتشق بطون( النعاج والخراف والماعز، وتلتهم الحملان و(السخيلات )بالعشرات) ،فكان العم عوض محمد نور محمود (عوض نوري ) يجمعنا نحن أطفال ،ومراهقي الحي وشبابه ،لنسهر الليالي الطوال ، وننصب الشراك، للقبض عليها ، وكم أفلحنا فى القبض عليها ،والفتك بها . واليوم للتكفير عن ذلك الذنب الذي اقترفته أيدينا ، بحق أمة تسبح الله مثلنا ، دون أن نفقه تسبيحها ، تجدني أقف مدافعا عن هذه الكلاب ،.وأضم صوتي إلى النجمة السينمائية الفرنسية المعتزلة بريجيت باردو، وأنادى بعدم إعدام كلاب الخرطوم المسكينة، في أي وقت من الأوقات ولو كنا أحسنا اليها لما فعلت بنا ما فعلت وما فعلته بحق بعض الأفراد فى السودان قليل جدا ،مقارنة مع ما تفعله كلاب أمريكا بإخوانها البشر، حيث تقول إحدى الإحصائيات ،أن أكثر من 5 ملايين شخص،يتعرضون سنويا لعض الكلاب ، نعم سمعة الكلاب أصبحت فى السودان أسوأ من سمعة الحمير ،ويروى أن قبيلة باهلة كانت مذمومة عند العرب ،فقيل لباهلي : أتحب أن تكون باهليا وأنت فى الجنة ؟ قال :بشرط أن لا يعلم أحد بأني باهلي، والشاعر يقول :إذا قيل للكلب يا باهلي عوي من شؤم ذاك النسب .. وإذا أردنا أن نصف شخصا ما بالشراسة وسوء الخلق، قلنا عنه فلان مثل الكلب ،.وكم أحزنني أن لا أجد مدافعا واحدا أو منافحا عن إخواننا الكلاب،طبعا هم ليسوا أخواننا فى الإنسانية، إنما أمة تشاركنا الحياة ، على ظهر هذا الكوكب ،غير أن الله كرمنا على كثير من مخلوقاته ،سيما الكلاب ، وبعد أن لطخت صحافتنا سامحها الله سمعة تلك الحيوانات ،سواء أطلقها بعض الأثرياء، لعدم تحمل نفقات إعاشتهم ،أو تكاثرت فى البراري، وهجمت على المدينة ، أو أرسلها أعداء الإنقاذ ، أو هبطت من السماء فإن ديننا الحنيف يعارض بشدة تعذيب الحيوانات، وثمة أحاديث كثيرة تذكر أن امرأة دخلت النار فى هرة كونها حبستها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض ،وآخر بلغ عن رجل دخل الجنة لأنه سقى كلبا كان يلهث من العطش ،وقد يحدثنا البعض عن ضرورة غسل الإناء ،إذا ولغ فيه الكلب سبعا ،أولاهن أو إحداهن بالتراب وقد يحدثونا عن نجاسته ، لكننا فى سياق دفاعنا عنها (الكلاب ) نستميحهم عذرا، فى أن نحدثهم عن وفاء تلك الحيوانات ونقول ما كان ينبغي أن تصل جرائمهم إلى منضدة أكبر جهاز تشريعي فى البلاد والنواب المحترمون يستعدون للذهاب إلى مناطقهم للمشاركة فى حملاتهم الانتخابية ، حتى لا يكون ذلك نذير شؤم عليهم ،فلا يعودوا ثانية إلى البرلمان .لكن الحمد لله مرت قضية الكلاب تلك بسلام ، حيث قال البعض أن الناس قد زاحموها في أماكن بحثا عن ذهب متوهم فظنت الكلاب أنهم تركو المدينة لها ، ولما جاءت المسكينة رفعوا أمرها للقاصي والداني اللهم الا الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون والإ كنا من جديد في منضدة مجلس الأمم وربما محكمة اوكامبو بسبب كلاب مسكينة ، ذلك أن العلاقة بيننا ومعاشر أمة الكلاب قديمة، فهي كانت متوحشة كالذئاب ،إلا أننا جعلناها تألف العيش معنا ، وهانحن اليوم نضيق ذرعا ببعض سلوكها تجاه أطفالنا ،حتى أصبحنا نحرض رجال الشرطة على قتلها دون هوادة وكان بالإمكان فعل أشياء أخرى للحد من خطورتها ،كأن نمدها ببعض الطعام ،وأن نعمل على تعقيم إناثها حتى لا تتكاثر، إذا سلمنا جدلا أنها تتكاثر بسرعة وبإعداد كبيرة ، كما قال ذلك المهتم بها من علمائنا ،حتى لا تتكاثر ، وقد فعلت ذلك دولة قطر، عندما تكاثرت القطط بأعداد كبيرة جدا ،وكان بالإمكان اصطيادها ، بعد تخديرها، ووضعها فى حديقة حيوان ،لكن أين تلك الحديقة يا ولاية الخرطوم ؟ وكان النجم العالمي زين الدين زيدان ،قد انضم لحملة جمع توقيعات فى فرنسا ، فى أغسطس من العام الماضي، وصل عدد الموقعين فيها 11 ألف أسم ، إثر قيام فتاة متخلفة عقليا تبلغ الثانية والعشرين من العمر ، وقودا سائلا على كلب يدعى (مامبو ) ولكنه ليس المامبو السوداني، فى رائعة سيد خليفة ،فأصيب الكلب المسكين بحروق شديدة غطت 80% من جسده ،وجئ به ملفوفا بالضمادات ليشهد جلسة محاكمة معذبته،فى قاعة احتشد فيها أكثر من مائتي مهتم بالحيوان ، ورجال القضاء الواقف ،وبعد مطالبة الادعاء العام بإنزال أقصى العقوبات، على الجانية ،حتى تكون عبرة لغيرها ،حكم القاضي عليها بالسجن لستة أشهر وأحال شريكها فى الجريمة ،إلى محكمة الأحداث، لصغر سنه وقد شغلت تلك القضية الرأي العام الفرنسي والأوربي وقتا ليس بالقصير، وعقب صدور الحكم قال محامى( ومؤسسة 30 مليون صديق) التي اشتهرت بدفاعها عن الكلاب أنه كان ينبغي أن تكون العقوبة اشد من ذلك بحيث تصل إلى سنتين مع غرامة 30 ألف دولار،أما الكلاب عندنا فمسكينة تماما كالفقراء وربما بعض كلاب الغرب تعامل معاملة أفضل من تلك التي يعامل بها كثير من الحكام العرب شعوبهم ولسنا في السودان استثناء منهم بالطبع وصدق الشاعر حين قال : يمشى الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه أبوابها وتراه مبغوضا وليس بمذنب ويرى العداوة لا يرى أسبابها حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة خفضت لديه وحركت أذنابها وإذا رأت يوما فقيرا مغبرا نبحت عليه وكشرت أنيابها ونذكر فقط أن دول العالم تحتفل بالرابع من أكتوبر، من كل عام،باليوم العالمي لحقوق الحيوان ، وفى استراليا تعتبر نزهة الكلب إجبارية وفى أمريكا سجنت محكمة اليكس كاسترو بعد إدانته بتهمة ضرب الكلب كوبر وليس سجن (كوبر ) السجن الذي يقبع فيه الترابي واخرين الان ، ضربه بمطرقة حتى الموت عام 2007م ، وفى الغرب يقيمون مسابقات سنوية لأكثرها جمالا ،وقد يقول أحد الشامتين دعنا نحتفل بيوم الإنسان السوداني ، ودعك من الحديث عن الكلاب وحقوقها فلهؤلاء أردد ما قاله شاعر : إذا ما هجاني .ناقص لا أجيبه فإني إذا جاوبته فلي الذنب أنزه نفسي عن مساواة سفلة ومن ذا يعض الكلب إن عضه الكلب (فإذا عض إنسان كلبا كما أسلفنا صار إنتقاما وخبرا في الوقت عينه ) فالكلاب أنواع كما الناس وهى حيوانات ذكية وفيه أكثر من بعض البشر، والكلاب مقامات فمثلا كلاب الغرب ليست ككلاب السودان ، وفي هذا تحضرني نكتة مفادها أن نمرا من السودان حمل الي أمريكا لمصارعة نمر أمريكي ولما رأي النمر الأمريكي نمرنا المسكين سخر منه ورفض منازلته ، ظنا منه أنه قط أفريقي صغير وليس نمرا حقيقيا ،وهنا ثار النمر السوداني لكرامته وقال له أسمع أيها النمر الأمريكي أنا نمر أبا عن جد وأصبحت علي ما أنا عليه الحال بسبب الجوع ورغم ذلك مستعد لمنازلتك (كش) وكلاب البيت الأبيض ليست ككلاب أمبدة ،وفى مصر المحروسة يدفع تأخر سن الزواج الفتيات هناك إلى مصاحبة الكلاب، وصار التنزه برفقة الكلاب، موضة عند بعض نجمات السينما والفن، وفى بعض البلاد العربية أقاموا لها فنادق خمس نجوم وقبل أيا قليلة توفيت سيدة استرالية كانت تعيش وحيدة في منزلها ولم يعرف أحد بوفاتها حتي عثر عليها كلب الجيران الذي كانت تطعمه حيث وقف أمام بابها كل تلك الأيام ولما أشتم رائحة الجثة كسر وكاد يكسر الباب من شدة حزنه عليها عرف جيرانها بالوفاة فوجدوا أنها أوصت بكل ثروتها التي تقارب ثلاثين مليون دولار لأمة الحيوانات .أرأيتم جانبا من وفاء الكلب ؟ وقد قال شاعر فى خصال الكلب : إن فى الكلب فأعلمن خصالا، من شريف الفعال يعددن خمسا: حفظ من كان محسنا ووفاء،للذي يتخذه حربا وحرسا، وإتباع لرحلة وإذا ما، صار نطق الشجاع للخوف همسا،وهو غوث لنابح من بعيد مستبحرا بقفزة حين أمس. وروى عن الحسن البصري أنه قال أن فى الكلب خصال محمودة ينبغي أن تكون فى كل فقير: يظل خائفا دائما وهو من آداب الصالحين ،ليس له موقع يعرف به وهذا من علامات المتوكلين ،لاينام من الليل إلا القليل وهذا من صفات المحسنين ،إذا مات ليس له ميراث وذلك من أخلاق الزاهدين ،لا يهجر أحدا حتى لو طرده وذلك من شيم المريدين ، يرضي من الدنيا بأدنى يسير وهذا من إشارات المتواضعين ، إذا غلب مكانه تركه وانصرف إلى غيره وهذا من علامات الراضين ،إذا طرد ثم دعي أجاب وهذا من أخلاق الخاشعين ،إذا حضر الأكل وقف ينظر من بعيد وهذا من أخلاق المساكين ،إذا رحل من مكانه لايرحل معه بشئ ،وهذا من علامات المجردين وأخيرا فالكلب مذكور فى القران الكريم فى قوله تعالي (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد )آية 18سورة الكهف) وهذا الكلب هو أشهر الكلاب وأطولها عمرا . ومن عجب أن بعض الناس يسألك عن لون كلب أهل الكهف ، ماذا يفيدنا معرفة لونه (لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) وأسوا أنواع الكلاب ليست التي غزت الخرطوم، وروعت سكانها .بل تلك الكلاب الإسرائيلية الشرسة التي تهجم على كل فلسطيني يصرخ بعبارة (الله أكبر ) الآن هل عرفتم لماذا كلابنا مسكينة وتتضور جوعا مثل الفقراء فى بلادي ؟ والخبر ليس فى عض الكلاب للناس ، إنما فى عض الناس لها ،هكذا علمونا فى كليات الإعلام، وأختم بدعوة الجميع لقراءة كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب لأبن المزربان .ولا تنسوا أن الكلب دائما يحفظ الود وهاهو أحد الشعراء يصف آخر فى حفظه للود بقوله : أنت كالكلب فى حفاظك للود وكالتيس فى قراع الخطوب أنت الدلو لا عدمتك دلوا من كبار الدلا كثير الذنوب وقال آخر : وقد عرفت كلابهم ثيابي كأني منهم ونسيت أهلي وتركت إحدى السائحات لخطيبها فى بيروت كلبا عندما سافرت فكتب إليه صديق له شاعر قصيدة منها هذا البيت : وأهدت إليه كلبها يوم سافرت ليذكرها والشئ بالشئ يذكر وعودا إلى الشطر الأخير من عنوان مقالنا هذا على نفسها جنت براقش فالكل يعلم أن براقش كانت كلبة لقوم من العرب فأغير عليهم فهربوا وبراقش ترافقهم فأتبع القوم أثارهم بنباح براقش فهجموا عليهم واقتادوهم وفتكوا بهم كما يريد البعض أن يفتك بكلاب الخرطوم ،لمجرد أنها حاولت أن تشاركهم الأكل لا النهب . بقلم : سليم عثمان