استطاعت المواقع الإسلامية على الانترنت في الاونة الاخيرة استقطاب نسبة كبيرة من الشباب المصري الذي بات يعتبرها البديل الجاهز لبعض الدعاة الجدد مثل عمرو خالد والحبيب علي. وابرز تلك المواقع "إسلام اون لاين" و"فور إسلام" و"إسلام واي"، وهي مواقع تفتح الحديث في اي شيء مهما بلغت حساسيته وجرأته، ما جعلها تحظى بشعبية هائلة بين الشباب المصري. وتروي شيرين اسماعيل الطالبة في كلية الاعلام في جامعة القاهرة عن تلك اللحظة التي تتصل فيها بأحد المواقع الإسلامية لترسل إليها مشكلة تؤرقها، فتقول: "هي لحظة، إما أن تأتيك فيها الشجاعة لتقول كل شيء، او تذهب فلا تقول بعدها شيئاً أبداً، تجد فيها ان الكلمات المحبوسة في صدرك تتدافع حتى تخرج عن سيطرتك، لتنطلق اصابعك في بث شكواك خلف باب غرفتك المغلق، وكلك ثقة في أن احداً لن يراك او يسمعك، لست مضطرة لتمثيل الندم، او رسم تعبير الخوف والترقب على وجهي لأنني اتعامل لحظتها بوجهي الحقيقي الذي لا يراه احد ولا يسعى احد الى معرفته". شيرين نموذج لشباب وفتيات مصريين ارادوا اخراج رؤوسهم من الرمال، ارتبطوا بالدعاة الجدد وعلى رأسهم عمرو خالد والحبيب علي، والذين سبب خروجهم من مصر لبعض الشباب، ازمة اخلت بتوازنهم النفسي، فكان البديل الجاهز الذي يطرح رؤية عصرية للإسلام، ويمكنهم من الاطلاع على آراء علماء ودعاة مستنيرين، المواقع الإسلامية على الانترنت. وتكشف قراءة المشكلات التي يرسلها الشباب للمواقع الإسلامية الكثير مما يشعرون به ويريدون التعبير عنه، الا ان السؤال الذي ينبغي طرحه أولاً هو: لماذا صارت هذه المواقع فجأة هي الاساس الذي يعتمد عليه الشباب لحل كل ازمة يواجهها، وكيف استطاعت سريعاً ان تحتل مقعد الطبيب النفسي وعالم الدين والاختصاصي الاجتماعي في آن واحد؟ "ربما كانت السرية التي تكفلها هذه المواقع لزوارها احد الاسباب الرئيسية لنجاحها"، تقول ميريهان عبد الحميد الطالبة في كلية التجارة في جامعة عين شمس. وتضيف ان المرة الاولى التي قررت فيها ارسال مشكلتها الى احد هذه المواقع كانت عند انفصالها عن خطيبها، واحساسها بآلام عميقة وشعورها بأن الكل يتعامل معها باستخفاف، واسعدها ان تجد القائمين على الموقع يعيرون مشكلتها آذاناً صاغية، ويجيبون عنها بصبر. وتتابع ميريهان: "لم اشعر ان كلماتهم مجرد مواعظ وخطب، شعرت ان الخبيرة التي ردت على سؤالي تتعامل معي بدفء وحميمية كما لو كنت ابنتها، على رغم انها لا تعرف حتى اسمي الحقيقي". ومنذ ذلك الحين لم تكف ميريهان عن ارسال اي مشكلة تواجهها الى الموقع، مهما بلغت حساسيتها، وتوقع رسائلها باسم مستعار. ربما كان الإنصات لمشكلات الناس مهمة اي طبيب نفسي وليس المواقع الإسلامية، إلا أن الكثيرين، كما ميريهان، لا يثقون برأي الطبيب النفسي، ولا يستطيعون كشف اسرارهم بحرية امام اي شخص يرى وجوههم. هذا اليأس من الاطباء النفسيين يؤكده احد زوار المواقع الاسلامية ويدعى هاني الذي يقول في احدى رسائله: "اعتدت الذهاب الى طبيب نفسي لحل مشكلتي، وهو رجل مثقف ثقافة أدبية وفلسفية عالية تمكنني من التحاور الممتع معه، الا انني لم أكن استقبله لأن يأسه العميق وبروده اللامتناهي يخنقا انفاسي، على رغم أنه اشهر طبيب في مصر". ولا يتحدث احد بسهولة عن طبيعة المشكلات التي يطلب حلها من المواقع الإسلامية، لكن مطالعة الرسائل التي ترد اليها تكشف انها غالباً ما تكون ذات طبيعة حساسة، فمعظم الاسئلة تدور حول المسائل الجنسية، تناقش بمرارة احياناً وبروح الدعابة في احيان اخرى. وأحياناً تجد شباباً يعلنون ثورتهم على الاوضاع السياسية والاقتصادية، مع شعور خانق بالاحباط واليأس تزايد بعد غزو العراق الى حد لا يمكن تصوره. يقول احد هؤلاء: "اخبروني ما الذي ينبغي علي فعله؟ هل اختفي وانزوي؟ هل اهرب وانسى؟ هل آخذ مهدئاً وأنام؟ ام اكتفي بالدعاء بأن يحيي الله هذه الأمة؟". التوصيف الدقيق لحالة الشباب المصري في هذه المواقع يتلخص في كلمة واحدة: الحيرة. يغمرهم إحساس بالذنب حتى في مشاعرهم الطبيعية، ويخنقهم إحساسهم بالعجز عن تغيير ما يكرهون، أحياناً لا تحمل هذه الرسائل أي مضمون محدد، وإنما تكون مجرد صراخ غاضب غير مترابط المعاني، تعبير عملي عن فكرة: "أنا هنا، استمعوا إليّ لأنني لست جماداً". لماذا يلجأ الشباب الآن الى المواقع الإسلامية بالذات وليس الى أي من منتديات المناقشة الشبابية التي تزخر بها الانترنت لحل مشكلاتهم؟ يقول ماجد عبد المقصود الطالب في كلية الحقوق في جامعة القاهرة: "إن كل من يناقش أسئلة الشباب في المواقع الإسلامية يكون عالماً في مجاله، ولكن الأهم أن يكون إنساناً متديناً لا يمكن أن ينصح الشباب بما يغضب الله". ويضيف: "هناك الكثير من المواقع التي ترد مثلاً على كل سؤال جنسي يخطر على ذهن أي شاب، وهي المواقع التي تدعي انها مواقع للصحة الجنسية والنفسية، إلا أن معظمها أجنبي، أو يديره أشخاص متأثرون بالتفكير الغربي الذي يتيح كل ممارسة جنسية ولا يهتم إلا بطرق المتعة والممارسة الآمنة، وهذه الإرشادات يمكن أن تزيد من حيرة الشاب بدلاً من هدايتهم، أما المواقع الإسلامية فتجيد التفاهم مع "طبيعة" الناس، ونقل التعاليم الإلهية بشكل صحيح غير متشدد، ينظم حياتهم، ولا يلهب عقولهم فقط بفكرة "الحرام" من دون تفسير سببه". وربما كان لجوء الشباب الى هذه المواقع أمراً مفهوماً عند تعرضهم لأي مشكلة اجتماعية، إلا أن المثير للدهشة هي كمية الاستفسارات الدينية التي ترد الى تلك المواقع، فهل صارت هذه المواقع فجأة هي البديل العصري من دار الافتاء المصرية التي لا يحق لسواها إصدار الفتاوى في مصر؟ على السؤال، يجيب أيمن علي صابر الطالب في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، انه ببساطة لا يعرف طريق دار الافتاء المصرية، وأن إرسال سؤاله مباشرة على الانترنت يضمن له أن يتلقى الرد سريعاً، بدلاً من انتظار أيام للحصول على رد من دار الافتاء. وأكد أيمن أنه يعاني من مشكلة في التعامل مع مصادر الفتوى التقليدية في مصر منذ المرة التي أرسل فيها أحد أصدقائه يستفسر عن احدى القضايا، ويقول أيمن: "على رغم بساطة السؤال وبديهيته، إلا أن صديقي كان يتلقى رداً مختلفاً في كل مرة يعيد فيها إرسال السؤال، كان يسعى وراء المزيد من التأكيد من مشايخ عدة فحصل على المزيد من التردد بدلاً منه، فإذا كان هذا هو الحال في المسائل البسيطة، فكيف يكون الأمر مع المسائل المصيرية التي لا تحتمل الأخذ والرد، على الأقل أنا أضمن أن من يرد على فتواي عبر الانترنت عالم من وزن الشيخ يوسف القرضاوي يستطيع تحمل مسؤولية فتواه، المهم أن يستريح عقلي وقلبي للفتوى ولمن يصدرها، وليس فقط أن تكون صادرة من جهة رسمية في مصر.