"إسلام أون لاين" ما الذي توحي به هذه العبارة؟ غالباً أن أول ما يتبادر الى الذهن هو أنه عنوان لموقع على شبكة الانترنت خاص بالفتاوى الدينية، والدعوة الى الاسلام، وتفسير القرآن وشرح الاحاديث النبوية وغيرها من القضايا المتعلقة بالدين الاسلامي. هذه الصورة ليست مخالفة تماماً للواقع، فهظشو فعلاً موقع على الانترنت، إلا أن فحواه لا ترتدي عمامة الدين فقط، بل يتضمن زوايا اجتماعية، وسياسية واقتصادية، ونفسية، وإن كان جميعها مغلفاً في إطار ديني غير مباشر. ويقول القائمون على الموقع: "كثيرة هي المواقع التي تقدم الاسلام كعلوم شرعية بعيداً من حركة الحياة ومشكلاتها، وقليلة هي المواقع التي تشتبك مع الحياة بمنطلقات اسلامية ونادرة هي المواقع التي تجمع بين الاثنين، أي بين الاسلام كعلوم شرعية، والإسلام كحركة حياتية أخروىة". ويحوي الموقع اقساماً للفتوى، والاقتصاد، والشؤون السياسية، والاسلام وقضايا العصر، والعلوم والتكنولوجيا، كذلك يعالج القسم الاجتماعي وصفحة "حواء وآدم" عن المشكلات الزوجية والنسوية، والحوارات الحية التي تلعب دوراً تفاعلياً مع الزائرين وتغطي قضايا عدة بدءاً من "معركة الشيشان" الى معارك قوانين الاسرة، ومن "شباب الشيشة" الى "شباب الانتفاضة" وهناك "مشكلات وحلول للشباب" وتتناول العلاقات الزوجية والعاطفية والدراسية، وكل ما يهم الشباب. ويبدو ان الغالبية العظمى من زوار الموقع تندرج تحت فئة الشباب، ربما لطبيعة فحواه، وربما لأن اصحاب فكرة الموقع شباب، وربما للسببين معاً. يقول رئيس التحرير مدير مكتب الموقع هشام جعفر إن مجموعة من طالبات قسم علوم الكومبيوتر في جامعة قطر كانت تدرس مادة "الثقافة الاسلامية" ما جعل الطالبات يتساءلن عن امكان الافادة من شبكة الانترنت في التعريف بالاسلام، وهذا دفعهن الى تخصيص مشروع تخرجهن لمناقشة فكرة عمل قاعدة بيانات للفتوى، وكانت هذه البداية، إذ احتضنت جامعة قطر المشروع، ومنها الى تأسيس جمعية اهلية هي "جمعية البلاغ الثقافية لخدمة الاسلام على الانترنت". وكانت الخطوة التالية هي الاستفادة من توافر الكوادر البشرية والثقل الثقافي في مصر، وذلك بانتاج المحتوى العربي في القاهرة في صيف العام 1999 بينما ينتج المحتوى باللغة الانكليزية في واشنطن، إضافة الى عدد من المكاتب الفرعية الصغيرة في مدن عدة. الغالبية العظمى من العاملين والعاملات في القاهرة شباب وشابات والمتصفح لمحتويات الموقع يشعر أنه موجه في المقام الاول للفئة العمرية نفسها ويبدو هذا جلياً من صفحة مشكلات وحلول للشباب او CYBER COUNSELOR وكذلك خط الاستشارات. وتشير احصاءات الموقع الى ان ثلثي اجمالي المادة المنتجة على الموقع فتاوى وحلول للمشكلات الاجتماعية والدعوية التي يرسلها الزوار، ومعظمهم يتراوح عمره بين 18 عاماً و35 من الجنسين. ونسبة كبيرة من اولئك: هم الشباب المسلمون الذين يعيشون في الخارج الراغبون في متابعة شؤون الامة الاسلامية وبلدانهم من خلال الموقع، ولا يخلو زوار الموقع من غير المسلمين الراغبين في التعرف الى الموقع، أو الراغب في معرفة المزيد عن الاسلام، أو يعاني مشكلة نفسية أو اجتماعية ويبحث عن حل لها. من أبرز الوجوه الشابة في "اسلام أون لاين" داليا يوسف 24 عاماً محررة صفحة "حواء وآدم" المعنية بشؤون الاسرة، مع التركيز على قضايا المرأة ومشكلاتها، ويتم ذلك من خلال ابواب عدة، مثل باب "أب وأم" الذي يتناول كيفية التعامل مع الاطفال والمراهقين والمسنين، وربط ذلك كله بالمجتمع. وتتحدث يوسف عن سياسة التعامل مع فحوى الصفحة بحنكة شديدة وقناعة تامة تحسدها عليها الصحافيات المحنكات، تقول: "نهتم كذلك بالمرأة خارج نطاق الاسرة من خلال "صوت النساء" الذي يراجع الحركات النسائية المختلفة، وتناول كل زاوية باسمها من دون محاولة اطلاق احكام". وتتناول الصفحة كذلك ابداع المرأة، ودورها في التراث ومكانتها، وهناك باب "عندما يأتي المساء" الذي يتناول العلاقات الزوجية من حيث العاطفة والجنس، ومشكلات الحياة اليومية، وتقول: "اتصور اننا بهذا الباب شغلنا مساحة كانت فارغة ويخشى كثر الاقتراب منها". تقول يوسف إنها اكتشفت من خلال عملها اننا كعرب كثيراً ما نتحدث عن قضايا ومشكلات يهيأ لنا اننا على دراية بها، والواقع عكس ذلك، فمثلاً في مصر نتحدث عن عمل المرأة ومشاركتها في الانفاق في البيت كأمر عادي، وهذا الموضوع غير وارد في دول الخليج. ومن القضايا الأخرى التي تشير اليها يوسف، ويتخذها الموقع نهجاً له، محاولة غرس ما يعرف بثقافة الاستهلاك: "تتسم منطقة الشرق المتوسط بالانجذاب نحو الحملات الاعلانية المعتمدة على الإبهار وتنقصنا ثقافة حماية المستهلك والتعرف الى الانماط الاستهلاكية وسلبياتها وإيجابياتها". لكن ماذا عن مشكلات الشباب من حب، وهجر، وخيانة والعلاقات بين الجنسين الى آخر القائمة من قضايا المراهقين والشباب، وهنا تكمن الصفحة الاكثر اثارة وتفاعلاً في الموقع، والمسؤول عنها هو محاضر الطب النفسي الدكتور احمد عبد الله، وهو نفسه شاب لم يتجاوز ال35 من العمر. فها هو ح. م. ب. الشاب الخليجي ابن ال19 عاماً يرسل مشكلته الى الباب شاكياً نار عشقه لليلى، إذ أنه وصف نفسه ب"قيس" وقد تم التعارف بينهما من طريق الهاتف، إلا أن والديها قررا تزويجها، وهي تبكي عبر الهاتف، وتقول إنها مستعدة أن تذهب معه الى أي مكان حتى لو كان جهنم، فماذا يفعل؟ وشابة عربية متزوجة وحامل في طفلها الثالث، وتعيش الاسرة في اليابان، لكن الزوج على علاقة بفتاة وهي تود الحفاظ على اسرتها، فماذا تفعل؟ ورسالة ثالثة من شابة عربية في العشرين من عمرها، كانت تعاني حال اكتئاب، وتقول: كان الشيطان اقوى مني، فقادني الى مشنقة الشاب CHAT على الانترنت، وهي تعتبرها مشنقة لان من يدخلها لن يخرج منها سالماً، وتحدثت الى عشرات الشباب، وهي التي لم تتحدث الى شاب من قبل، تقول: "انسقت مع احدهم بالحديث، وتخيلنا أننا نقوم بالمعاشرة، وفي كل مرة كنت اشعر بالندم الشديد، لكنني اعاود الكرة" فماذا افعل؟ وهذا شاب في ال29 من عمره، متزوج لكنه يرغب في الزواج من زوجة ثانية لكن اهله يعارضوه وهو لا يقابل النساء الاجنبيات - كما هي شريعة الله عز وجل، فماذا افعل؟ وتلك شابة في العشرين من عمرها لديها مشكلة تمنعها من الزواج أو حتى التفكير فيه، فهي احدى ضحايا الاغتصاب، والمجرم من اقاربها، وتصف نفسها بأنها تعيش كالجثة المتحركة، فماذا تفعل؟ وهذا شاب وصف نفسه بأنه "عاشق الشهادة لفلسطين" ومشكلته كما وصفها هي: أعشق الشهادة وأحبها، لكني أهاب الموت، استخرت المولى، وشاهدت أني ملاحَق من العدو. أنا مرتاح، لكني أخاف المجهول. فما الحل؟. مئات المشكلات والقضايا التي يحفل بها كل بيت عربي ترد يومياً الى باب "مشكلات وحلول الشباب". يبدأ الدكتور احمد عبدالله من نقطة البداية الأولى فيقول: "يتساءل كثر: كيف تصفون موقعكم بأنه إسلامي، وعلى رغم ذلك تتطرقون الى قضايا الحب والعاطفة؟ وهذا السؤال لا يمكن الرد عليه سوى بتصفح محتويات الصفحة، فنحن نجمع بين العلم والدين في التطرق الى المشكلات". ويضيف: "توفر شبكة الانترنت الخصوصية، وبالتالي تتيح درجة عالية من المصارحة والبوح. ودرجة القبول التي يجدها الزائر تصل بدرجة البوح الى أقصى حد لها. لكن المحدد الثاني خفي، وهو: هل يتقبل الطرف الاخر هذه الدرجة من الصراحة؟". ويشير عبدالله الى أن هذا القبول يتحقق مع مرور الوقت والتردد على الصفحة غير مرة. وعن نوعية المشكلات، يقول عبدالله إن لكل شريحة عمرية من فئة الشباب نوعية معينة من المشكلات، فمثلاً مرحلة المراهقة 13 عاماً-19 مشكلتها الاساسية هي عدم الوضوح، فتكون المسائل غير واضحة تماماً، سواء في التفكير أو الحب أو العلاقة مع الأطراف المحيطة. أما مرحلة الشباب المبكر 19 عاماً-25 فتتميز بمشكلات "الحب الأول" الذي يختلف عن "حب المراهقة" فهو أكثر جدية. ويكون هناك اعتقاد راسخ لدى الغالبية أن هذا هو الحب الحقيقي، لكن المشكلة في عدم توافر الامكانات المادية، ومن هنا تظهر الفجوة بين الرغبة والإمكانات. أما الشباب الناضج 26 عاماً-35 فيبدأ الحديث عن الحب المستقر والزواج، وأحياناً مشكلات الاطفال في سنواتهم الأولى. ولا تتوقف مشكلات الشباب مع بلوغ سن ال35، ولكنها في تعريف الصفحة تستمر الى سن ال45. يقول عبدالله: في هذه المرحلة، يكبر الابناء، وتختلف مشكلاتهم مثل: كيفية التعامل مع الابن او الابنة المراهقة، ومشكلات منتصف العمر ومحاولات العودة الى المراهقة والشباب. ويؤكد عبد الله أن أقل عدد من المشكلات يرد من الفئة العمرية التالية، والتي تتراوح بين 46 عاماً و60. وتستقبل الصفحة مشكلات الشباب من شتى بقاع الارض المتصلة بشبكة الانترنت، على أن يكون الزائر متحدثاً للغة العربية، ولا يتقنها بالضرورة. يقول عبد الله: "ترد إلينا مشكلات من الصين وروسيا واوزبكستان ودول اوروبا واميركا واستراليا، إضافة الى الشباب العرب". ويستخلص عبدالله وجود نمط معين لمشكلات الشباب العربي المغترب، فهو انتقل من ثقافة الى أخرى، وتنشأ مشكلة عدم القدرة على التأقلم. أما التقسيمة العربية فيقول عبدالله: هناك اختلاف ملحوظ في نوعية المشكلات بين دول مثل مصر ولبنان وتونس مثلاً وأخرى اقل تحرراً مثل دول المغرب العربي. ذات الطبيعة المختلفة، وربما يعود ذلك الى ان الاستعمار الغربي هناك خلق شخصية مختلفة، وبالتالي نوعية المشكلات مختلفة. أما الخليج، فكان مجتمعاً متحفظاً جداً تعرض لهجوم ضار من التكنولوجيا الحديثة التي يمتلكها الجميع تقريباً، فمعظم المشكلات صعب والحالات مركبة. وهكذا، يمضي الدكتور احمد عبدالله ساعات عمله متنقلاً بين هذه المشكلة وتلك محاولاً وضع الحلول وتوضيح الأمور من منطلق علمي إسلامي. ويعارض هشام جعفر محاولات تصنيف الموقع باعتباره ذات اتجاهات دينية معينة ويطالب بترك الحكم عليه بعد تصفح المحتوى، مؤكداً أنه لا ينتمي الى أية جماعات أو تنظيمات، "لكنه تعبير عما انتهى إليه الفكر الاسلامي المعاصر في علاقته وتفاعله مع الحياة". إلا أن اسم الموقع "إسلام أون لاين" يفرض وجود أفكار مسبقة خاصة بالفحوى، وهو ما لا ينكره حتى إنه يقول "كان في الامكان اطلاق اسماء أخرى مثل "إنسان أون لاين"، لكن، اياً "كان الاسم، فهو يجذب فئة معينة من الجمهور، وإن كان الاسم نفسه لا يجذب آخرين". وهو يؤكد ان الموقع ينحاز الى قضايا الأمة الرئيسة، فمثلاً نرى أن الحصار المفروض على العراق لا مبرر له، كذلك ننحاز تماماً الى جانب القضية الفلسطينية.