بعد تفجير مقر الأممالمتحدة في بغداد، توجهت أصابع البنتاغون إلى جماعة "أنصار الإسلام" بشبهة اتهام، فيما تحدث الحاكم الأميركي بول بريمر عن تدفق "إرهابيين" من دول مجاورة إلى العراق. ويكاد أن يجمع مراقبون على أن المجموعات الإسلامية المسلحة التي ظهرت على الساحة العراقية أخيراً، وادعت في بياناتها مسؤوليتها عن هذه العملية أو تلك من عمليات "المقاومة" للأميركيين لا تزال تفتقر الطابع التنظيمي الذي يمكّن من الفرز بينها، وتحديد سماتها ومدى فاعليتها وقدرتها على تحقيق أهدافها. واللافت في تلك المجموعات خطابها شبه الموحد الذي يحمل نبرة "جهادية" مؤمنة، ويركز على مفردات "الجهاد في سبيل الله" و"التضحية من أجل الإسلام" و"مواجهة الكفار والانتصار عليهم" و"الفوز بالجنة"، ما يوحي بأن تلك المجموعات إسلامية الطابع والتوجه، على رغم أن ذلك قد لا يمثل الحقيقة. وربما سعت مجموعات غير إسلامية إلى استخدام هذا الخطاب لإضفاء الصفة الإسلامية، وسيلة لكسب التأييد الشعبي. والذين يعتقدون بهذا الطرح، يشيرون بأصبع الاتهام إلى فلول النظام السابق، بخاصة بعض أفراد الأجهزة الأمنية أو أعضاء حزب "البعث" الذين عملوا تحت ظل "الحملة الايمانية" التي نظمها الرئيس المخلوع صدام حسين في السنوات الأخيرة من حكمه، من أجل استقطاب الجماهير عبر التركيز على الشعارات الدينية، على رغم أن بعض تلك المجموعات تبرأ في بياناته من أي صلة بصدام. ويُعتقد أن المساحة الجغرافية التي تمتد عليها تلك المجموعات تشمل بغداد ووسط العراق، وان كان بعض مناطق الفرات الأوسط والجنوب شهد أيضاً عمليات مقاومة تكاد أن تكون مشابهة لطابع العمليات في المناطق الأخرى، ما يرجح الرأي القائل ان "التيار السني السلفي" له الضلع الأكبر فيها، وان "التيار الشيعي" عبر غالبية مراجعه لا يزال يسعى إلى مواجهة الاحتلال ومضاعفاته بطريقة سلمية هادئة. والمجموعات التي ظهرت من خلال بياناتها، عبر الأقنية الفضائية العربية، هي مجموعة "جيش محمد" و"المقاومة الإسلامية العراقية" و"المجاهدون الإسلاميون". ويعتقد أن هذه المجموعات تحاول أن تقدم نفسها من خلال عملياتها المسلحة فقط، وليس لها خط ايديولوجي أو فكري، باستثناء شعارات تظهر في بياناتها المعلنة. لكن ما تخشاه أوساط مطلعة هو إمكان حصول عملية استقطاب بين هذه المجموعات وبين من تصفهم المصادر الأميركية بأنهم "إسلاميون أصوليون"، دخلوا العراق عبر حدوده مع أقطار مجاورة. والمشكلة أن عملية الاستقطاب قد تثمر في منح المجموعات الإسلامية العراقية الغطاء الايديولوجي المتماسك الذي تفتقر إليه، والإطار التنظيمي الذي يمكن أن يضمها ويوحد فعالياتها. لعل هذا مصدر قلق لدى الأميركيين الذين يحاولون منذ الآن خفض فرص نجاحه.