فرحت غالبية سكان المعمورة بفوز باراك أوباما برئاسة الولاياتالمتحدة في الفترة التي بدأت في مستهل عام 2008؛ ليس لأنه ابن رجل هاجر من كينيا فحسب، وإنما أيضاً لأنه أتى بعد أن تولّى إدارة أميركا، ولمدة ثماني سنوات، من اشتروا عداوة سكان غالبية دول العالم إرضاءً لأشد المتشددين من أنصار نتانياهو من يهود ومسيحيين متصهينين لأسباب دينية. وخطابه الشهير في القاهرة بعد أشهر من فوزه بالانتخابات أعطى غالبية العرب والمسلمين، إذا استثنينا اليمين المتشدد واليسار المتطرف، شيئاً من الأمل برّره ما لم يسبق لرئيس أميركي أن قاله علناً وخلال فترة رئاسته، كما برّر التفاؤل أيضاً ما عُرفَ عنه من شجاعة سياسية وذكاء واعتدال مزاج. لكنّ أوباما في نهاية المطاف رجل سياسي بالمعنى الأميركي للسياسة، أي ما يحقق الفوز أو الهزيمة له أولاً ثم لمن يناصرونه في الكونغرس لتحقيق برنامجه الذي وعد بتحقيقه. ووجد أوباما أن تركة إدارة بوش ورفاقه ممن سمّوا أنفسهم المحافظين المجددين لمعنى المحافظة السياسية، ليس كما كانت معهودة وإنما بلمسة عدوانية ضد غالبية بقية الأنظمة السياسية بما فيها ديموقراطيات غربية فيما سمّاه رامسفيلد «أوروبا القديمة» أثقل بكثير وأسوأ بمراحل مما يمكن إصلاحه، خصوصاً في الجانب الاقتصادي. والناس، وفي كل مكان، إذا صوتوا، صوتوا بجيوبهم. ولزيادة الأمر سوءاً استعان أوباما برجل ساهم خلال رئاسة بيل كلينتون، بإزالة الضوابط الضرورية لعزل النشاط الاستثماري عن النشاط المصرفي في البنوك الكبرى. لذلك، كان حجر عثرة أكثر مما كان معيناً لوضع برنامج اقتصادي يشبه ما فعله الرئيس الأميركي العظيم فرانكلين روزفلت يؤدي تحقيقه إلى تجديد محاور الإنتاج الرئيسة وتوسعتها كالطرق والسكك الحديد والأنفاق والجسور والموانئ البحرية والجوية والألياف البصرية وخطوط نقل الكهرباء، إلخ، كي تنخفض نسبة البطالة المرتفعة من 8 في المئة كما وجدها إلى 6 في المئة أو أقل من ذلك. والذي حصل أن برنامج الإنقاذ كان أقل مما كان يمكن أن يكون فارتفعت نسبة البطالة بدلاً من أن تنخفض إلى أكثر من 10 في المئة. والظروف الاقتصادية السيئة أعطت الفرصة للجمهوريين بالفوز الساحق في مجلس النواب في انتخابات 2010. ولا بد من موافقة مجلس النواب ومجلس الشيوخ معاً لتمرير الموازنة السنوية، ولكل مشروع تقترحه الإدارة بما في ذلك الموافقة على ترشيح القضاة والسفراء. ففقد أوباما هيبته السياسية داخلياً إلى درجة أن نتانياهو استطاع تأنيبه وتوبيخه علناً وعلى مسمع ومرأى العالم أجمع لأن نتانياهو الذي ولد ودرس في مدينة فيلادلفيا القريبة من مدينة نيويورك يعرف أنه يحظى بدعم الكونغرس بمجلسيه الأعلى (الشيوخ) والأدنى (النواب) ويستطيع تجنيدهم لتحقيق ما يريد رغماً عن أنف أوباما أو أي رئيس أميركي آخر. وملخص القول، أوباما رجل يشعر بالتعاطف مع كل مظلوم، ولا يتمنى للفلسطينيين والعرب والمسلمين إلا الخير. لكنه لن يستطيع أن يفرض حلاً سلمياً عادلاً للنزاع العربي - الإسرائيلي، حتى حينما يعرف أكثر من غيره، أن الحل السلمي العادل يخدم تحقيق المصالح الأميركية الوطنية العليا بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. وعجزه يعود إلى سببين متداخلين داخليين، وهما الاعتبارات والاستحقاقات الانتخابية، وبالذات الرئاسية في الشهر الحادي عشر من عام 2012، وقوة نفوذ اللوبي الإسرائيلي في التأثير في كل الانتخابات الأميركية في مستوياتها كافة. والأمل الوحيد في تحقيق حل سلمي عادل في المدى القريب، هو انتصار أوباما في انتخابات العام المقبل بدرجة من التفوق تحرره من ربق الاعتبارات الانتخابية وتعيد له من الهيبة ما يسمح له بمخالفة اللوبي الإسرائيلي ورهائنه في مجلسي الشيوخ والنواب. وأخيراً ينبغي ألا ننسى أبداً أن الذي أجبر أسوأ رئيس أميركي في تاريخ أميركا، جورج بوش الابن، على إعلان تبني الولاياتالمتحدة، إيجاد دولتين إسرائيلية وفلسطينية تشتركان في أرض فلسطين التاريخية وتنفيذاً لقرارات دولية سابقة، ليس عنتريات اليسار العربي ولا تهديدات الترويع والقتل باسم الإسلام، وإنما الرجل الشهم الشجاع العربي المسلم نشأة وفطرة، عبدالله بن عبدالعزيز. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي