على رغم أنه مرّ على العالم أشرار كثيرون كهولاكو بغداد وطاغية العراق «القائد الضرورة» صدام حسين، وهتلر وستالين وتشاوشيسكو وغيرهم وغيرهم، فإن حديثنا عن نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني. ففي النظام الرئاسي الأميركي يختار المرشح للرئاسة من الذي سيكون نائباً له بعد انتخابه. ومع أنه يبدو نظرياً أن نائب الرئيس شخص منتخب، لكن انتخابه ما كان سيتم لولا نجاح المرشح للرئاسة بالانتخابات. على الأقل هذا هو ما صار يحدث منذ بداية القرن الماضي. ولذلك فإن الرئيس يمكن أن يتخلى عن أي نائب له في الانتخابات القادمة، ويختار شخصاً آخر، أو قد يضغط عليه بحيث لا يكون بوسعه إلا الاستقالة. بل إن جميع الوزراء وكبار موظفي ديوان البيت الأبيض يتولون مناصبهم، ويستمرون في شغلها وفقاً لإرادة الرئيس. والسبب أنه في النظام الرئاسي الأميركي فإن الذي ينتخب هو الشخص، لا الحزب، وإذا تولى الحزب الأغلبية في الكونغرس بمجلسيه أو في احدهما (الشيوخ أو النواب)، فإن ذلك لا يعني أن الناس انتخبوا ذلك الحزب الذي يمثل أعضاؤه الأغلبية في الكونغرس. وكثيراً ما حدث أن يكون الرئيس من حزب، وأغلبية اعضاء الكونغرس من حزب آخر كما حدث خلال رئاسة الرئيسين بيل كلينتون ورونالد ريغان. ووفقاً لكل ما هو متعارف عليه ينبغي على كل نائب رئيس أن يكون عوناً للرئيس لا مشنعاً له. والذي حدث بالنسبة الى الرئيس بوش انه اختار تشيني ليرشح له شخصاً آخر في انتخابات الرئاسة في أواخر 1999. ولكن تشيني الذي لا ينقصه الذكاء ولا القدرة التكتيكية الهائلة على المناورة والخداع نجح بأن وجد عيباً مخلاً حقيقياً أو مختلقاً في احتمال نجاح أي شخص آخر من الجمهوريين الموالين لبوش في أن يكون نائباً للرئيس. وكان واضحاً أنه كان يخطط ليختار الرئيس من طلب منه ترشيح آخرين، ليختاره هو، أي تشيني، ليكون نائباً له في الانتخابات التي أجريت فعلاً في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، والتي لم يقرر الفوز فيها لأي من المرشحين، جورج بوش وآل غور، إلا المحكمة الفديرالية الأعلى. ولا يزال يوجد شك بين غالبية الأميركيين ان كانت المحكمة العليا قد أصابت أو أخطأت في تنصيبها بوش رئيساً. المهم في الأمر أن ديك تشيني وجد نفسه نائباً لرئيس متدين، تجربته السياسية محدودة وفيه شيء من الغفلة، حتى تمكّن نائبه من تمكين حلفائه وأصدقائه من تولي مفاتيح القرار، ما سهل التغرير ببوش وشبه السيطرة على قراره. فرشح تشيني للرئيس عدداً كبيراً من أصدقائه من المحافظين المتشددين، والأسوأ ممن يسمون أنفسهم «المحافظين المجددين». فصار أول ضحاياهم وزير الخارجية الجنرال كولن باول الذي اختاره بوش شخصياً من دون استشارة تشيني. فسيطر تشيني وحلفاؤه وأعوانه من «المحافظين المجددين» من أمثال بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث وريتشارد بيرل ومدير مكتب تشيني لويس ليبي وأمثالهم على سياسة أميركا الخارجية. وهدف هذه «العصابة» الأول والأهم ليس خدمة مصالح أميركا الوطنية العليا، وإنما خدمة مصالح إسرائيل، بل مصالح أشد المتشددين من الإسرائيليين من أمثال بنيامين نتنياهو. كل هذا معروف بالنسبة الى من يتابعون الشأن الأميركي، غير أن الشيء الجديد انه على خلاف العادة وما هو شبه متفق عليه عرفياً بين الساسة الأميركيين، أن تشيني لم يعتبر نفسه قد تقاعد وانتهت فترة خدمته، وينبغي أن يرفع نفسه عن الخوض في الشؤون السياسية الضيقة، ويكون من رجال الدولة كما حدث مع كل رئيس ونائب رئيس سابق، وإنما صار الناطق باسم «المحافظين المجددين» الذين فقدوا قوتهم وصدقيتهم منذ انتخاب الرئيس باراك أوباما. فصار تشيني يهاجم الرئيس أوباما كلما سنحت له الفرصة بعبارات أوضحت انه كان قد اختلف اختلافاً شديداً مع كل ما فعله الرئيس جورج بوش في ولايته الثانية (2004- 2008). وهذا الرجل الذي تسبب في قتل الملايين وأعطى الإرهابيين أعز الهدايا على أطباق من ذهب، بدعمه تعذيب السجناء وبقية الأعمال المشينة في «غوانتانامو» و»أبو غريب» لا يزال مُصِراً على أن الرئيس بوش كان مخطئاً حينما أوقف تعذيب السجناء، وأمر بالتحقيق في ما حدث في «أبوغريب». وكل المقابلات التي أجريت معه مؤخراً وضّحت أنه يريد الانتقام من الرئيس بوش أكثر مما يريد انتقاد إدارة أوباما. فالذي أوضحه بأقواله انه فقد كل نفوذه، بعد إعادة انتخاب بوش (2004-2008). وقد سألت الجنرال برنت سكاوكروفت رئيس «مجلس الأمن الوطني» خلال رئاسة الرئيس بوش الأب وحينما كان تشيني وزيراً للدفاع، ما الذي حصل «لصديقك» تشيني؟ فقال: هذا الرجل تغيّر وتبدل، وجميعنا الذين عملنا معه خلال رئاسة الرئيس فورد والرئيس بوش الأب محتارون ولا نعرف جواباً قاطعاً لسر تحوله وسوء مسلكه. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي