حصدهم الموت بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين، ومن كان محظوظاً منهم بقي حيّاً حتى التاسعة والثلاثين. كلهم عاشوا بعجلة قصوى، حرقوا مراحل حياتهم بشغف وكأنهم يقودون عمرهم بسرعة جنونية... نحو الموت المحتّم. البعض منهم كان مدمناً على الماريجوانا، والبعض الآخر على ال"إل إس دي" والبعض على الكوكايين ومن ثم الهيرويين، ومن نجا من هذه المخدرات كلها بات مدمناً على الحبوب المسكّنة والكحول. هم جيل "الروك اند رول"، جيل "الهيبيز" والشعر الطويل و"مارِسوا الحب وليس الحرب"، و"السلام للجميع"... هذا السلام الذي قتلهم في ريعان الشباب، ليس لسبب، إلا لأنهم أرادوا اختبار التطرف في الحياة إلى أقصى حد. جمهور الحب... والمخدرات من 10 سنين إلى أخرى، مخدّر يتراجع عن الواجهة ليترك المكان إلى آخر "زميل له"، قاسمهما المشترك الموسيقى الصاخبة ونتائج كل منهما الفتاكة. فمنذ تلك الحفلة الموسيقية عام 1967 في باحة مونتيريه في كاليفورنيا حيث تجمهر أكثر من 200 ألف شاب وشابة... ولائحة الضحايا تطول. هؤلاء غنوا الحب والسلام، كانوا أحراراً في تصرفاتهم، ارتدوا الأزهار، حملوا الأجراس واحتفلوا طوال يومين بالموسيقى من دون قيد أو شرط. شاركوا مغنيّ ال"روك إند رول" الذين رقصوا على المسرح كالمجانين ودخنوا سجائر الماريجوانا وتذوّقوا ال"إل سي دي" علناً من دون أي رادع... واليوم بعد 36 عاماً على هذا ال"ويك إند" الذي يشكل مرجعية في تاريخ ال"روك اند رول"، غاب أكثر من 500 مغنٍ ومغنية وعازف وعازفة من جيل هذا النوع من الموسيقى. جميعهم ماتوا في ريعان الشباب من دون أن يبلغوا سنّاً متقدمة، ربما ليس من وفرة المخدرات حينها - و60 منهم على الأقل ماتوا بسببها مباشرة - لكن بالتأكيد من نمط حياة ال"روك اند رول" الذي أعطى مفهوماً جديداً ومبتكراً للصخب، سهراً ونساء وجنساً وكحولاً ممزوجة مع كل أصناف المخدرات والمسكّنات، وحياة تُحيا بكل جوارحها، لا يحّدها أي قانون أو شرط أو ممنوع، أكان إجتماعياً أم صحياً... خصوصاً أن الإدمان لم يكن آفة أو عيباً إجتماعياً تتم المحاكمة على أساسه. ماريجوانا أولاً، ومن ثم "إل إس دس" بدأت سجائر الماريجوانا تغزو عالم الروك منذ أوائل الستينات من القرن الماضي من دون أن تلحق أي أذى يذكر بمن اعتاد عليها، وكأن سخرية القدر جعلتها "صحية" وآمنة على صحتهم في مقابل كل المخدرات "القاسية" التي تبعتها في ما بعد. فكانت تثير الإسترخاء والثقة بالنفس والراحة وشعور ال"كول" الذي كان يتوق إليه الشباب. من جيمي هندريكس وبوب ديلان إلى البيتلز وروجيه دالتريه وغيرهم كثيرين في أوائل الستينات من القرن الماضي، جميعهم اعتادوا تدخين سيجارة أو اثنتين قبل الصعود الى المسرح للشعور بالإسترخاء. منهم من بقي وفياً لسيجارته ومنهم من أراد رفع "الإحساس" إلى مستويات أعلى... لم تؤمنها يومها سوى ال"إل إس دي"، أو "الأسيد" كما تم التعارف على تسميتها، التي كان اكتشفها بالمصادفة ألبيرت هوفمان، عالم الأبحاث في مختبرات ساندوز السويسرية العام 1943 بعدما شعر بهلوسات عدة في أعقاب وقوع البعض من هذه المادة الكيماوية على جلده وامتصاصه لها. فقال بعد سنوات على هذا الإكتشاف "ان استعمال هذه المادة كمخدر للمتعة هو أمر شيطاني لا يقبله عقل". والعقل لم يكن موجوداً عند غالبية الموسيقيين في الستينات من القرن الماضي، ولا سيما في حفلة مونتيريه المشهودة حيث وزع المنظمون حينها غالوناً من ال"إل إس دي" على الجمهور المحتشد أمام المسرح ليغرف منه حاجته، لأن الإقتناع كان تاماً بأن العالم سيتغير بتدخين الماريجوانا واستهلاك ال"إل إس دي". ثقافة المخدرات من هنا نشأ ما سمي "ثقافة المخدرات" في ظل روح من التفاؤل والبراءة الشبابية... لم تنفك تتحول موتاً وتدميراً ذاتياً للنفس بأبشع أوجهه. وربما كام جون لينون، نجم البيتلز أبرز مثال على ذلك. فهو ترك زوجته الأولى لأنها رفضت تعاطي ال"إل إس دي" معه، وما لبث أن تحوّل إلى الهيرويين مع زوجته الثانية يوكو أونو، فحاول معالجة إدمانه وحده عبر ربط نفسه على كرسي والصراخ طوال 3 أيام، ما جعله يستوحي معزوفة موسيقية أطلق عليها عنوان "الحبش البارد"... الذي لم يشفه أبداً من إدمانه. فهذه المخدرات بالذات جعلت الكثيرين يعانون من انفصام في الشخصية اضطرهم للخضوع الى علاج بدائي بالصدمات الكهربائية نظراً إلى أن معالجة الإدمان لم تكن أساساً موجودة كمفهوم عصري لمواجهة المخدرات أو الكحول أو غيرها، لا بل كان الموضوع يعتبر طبيعياً أو في أسوأ الأحوال نزوة سيشفى منها صاحبها من دون اي آثار جانبية على عقله وصحته معاً. وشكلت الحفلة الموسيقية الضخمة التي نظمها فريق "الرولينغ ستونز" في حضور 300 ألف مشاهد عام 1967 نقطة التحول بالنسبة إلى الإقبال الشبابي على ال"إل إس دي"، إذ إن مهمة الأمن فيها أوكلت ل"ملائكة الجحيم" الذين كانوا مدمنين على هذا المخدر، فضربوا عدداً كبيراً من المشاهدين واعتدوا عليهم في شكل وحشي... ما جعل أسهم ال"إل إس دي" تتراجع لمصلحة الكوكايين، خصوصاً أن المروّجين له كانوا يؤكدون "أن هذا الأخير ينشر البهجة في النفس أكثر من أي مخدّر آخر"... فأدخلهم الإدمان عليه في دوامة لم يخرجوا منها أبداً سالمين. وكان هذا المخدر السبب المباشر للموت المبكر لأكثر من 100 نجم روك جراء أزمات قلبية حادة، إذ إنه يؤدي إلى زيادة تدفق الدم نحو القلب الذي يضطر حينها الى العمل بقوة أكبر لمواجهة كمية الدم الكبيرة المتدفقة نحوه، ناهيك بأن الشرايين تتعب من هذه الحركة غير المعتادة فتنفجر أو تفشل عضلات القلب في القيام بوظيفتها ما يجعل الأزمة القلبية حتمية. ضحايا الهيرويين... موتى أم أحياء؟ ولم تكد تبدأ السبعينات من القرن الماضي حتى انتقل "ثقل" الإدمان إلى نيويورك عبر فريق "نيويورك دولز"، ولا سيما عبر المغنيين دافيد بووي ومالكولم ماك لارين اللذين أعادا إحياء الروك في شكل قوي، ما جعل جيلاً جديداً من أتباع "العدمية" وهم "الهيبيز" الجدد - ينشأ مدمناً على الهيرويين هذه المرة. وأصبح الجدل ينحصر في معرفة هل ضحايا الهيرويين هم الذين ماتوا جراءه... أم الذين استمروا على قيد الحياة؟ فالثمانينات من القرن الماضي شهدت انتشاراً كبيراً للهيرويين الذي بات مرادفاً ل"الإنضمام الى قوى الشيطان واختيار التدمير الذاتي طوعاً"، كما قال أحد المدمنين عليه. وحاول كثيرون من نجوم الروك مقاومة إدمانهم... ليجدوا أنفسهم مدمنين على نوع آخر من المخدرات بدءاً بالحبوب المنوّمة فالكحول والحبوب المسكنة وتلك التي تثير البهجة وغيرها. أما من نجا من نجوم الروك السابقين من إدمان الستينات وقد بلغ اليوم مشارف الستين من دون أن يلمس أي صنف من المخدرات الممنوعة منذ أكثر من 25 عاماً... فيتوق لتذوّق أصناف المخدرات الجديدة الرائجة التي لم يجرّبها من قبل... "لأنني سأموت قريباً فأسمح لنفسي على الأقل بالإنشراح قليلاً"، كما يقولون... وربما بإطالة لائحة الضحايا الذين سبقوهم.