لو كان في ليبيريا بترول، هل كان الرئيس جورج بوش لا يزال يتردد في إرسال قوات أميركية إليها؟ لو كان في ليبيريا بترول لكان رئيسها تشارلز تيلور يملك أسلحة دمار شامل وبرنامجاً نشطاً لانتاج أسلحة نووية، ولكان يتعامل مع كوريا الشمالية في تطوير صواريخ تصيب تل أبيب، ونيويورك، ولكان يتعاون مع "القاعدة" ويهدد جيرانه والأمن الدولي. ليبيريا من دون بترول لذلك يجثم تشارلز تيلور على صدر شعبه، ويُقتل من هؤلاء عشرة في اليوم أو مئة، فيما العالم الخارجي، لا الولاياتالمتحدة وحدها، يفكر ويدرس "المعطيات". أريد قبل ان أكمل أن أقول ان الولاياتالمتحدة تدخلت في بلدان خارجية في السابق من دون ان تكون لها مصلحة ذاتية، كما فعلت في الصومال وفي البلقان، وكان تدخلها حاسماً في حماية مسلمي البوسنة والهرسك، ومسلمي كوسوفو وغيرها. كذلك أقول ان البترول لم يكن سبب التدخل الأميركي في العراق، وانما كان عاملاً مشجعاً. الحرب على العراق كانت لمصلحة اسرائيل وضد العرب والمسلمين، ولن أعود الى موضوع قتل بحثاً، وإنما أكمل لأن الحرب على العراق لم تنته، ولأن هناك من عصابة اسرائيل في الادارة الأميركية، أو المحافظين الجدد، من يريد ان يستكملها بالضغط على ايران أو سورية، أو بالكذب عن المملكة العربية السعودية. كنتُ قبل تقرير الكونغرس الذي زاد على 900 صفحة، أتابع كتاباً من أحد الاعتذاريين لاسرائيل وهو جوزف باير الذي طلع بكتاب عنوانه "النوم مع الشيطان: كيف باعت واشنطن أرواحنا مقابل النفط الخام السعودي". الكتاب كلّه كعنوانه وقح الى درجة بذيئة، وإلى درجة ان يزعم ان مسؤولين أميركيين يتركون الحكم ويدخلون في أعمال مع السعوديين، وهذا ربما حدث، الا انه يظل على نطاق ضيّق جداً بالمقارنة مع ما يدفع أنصار اسرائيل الى المشترعين الأميركيين وهم في الحكم حتى أصبح الكونغرس أسوأ من الكنيست. وبالطبع فإذا كان من شيطان في الشرق الأوسط فهو اسرائيل، أو ذلك الشيطان النازي الذي ضرب جسم المنطقة كسرطان خبيث يغذيه قلة من اليهود الأميركيين الليكوديين الذين لطخوا أيديهم مع شارون وموفاز بدماء الأطفال اليهود والفلسطينيين، فهم يحرضون الحكومة الاسرائىلية على التعنت ويعرقلون عملية السلام التي لا تزال تريدها غالبية يهودية وعربية. باير يقترح قرب نهاية كتابه خطة لاستيلاء القوات الأميركية على آبار النفط السعودية، وبما ان من دقّ الباب سمع الجواب، فإننا نقترح في المقابل حل مشاكل الشرق الأوسط كلها باحتلال اسرائيل، وتجريدها من السلاح وإعادة المستوطنين الى بروكلن، والروس الى روسيا، خصوصاً أصحاب القمصان الحمر من عصابة الحاخام افروم شموليفيتز، فما الفارق بين قمصان حمر أو سود أو بنية؟ من أسوأ، آرييل شارون أو من يناصره ويشجّعه، ويمكّنه، في الولاياتالمتحدة؟ أمامي مقال كتبه وليام كريستول، رئيس تحرير "ويكلي ستاندارد" وإبن ايرفنغ كريستول، وكلاهما من عصابة المحافظين الجدد نشرته "واشنطن بوست" في 24 من هذا الشهر يقول ان العالم أصبح أكثر أمناً وأماناً للأميركيين بعد حروب جورج بوش التي أدت الى تغيير الأوضاع السابقة عندما كان أسامة بن لادن من دون عائق في تجميع شبكته الارهابية في أفغانستان، وباكستان تتواطأ مع "طالبان" والسعودية مع "القاعدة"، وصدام حسين يحكم العراق. والمظاهرات المطالبة بالديموقراطية في ايران تقمع من دون ان تحرّك الولاياتالمتحدة ساكناً، وكوريا الشمالية تبدأ برنامجاً نووياً ثانياً. ما كنت علّقت على كلام كريستول، فهو متوقّع من صهيوني ليكودي معروف، لولا انني وجدته مكرراً في الجريدة نفسها، وفي اليوم التالي، إنما كان هذه المرة على لسان تشارلز كراوتهامر، وهو ليكودي كريه آخر. كرواتهامر كرّر "الإنجازات" ضد أفغانستان وصدام حسين وايران وباكستان والمملكة العربية السعودية، وزاد ان اليمن أخذت تتعاون في الحرب على الارهاب، وهناك تحالفات أميركية مع دول الخليج والكويت آمنة من صدام والأردن كذلك، وسورية صامتة، ولبنان جبهته الجنوبية هادئة. وهكذا فالكاتب الثاني توسّع في ما ذهب اليه الأول، ولكن لم يذكر أي منهما ويلات الحرب، وهناك ألوف القتلى من العراقيين، وقد قُتل أميركيون في الحرب، ولا يزال جنودهم يقتلون كل يوم في بلد ثبت قطعاً انه لا يملك أسلحة دمار شامل يهدد أمن أميركا. ولكن عصابة اسرائيل دفعت الادارة الى الحرب لخدمة مصالح اسرائىلية خالصة، تبدأ بالعراق، وتكمل باعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يناسب المصالح الاسرائىلية. المحافظون الجدد يتحدثون عن حقائق جديدة في الشرق الأوسط، وبعضها صحيح من إزالة نظام "طالبان" وتدمير أكثر "القاعدة" الى إطاحة صدام حسين غير مأسوف عليه. ولكن هناك حقائق أخرى منها ان الاسلاميين هم حزب المعارضة المعادية لأميركا في بلادنا كلها، وأن الاسلاميين كسبوا في انتخابات ديموقراطية فعلاً في الكويت، ومبروك عليهم. وإذا كان هذا يحدث في بلد مدين باسترداد استقلاله للتدخل العسكري الأميركي سنة 1990-1991، وبضمان هذا الاستقلال بالتدخل الثاني هذه السنة، فإنه يمكن ان نتصور اداء الاحزاب الإسلامية في بلدان عربية اخرى بفضل سياسة المحافظين الجدد التي تنفذها الادارة الاميركية.