هذا الصيف تؤكّد "مهرجانات بيت الدين" مكانتها كفضاء تتقاطع فيه الأسماء العالميّة والعربيّة، من دون أن يفوتها فسح المجال أمام التجارب والعروض المحليّة. المفاجأة الأبرز هي عودة فيروز للمرّة الثالثة، التي تأكّدت بعد أيّام من المزايدات والتشويق تردد خلالها أنّها لن توافي جمهورها هذا الصيف. عادت برفقة زياد الرحباني مشعل الحرائق في التراث الرحباني، ومنقذه في الآن نفسه... وما ان أعلن الخبر حتّى نفدت البطاقات أو كادت 21 و22/8. الجمهور العربي واللبناني ما زال في شوق لسماع فيروز، بل لرؤيتها، باعتبارها الاسطورة الحيّة، آخر ما تبقّى من حطام لبنان القديم. وسيكون الجمهور على موعد مع استعراض "ويست سايد ستوري" الذي يعاد تقديمه في حلّة جديدة، تنتقل مباشرة إلى لبنان من مسرح "لا سكالا" العريق في ميلانو، بعد قرابة نصف قرن من ولادة هذا العمل على احدى خشبات برودواي 23 - 26/7/2003. "ويست سايد ستوري" يختصر ذاكرة جيل وحكاية مرحلة. وحده بين الاستعراضات التي صنعت العصر الذهبي لبرودواي في خمسينات القرن الماضي، نجح "ويست سايد ستوري" حكاية الحي الغربي في اجتياز العهود والموض، من دون أن يفقد رونقه وقوته وراهنيّته. ذلك أن هذا العمل الذي جمع ثلاثة من كبار المبدعين : ليونار برنشتاين موسيقى، وجيروم روبنز الكوريغرافيا، وستيفان سوندهايم كلمات الاغاني، يشكّل مفترق طرق على أكثر من مستوى. فحينما صمم جيروم روبنز رقصات الاستعراض عام 1957، كان يمهّد لتحوّل حاسم في مسار الرقص الحديث. لقد ضرب عرض الحائط بقواعد الباليه ال"نيو كلاسيكي"، جاعلاً حركات الشارع تمتزج بالباليه، وتتلقح بنسغ الرقص الحديث. وترك استعراض "ويست سايد ستوري" بصماته على تجارب كثيرة، وصولاً إلى كليبات مايكل جاكسون. قبل جيروم روبنز كان موعد الجمهور مع كوريغراف آخر من أعمدة الرقص في القرن العشرين. فالمهرجان افتتح مع موريس بيجار 10 و11/7/2003 أبرز رموز الرقص الحديث، الذي عاد إلى لبنان بعد زيارته الخائبة مطلع التسعينات، وسنوات طويلة بعد تألّقه في مهرجانات بعلبك قبل الحرب، ليقدّم استعراضه عن "الأم تيريزا" الذي قدّم عرضه الأوّل في لوزان عام 2003. كعادته يخوض مؤسس "باليه القرن العشرين" في موضوعه متمحوراً حول شخصيّة بارزة، متوسلاً عناصر تصويريّة وكوريغرافيّة سرديّة تبعاً لتصورات هندسيّة، ولايقاعات حركيّة تفتح أمام الجسد سبل الابتكار والانعتاق والتلاعب مع الجاذبيّة. وابتكارات بيجار في هذا العمل جعلت بعض النقاد يستعيدون بيجار الكوريغراف الشاب الذي كتب صفحات مشرقة من تاريخ الرقص الحديث في القرن الماضي. ولعل الحدث الأهمّ في هذه الدورة هو بالنسبة إلى الجمهور اللبناني، مشاركة موسيقي الجاز وعازف السكسوفون اللبناني توفيق فرّوخ 30/7/2003. فبعد انطلاقة ناجحة في بيروت، وسنوات التكريس في أوروبا، ها هو فرّوخ يلاقي أخيراً الاعتراف في بلاده ويحلّ ضيفاً على أبرز مهرجانات الصيف، بعد أن تمّ تناسيه طويلاً، حتّى بات أكثر شهرة في فرنسا منه في لبنان. وبذلك يؤكّد "مهرجان بيت الدين" ميله إلى المغامرة والتجديد. وتحطّ فتيات "بوند" الرحال في بيت الدين، بعد نجاحات عالميّة قادت هذا الرباعي النسائي من المانيا وايطاليا الى الولاياتالمتحدة وسنغافورة... مروراً بتجربة خاصة في العزف مع التينور الشهير لوتشيانو بافاروتي. تجمع موسيقى "بوند" 19/6/2003 بين الموسيقى الكلاسيكيّة والروك اند رول، ويعرّجن على انغام وايقاعات من "موسيقى العالم"، بحسب موضة سادت في عالم صناعة الاسطوانات خلال العقد الأخير. أما عشاق الموسيقى الكلاسيكية المحضة، فسيكون موعدهم في بيت الدين مع فرقة "موسيقى الغرفة" البولونية بقيادة نيغيل كينيدي 13/8/2003. وسيحيي عازف الكمان المذكور الذي ترعرع في كنف المعلّم يهودي منوحيم، أمسية أخرى مخصصة ل... جيمي هندريكس، برفقة "رباعي جاغريك سمينتانا" 15/8/2003. ومن يوغوسلافيا السابقة سيطلّ على جمهور بيت الدين موسيقي من نوع خاص، صربي الأم، كرواتي الأب، هو غوران بريغوفيك 9/8/2003 الذي يأتي إلى لبنان لتقديم "موسيقى الجنازات والأعراس" في بلاده. ولعلّ الجمهور اللبناني والعربي يعرف غوران بريغوفيك من خلال موسيقى أفلام بارزة من تأليفه، من "الملكة مارغو" فيلم باتريس شيرو... إلى أبرز أفلام أمير كوستوريكا مثل "زمن الغجر" و"أندرغراوند". وتربط الثنائي علاقة خاصة أخذتهما من السينما إلى الموسيقى في مغامرة فريدة من نوعها، علماً أن بريغوفيك آت من موسيقى الروك إلى الموسيقى التقليديّة التي أدخل عليها ابتكاراته الخاصة، متلاعباً بمشاعر الجمهور في مناخات هاذية من الضحك والبكاء والطقوس الشعبية. وأخيراً وليس آخراً، سيكون نجم بيت الدين هو الفنان العراقي كاظم الساهر 1 و2/8/2003 الذي يحمل معه صوت العراق. وهو يجمع في أغنيته الانتماء إلى التقاليد الطربيّة الجادة والانتشار الجماهيري الواسع، إذ باعت ألبوماته قرابة 30 مليون نسخة. وسيقدّم في بيت الدين باقة من أغانيه القديمة والحديثة.