"قد نكون سجلنا بصماتنا في التاريخ"، هذا ما اعلنه رئيس مؤتمر المعاهدة الأوروبية الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان في نهاية مناقشات استمرت 16 شهراً لوضع مسودة الدستور الاوروبي الذي سيعرض على البلدان الاعضاء. وتعتبر هذه الوثيقة الاولى من نوعها في تاريخ القارة الاوروبية، وهي تهدف الى توحيد القيم والمبادئ وغالبية السياسات لأكثر من 450 مليون نسمة في 25 بلداً اوروبياً. وسيوفر هذا الدستور بعد المصادقة عليه للاتحاد الاوروبي آليات تكريس وجوده السياسي والمادي في عيون الاوروبيين والساحة الدولية على حد سواء. وتنص مسودة الدستور على استحداث منصب رئيس للاتحاد لمدة عامين ونصف العام، ومنصب وزير للخارجية يقود اعمال المجلس الوزاري والسياسات الخارجية والامن والدفاع المشترك. وتكمل مسودة الدستور الإنجازات الكبيرة التي حققها الاتحاد من خلال توحيد السوق المشتركة، بما تعنيه من حريات لتنقل الأشخاص والبضائع والخدمات والرساميل والأفكار، وقيام العملة الأوروبية يورو التي أثبتت وجودها في أسواق المال وأوساط المستثمرين. وأجمع المؤتمرون من الآفاق السياسية المختلفة على الاشادة بأداء جيسكار ديستان في ادارة المناقشات والبحث عن الحلول الوسط، خصوصاً المرجعية، اذ نصت مسودة الدستور على "الإرث الديني والحضاري" لأوروبا. ومن المقرر ان يسلّم الرئيس الفرنسي السابق نص مسودة الدستور الى رئيس الوزراء الايطالي الرئيس الدوري للاتحاد سيلفيو بيرلوسكوني في 18 الشهر الجاري في روما، ليتولى عرضه على الحكومات الاوروبية والتفاوض على الصيغة النهائية للدستور. ويتوقع ان تستمر المفاوضات شهوراً على ان يتم توقيع المعاهدة الجديدة في ايار مايو 2004 اي قبل ايام من دخول بلدان اوروبا الشرقية عضوية الاتحاد. الا ان المشروع يثير حفيظة الاوساط المناهضة للفكر الفيديرالي، لذلك حرص فريق رئاسة المؤتمر على حسم النقاط الخلافية خصوصاً لجهة مقتضيات "الاستثناء الثقافي" الذي سيخضع كل سياسات القطاع المرئي والسمعي الى قاعدة الإجماع من اجل حماية الثقافة الاوروبية. كما حصلت المانيا على استثناء سياسة الهجرة واخضاع القرارات في شأنها الى قاعدة الاجماع حتى تظل اجهزة الامن الالمانية قادرة على التحكم في تيارات الهجرة الوافدة من الشرق والاحتفاظ بإمكانات اغلاق الحدود. وعلى صعيد التوازنات بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فان كلاً من البرلمان والمجلس الوزاري سيشهد توسعاً في صلاحياته بينما تبقى المفوضية في حدود صلاحياتها التنفيذية، بعدما اخفقت في انتزاع منصب السياسة الخارجية. لكن المشروع ينص على أن يكون وزير الخارجية نائبا لرئيس المفوضية. ولن تحصل البلدان الصغيرة على ضمان وظيفة لكل منها ضمن فريق المفوضية الأوروبية التي تعد اليوم 21 مفوضاً. وسيتم تقييد هذا العدد الى 15 السنة 2009 لضمان سير المفوضية واتخاذ القرارات. كما سيكون التصويت على قاعدة الغالبية في المجلس الوزاري لتفادي تجميد آليات اتخاذ القرارات المشتركة.