أعلن وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد أمس ان شن الحرب على العراق لم يكن بسبب أدلة جديدة على أسلحة الدمار الشامل، مناقضا بذلك الفرضية الاساسية التي أعلنتها إدارة الرئيس جورج بوش لتبرير تدخلها العسكري في هذا البلد، في حين دافع بوش نفسه مجدداً عن مبرراته للحرب، مؤكدا أنه لم يخطئ بقرار ضرب العراق. وتصاعدت أمس حدة الجدل الدائر في بريطانيا حول التلاعب بتقارير الاستخبارات لتبرير الحرب وواجه توني بلير هجوماً شديداً في البرلمان. قال رامسفيلد اثناء جلسة استماع امام لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ ان "التحالف لم يتحرك في العراق بسبب عثورنا على أدلة جديدة دامغة حول امتلاك العراق اسلحة دمار شامل". وأضاف: "تصرفنا لاننا رأينا الدليل من منظور جديد مثير من خلال تجربتنا في 11 أيلول سبتمبر". وأضاف ان رفض العراق الاذعان لقرارات الاممالمتحدة التي تطالبه بأدلة على تدمّير اسلحته المحظورة أدى الى الحرب. وأكد: "لم تختر الولاياتالمتحدة دخول حرب... صدام حسين هو الذي اختار. فقد انتهك طوال 12 عاما 17 قرارا للامم المتحدة من دون ان يدفع ثمنا او يتحمل عواقب". وبررت إدارة بوش مرات أمام الرأي العام والهيئات الدولية لجوءها الى القوة ضد نظام صدام حسين بوجود اسلحة دمار شامل في العراق تهدد أمن الولاياتالمتحدة وحلفائها. ودافع بوش أمس عن مبرراته الحرب في مؤتمر صحافي مع الرئيس الجنوب افريقي ثابو مبيكي، فقال: "انني واثق تماما من القرار الذي اتخذته. لا يساورني أدنى شك في انه عندما ينتهى الامر ستوضح الحقائق للعالم". ورداً على سؤال عن قضية شراء العراق يورانيوم من النيجر أعلن البيت الأبيض، أول من أمس ان اتهام صدام حسين بذلك كان خطأ وتفادى بوش الرد على ذلك بقوله: "لا يساورني أدنى شك ان صدام حسين كان يمثل تهديدا للسلام العالمي... ولا يساورني أدنى شك أن الولاياتالمتحدة فعلت الصواب". وقلل آري فلايشر المتحدث باسم البيت الابيض من البيان، وقال للصحافيين المرافقين للرئيس الاميركي في جولته الافريقية التي تستمر خمسة ايام: "ما كان يجب ان ترقى هذه المعلومات الى مستوى خطبة رئاسية". لكنه قال ان القلق من اسلحة صدام حسين للدمار الشامل ما زال قائما. وقال مايكل انتون الناطق باسم مجلس الامن القومي: "في ذلك الوقت... اشارت تقديرات الاستخبارات لأسلحة الدمار الشامل العراقية الى محاولة العراق شراء يورانيوم من دول في افريقيا". واضاف: "نعلم الآن ان الوثائق التي زعمت ابرام صفقة بين العراقوالنيجر جرى تلفيقها". واقر البيت الابيض ان بوش اخطأ عندما قال ان صدام حسين حاول شراء يورانيوم من النيجر في اطار برنامج لتطوير اسلحة دمار شامل. واثار بيان البيت الابيض جدلا في ما اذا كانت الحكومتان الاميركية والبريطانية تدخلتا في معلومات الاستخبارات عن اسلحة الدمار الشامل لدعم تبريرهما الحرب. واستغل المشرعون الديموقراطيون الاميركيون اعتراف البيت الابيض وجددوا دعواتهم لاجراء تحقيق واسع في الكونغرس في الهفوات في المعلومات الاستخباراتية الاميركية بعد بيان البيت الابيض وقال رئيس الاقلية في مجلس الشيوخ توم داشل ان ذلك "اعتراف بأنه تم تقديم معلومات خاطئة الينا". وقال السناتور الديموقراطي عن ولاية ميشغن والعضو في لجنة الخدمات المسلحة كارل ليفن ان اعترافات البيت الابيض اثارت الكثير من الاسئلة مؤكدا ان تلك التصريحات "تؤكد اهمية اجراء تحقيق" في هذه المسألة. واكد السناتور جون كيرى الذى يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة ان "هناك حاجة الى المزيد من القوات الدولية فى العراق للمحافظة على السلام". واضاف انه "لو كان رئيسا للولايات المتحدة لبادر فورا الى الطلب من الحلف الاطلسي والاممالمتحدة إرسال قوات الى العراق لتقليل إحساس العراقيين باحتلال اميركي لبلدهم وايضا للحد من الاخطار التي يتعرض لها الجنود الاميركيون". وفي السياق ذاته كتبت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية أن العلاقة القوية بين لندنوواشنطن، لا سيما في ما يتعلق بالشأن العراقي بدأت تتراجع، لعدم عثور القوات الاميركية والبريطانية على أي أثر لاسلحة الدمار الشامل. وأضافت ان اعلان واشنطن عدم صحة التقرير الاستخباراتي البريطاني زاد من هشاشة وضع حكومة توني بلير. وأوضحت ان هذا الاعلان الاميركي يعد إدانة من واشنطن لنفسها بأن الحرب التي شنتها على العراق لم تكن مبنية على أساس واقعي، مما يعزز قوة المعارضين للحرب لا سيما في بريطانيا. وتحولت الجلسة الاسبوعية لمساءلة رئيس الوزراء في مجلس العموم البريطاني أمس الى مشادات كلامية بين بلير ورئيس المعارضة المحافظة ايان دانكن سميث، الذي طلب ان يعتذر رئيس الوزراء للنواب لانه خدع البرلمان" في ملف الترسانة العراقية الذي نشر في شباط فبراير الماضي. وقال سميث متوجها الى بلير: "قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم ان عليك ان تعتذر للبرلمان لانك قدمت بشكل مخادع الملف الثاني، فهل ستفعل؟". فرد بلير الذي بدت عليه الصدمة "لا أقبل قطعا أن يقال، بأي شكل من الاشكال، أن المعلومات المتضمنة في الملف الثاني كانت مغلوطة". واضاف "في الواقع ان عناصر من هذا الملف قدمت على انها معلومات استخباراتية، كانت فعلا كذلك". وأوضح ان وزير الخارجية جاك سترو قدم اعتذاراً باسم الحكومة لانه لم يتم التعريف بوضوح بمصادر هذا التقرير الذي اطلقت عليه وسائل الاعلام البريطانية اسم "الملف المريب". وأعلنت الحكومة البريطانية أمس ان مسؤولا في وزارة الدفاع اعترف بلقاء الصحافي اندرو غليغان الذي يعمل في الاذاعة البريطانية بي بي سي والذي نقل معلومات تشكك في صدقية الملف البريطاني. واشارت مصادر بريطانية الى ان الموظف أقر انه ناقش مع غليغان مسألة اسلحة العراق. لكن "بي بي سي" نفت أن يكون هذا الموظف هو المصدر الذي استقى غليغان منه الخبر وأصرّت على أن مصدرها لا يعمل في وزارة الدفاع إنما يحتل مركزا رفيعا في الاستخبارات. واعتبرت "بي بي سي" ان اقرار الموظف بلقاء غليغان ادخل الخلاف بينها والحكومة البريطانية منعطفا جديدا على رغم انها لم تكشف حتى الآن هوية مصدرها ورأت أن تسمية وزارة الدفاع أحد موظفيها مصدراً لتسريب الخبر مجرد محاولة لجرها الى الكشف عن مزيد من المعلومات عن الطريقة التي حصلت بواسطتها على المعلومات، بينما تصّر هي على التمسك بالعرف المتبع في عالم الصحافة بالاحتفاظ بحق عدم الكشف عن مصادر الأخبار. وتصاعدت أمس المطالبة بإجراء تحقيق قضائي مستقل حول هذه الأزمة وقال الرئيس السابق للجنة المشتركة للاستخبارات البريطانية السير رودريك بريزويتر ان إجراء مثل هذا التحقيق أصبح مسألة حتمية لمواجهة الشكوك حول طريقة استخدام معلومات استخباراتية لتبرير العمل العسكري في العراق.