الدولار يرتفع عند أعلى مستوى في عام    مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية يحقق جائزة الإنجاز الإنساني العالمي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    وزير الداخلية يرأس اجتماع الدورة ال50 للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    بإشراف من وزارة الطاقة الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024م    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    أفراح النوب والجش    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    استعادة التنوع الأحيائي    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان "كان" افتتح دورته السادسة والخمسين ورئىس محكميه يريده مرآة لأحوال العالم . الماضي بقوة والمستقبل بأسماء جديدة أما الحاضر فمعلق كما في ماتريكس
نشر في الحياة يوم 16 - 05 - 2003

قد لا يكون ملصق هذا العام لمهرجان "كان" في دورته السادسة والخمسين مثيراً لقسط كبير من الاعجاب، لكنه بتقشفه المزعج يدخل الناظر اليه عالم السينما مباشرة، وبأكثر مما يمكن أي ملصق آخر ان يفعل. فهو اذ يحمل فقط عبارة تقول: "لتحيا السينما" يعطي هذه العبارة في الوقت نفسه معنيين، الاول هو ان السينما حية حقاً، والثاني هو ان السينما باتت في حاجة الى نفحة من الحياة، وذلك تبعاً لوجهة النظر التي يمكنك ان تنظر الى الموضوع انطلاقاً منها.
هذا بالنسبة الى جمهور السينما وجمهور "كان" العادي. اما بالنسبة الى اهل السينما انفسهم فإنهم لن يفوتهم على الفور معرفة من هو صاحب هذه العبارة، ولماذا هي هنا... بالايطالية تحديداً. انه، طبعاً، فدريكو فيلليني، احد اكبر سحرة الفن السابع في القرن العشرين. والفنان الذي رحل قبل عشر سنوات، وها هو مهرجان "كان" يحتفل بغيابه عبر ملصقه ولكن ايضاً عبر الكثير من الفاعليات الاخرى عرض افلامه المرممة، نشر موسيقاه في كل مكان... الخ.
من ناحية مبدئية، يمكن القول ان الاحتفال بفيلليني في "كان" امر طبيعي، طالما ان "المايسترو" لطالما احب هذا المهرجان وخصه بأحلى اعماله. ولكن ضمن الاطار العام للدورة السادسة والخمسين لأكبر مهرجان سينمائي في العالم، سيبدو الامر وكأنه حضور فيلليني، هو جزء من حضور الماضي وطغيانه على الدورة ككل: ففيلم الافتتاح، حتى ولو كان من انتاج العام الحالي، فإنه مجرد اعادة انتاج لفيلم فرنسي كلاسيكي قديم. ولم يفت حضور حفلة الافتتاح ان يلاحظوا هذا، بل ان بعضهم ابدى اسفه لأن "فان فان الزنبقة" الجديد لم يكن على مستوى القديم على رغم وجود بنيلوبي كروز فيه. تساءل واحد: ولماذا لم يعرض القديم وله مكانته المعروفة في تاريخ السينما؟
وفي حفلة الختام قد تكون النسخة التي ستعرض من فيلم شارلي شابلن "الأزمنة الحديثة" جديدة تماماً ورقمية ومغرقة في حداثتها. لكن الفيلم قديم، عمره اكثر من سبعين عاماً. وهذه هي المرة الوحيدة التي يعرض فيها فيلم قديم على هذا النحو في مهرجان "كان" في الحفلة الختامية.
ثم، اذا تجولت في اروقة المهرجان وقصر من يطالعك؟ جان كوكتو، الشاعر والكاتب والسينمائي الراحل قبل اربعين عاماً. وها هو "كان" يكرمه بدوره.
في اختصار هي التفاتة حقيقية الى الماضي، فهل هي التفاتة التقدير لمن اسسوا هذا الفن ومكانته، ام هي التفاتة الحنين الى عصر ذهبي؟ هنا ايضاً يتنوع الجواب بتنوع وجهة النظر.
ووجهة النظر السائدة حتى الآن، ونحن لم نتجاوز سوى اليوم الاول للمهرجان، هي ان هذه الدورة قد لا تحسب، لاحقاً، في تاريخ "كان" كواحدة من دوراته الاكثر زهواً وانطلاقاً.
هل هي الحرب التي صدمت الناس قبل اسابيع؟
هل هي الازمة الاقتصادية العامة الخانقة؟
هل هو الصراع الخفي بين اميركا وأوروبا؟
ام هي الوضعية التي تعيشها السينما نفسها الآن... وتداعيات وجودها في خضم مرحلة انتقالية؟
احوال العالم
كل هذا ممكن... بل كل هذا يشكل جزءاً من الواقع الملموس. ومن هنا لم يكن باتريس شيرو، المخرج الفرنسي ورئىس لجنة التحكيم، بعيداً من الصواب حين سئل: لماذا، بعد كل شيء، تذهب الى "كان"؟ فأجاب: لكي اطلع على احوال هذا العالم.
فدورة "كان" الحالية هي اقرب ما تكون الى صورة لأحوال العالم، في الشكل وفي الجوهر. ولا نعتقد ان هذا الواقع يتنافى مع ذلك الحضور القوي للتاريخ ولتاريخ السينما، منذ اول نظرة تلقى على الملصق، حتى آخر لقطة من فيلم الختام.
اذ، في الجوهر، وعلى ضوء ما يحدث في هذا العالم منذ "11 ايلول سبتمبر" وحتى "حرب العراق"، من الواضح ان المرء بات في حاجة الى التقاط انفاسه. وهذا من الصعب ان يتوافر إلا في الماضي، لدى كبار هذا الماضي من الذين طرحوا على الكون اسئلة، قد كانت آنية في بعض الاحيان، لكنها في غالبية هذه الاحيان كانت انسانية شاملة. وعلى ايديهم وصل الفن السابع الى ذراه.
اما في الشكل، فالأمر صحيح ايضاً. ويمكن باتريس شيرو ان يطمئن. ذلك ان السينما التي تقدمها دورة "كان" الراهنة، هي سينما ستطلعه حقاً على احوال العالم، وكذلك على احوال سينمات غير معروفة في هذا العالم.
ولكن قبل ذلك قد يكون من الافضل الاطلاع على آخر اخبار الجمال في هذا العالم. وهذا الامر يضمه منذ الآن حضور بنيلوبي كروز ونيكول كيدمان وميغ رايان... ثم خصوصاً مونيكا بيلوتشي، التي بعدما لعبت دور الفضيحة في دورة العام الماضي، ها هي هذا العام تتسم برداء "ست البيت" لترعى حفلتي الختام كما رعت حفلة الافتتاح. ولئن كان الصحافيون بدأوا منذ الآن بأفلامهم وآلات تصويرهم يتوزعون من حول هذا النوع من النجمات الحسناوات، فإن من يهتم بالسينما منهم اكثر، سيبحث عن السينمائىات، المتكاثرات الى حد ما هذه المرة، ليسألهن عن احوال العالم، لا عن احوالهن الخاصة. ويقيناً منذ الآن ان التجمع اكثر سيكون حول الايرانية الصبية سميرة مخمالبوف 23 سنة التي تعود الى "كان" للمرة الثالثة بفيلم يشارك في المسابقة الرسمية هو "عند الساعة الخامسة بعد الظهر" وهو فيلم لا ينتمي الى سميرة بقدر ما ينتمي الى تلك المؤسسة السينمائية العالمية التي يديرها ابوها المخرج المعروف محسن مخمالبوف. والفيلم تدور احداثه في افغانستان، عشية سقوط نظام "طالبان"، حول فتاة تتعلم بالتدريج كيف تحوز حريتها. وسميرة تتنافس في المسابقة الرسمية مع فتاة اخرى، يابانية هذه المرة هي نعومي كاوازي 34 سنة التي سبق ان حققت حضوراً وفوزاً في "كان" وفي غيره. اما هنا فإنها تقدم فيلمها "شارا" وهو دراما عائلية عن اختفاء فتى من اسرة تعيش من صناعة الحبر الصيني، ذات يوم. وبعد سنوات سيعرف شقيق الفتى التوأم ما حل بأخيه المختفي، وسط تراكم احداث ومواقف قاسية.
قضايا... قضايا
من خلال هذه الحكاية سيمكن المتفرج ان يعيش احوال المجتمع في اليابان، وأحوال الشبيبة حين تجد نفسها منزوعة السلاح امام ماض يحكمها ولا يمكنها ان تتحكم هي فيه، إلاّ بطرده نهائياً من حياتها.
ومن الولايات المتحدة، التي لا تحضر بقوة هذا العام، إلا من خلال ملصقات الدعاية لأفلامها المقبلة، وفي مقدمها ملصق "رجل الدمار 3" الذي يشغل واجهة فندق بأكمله، يأتي غاس فان سانت بأخبار الشبيبة القاتلة، من خلال فيلم روائي يستعيد حكاية كلية كولومباين والجريمة الجماعية التي وقعت فيها - وهي الحكاية نفسها التي بنى عليها مايكل مور في العام الفائت فيلمه "بولنغ كولومباين" - فيلم فان سانت عنوانه "فيل"، وهذا الفيلم ليس الحيوان الوحيد في عناوين افلام هذا العام: هناك "فراشة" ارجوانية في فيلم صيني، و"أرنب" بني في فيلم فنسانت غالو الاميركي، ومدينة "كلب" في فيلم الدنماركي لاسما فان تراير وهو الفيلم المنتظر اكثر من اي فيلم آخر وزمن ل"الذئب" في فيلم النمسوي مايكل هانيكي.
واذا كانت سميرة مخمالبوف تضعنا في فيلمها على تماس مع القضية الافغانية، وهو نفس ما يفعله فيلم آخر، هو افغاني المخرج هذه المرة عنوانه "اسامة" ويعرض في تظاهرة "اسبوعي المخرجين"، واذا كان فان سانت يعيدنا الى العنف في المدارس الاميركية، فإن المخرج ريني بان، يحدثنا عن آلة القتل التي كانتها جماعة الخمير الحمر في كامبوديا لعقدين خليا. بينما يضعنا ناني موريتي في عدد من افلامه القصيرة المعروضة معاً، في قلب الراهن الايطالي. في المقابل يأخذ اندريه تيشيني بيدنا الى زمن الحرب العالمية الثانية ليصور هروب ام وولديها من جحيم الاحتلال الألماني والتقاءهم معاً بفتى غريب يساعدهم في الهرب وفي الحياة الجديدة، لكن غموضه يعذبهم، ثم يعيدنا الياباني كيوشي كوروساوا، الى زمننا الراهن، ولكن الى اليابان حيث يقدم شابان على جريمة عبثية لمجرد تخليص رئيسهما في المطعم الذي يعملان فيه من بؤس حياته العائلية. وهذا نوع من الجرائم يقال لنا انه تكاثر في اليابان اخيراً، بحيث بات يشكل ظاهرة اجتماعية مرعبة.
ديكتاتور يوسوكوروف
غير ان حرقة الراهن وإلحاح الماضي على هذا النحو، لا يمنعان الكثير من المخرجين من ان يدنوا في افلامهم من أبعاد إنسانية تبدو وكأنها تغيب اكثر وأكثر عن سينما اليوم... ما يبرر بالطبع هذه العودة الى فلليني وكوكتو وشابلن على اية حال.
فمن البرازيل يحمل إلينا المخرج المخضرم هكتور بابنكو فيلمه "غارانديرو" المتمحور حول طبيب شهير يلحق بسجن ليشرف على صحة السجناء، فيتعلم دروساً في الإنسانية لم يسبق له ان تعلمها في اي مكان آخر، ومن فرنسا يأتي الشيلي راؤول رويز ليقدم حكاية سويسرية عن الجنون والجمال. ورويز صار منذ اكثر من ربع قرن من الوجوه المألوفة في "كان"، اذ عرض هنا معظم ما أنتجه خلال تلك الحقبة كلها. وهو في هذا الإطار يعتبر من "اعضاء نادي كان" الدائمين مثله في هذا مثل آخرين يحضرون بأفلامهم في هذه الدورة. فهناك، مثلاً، الإنكليزي بيتر غريناواي، الذي غاب خلال السنوات الأربع المنصرمة، اي بعد الإخفاق الذي كان من نصيب فيلمه "ثماني نساء ونصف"، ليعود الآن في فيلم شديد الغرابة، ويبدو انه يعد بالكثير. والفيلم هو الجزء الأول من ثلاثية عنوانها "حقائب تالس لابسر" ويبدو ان غريناواي يريد من خلال هذه الثلاثية ان يؤرخ للقرن العشرين وأخلاقياته، من خلال حكاية كاتب مجرم منذ طفولته يدور من سجن الى سجن في شتى انحاء العالم. وهو يمضي وقته في الكتابة على الجدران وفي اختراع الحكايات والمشاريع الأدبية والمسرحية والفنية. اما الأهم في حياته فهو 92 حقيبة وزعها في اماكن متفرقة من العالم وظل يوزعها بين عامي 1928 و1989. ترى، ما سر هذه الحقائب؟ منذ الآن ليس ثمة وعد بأن يكشف الفيلم عن هذا السر، لكن الفيلم في المقابل قد يعيد الى غريناواي اعتباراً فقده منذ زمن، هو الذي كان صاحب بدايات رائعة في افلام مثل "جريمة في حديقة انكليزية" و"غرق بالأرقام" و"بطن المهندس"...
من معتادي "كان" ايضاً الروسي ألكسندر سوكوروف، الذي اذ يحمل الى "كان" هذه المرة فيلماً عن ابن وأبيه يعيشان وحيدين في شقة يخلقان داخلها عالمهما الخاص وطقوسهما الخاصة، يبدو كأنه اجّل من جديد مشروع استكمال ثلاثيته عن ديكتاتوريي القرن العشرين. وهو كان بدأ الثلاثية بفيلم عن "هتلر" ثم بثانٍ عن "لينين" وكان من المفروض ان يكون الثالث عن "هيروهيتو". بل كان هذا ما اعلن عنه لدورة "كان" السابقة وإذا بسوكوروف يقدم فيلماً استثنائياً غريباً يتحدث عن تاريخ روسيا في لقطة واحدة طولها تسعون دقيقة وصورت كلها داخل متحف الأرميتاج في بطرسبرغ. الفيلم الجديد وعنوانه "اب وابن" يبدو الى حد ما بعيداً من عوالم سوكوروف، لكنه وإلى حد ما ايضاً، يبدو قريباً من عوالم استاذه الراحل اندريه تاركوفسكي.
بين ايستوود وممثليه
هذا النوع من العلاقات الإنسانية، وإن لم يكن بين اب وابنه هذه المرة، نجده في الفيلم الجديد لكلينت ايستوود، الذي يفضل هنا، مرة اخرى، ألا يمثل في فيلمه تاركاً مهمة القيام بأدوار الفيلم الرئيسة لثلاثة من كبار هوليوود: شين بن، تيم روبنز، وكيفن بيكون. وإيستوود الذي كان البعض توقع منه ان يقاطع المهرجان تضامناً مع سياسة بلده، وهو المرتبط عادة بهذه السياسة، حضر، وحضر بقوة... شخصياً وعبر فيلمه الذي يحمل عنوان "مستيك ريفر" على اسم نهر اميركي صغير تدور الأحداث غير بعيد منه، والأحداث تتمحور حول جريمة قتل تجمع بعد فراق سنوات طويلة، رفاق صف واحد لم يلتقوا إلا الآن ليقرروا التحقيق معاً في مقتل ابنة واحد منهم.
الطريف في امر هذا الفيلم انه صور خلال فترة كان السجال فيها محتدماً في أميركا بين دعاة شن الحرب على العراق ومناوئيهم. ويحق للمرء ان يتساءل اليوم كيف دارت الأمور على ضوء هذا الواقع بين مخرج الفيلم ايستوود المؤيد لبوش والحرب، وبين نجومه الذين يقف اثنان منهم على الأقل بن وروبنز ضد الحرب وضد بوش بصلابة وعنف؟
من معتادي "كان" ايضاً تيم فندرز الغائب منذ زمن مع هذا، واليوم ها هو يقدم فيلماً عنوانه "روح الإنسان" يعرضه خارج المسابقة وهو تسجيلي يغوص في موسيقى الجاز والبلوز وفي اعمال سكيب جيمس وبلايد ويلي جونسون وج.بي. لينوار، ليس فقط لكي يحكي عن الموسيقى بل ايضاً عن التاريخ، ومع هذا فالفيلم "شخصي جداً" يقول فندرز مضيفاً انه إنما اراد تقديم سيرة ذاتية له من خلال الأغاني والموسيقى التي يحبها. حسناً؟ ويبقى السؤال: الى متى سيظل صاحب "باريس - تكساس" و"الصديق الأميركي" بعيداً من "كان" كمخرج افلام روائية؟
كلود ميلر، زميله الفرنسي لم يبتعد، هو، كثيراً، إذ بعد خمسة اعوام من فوزه بجائزة النقاد في "كان" عن فيلمه "صف الثلج"، ها هو يعود بفيلم جديد في المسابقة الرسمية. لكنه هذه المرة اختار ان يقتبس "القبرة" لتشيكوف تحت عنوان جديد هو "الصغيرة ليلي"... ومن الواضح ان ميلر الذي لطالما اعتاد ان يحقق افلامه على مقاس بطلاته، يحقق هذا الفيلم الآن على مقاس الحسناء الجديدة لوديفين سانييه، التي يتنبأ لها كثر بمستقبل كبير، بل ثمة ممن شاهدوا فيلم ميلر الجديد من يذكر اسمها كمرجحة للفوز بجائزة احسن ممثلة في دورة "كان" لهذا العام.
"ماتريكس" ... الحدث!
وميلر ليس الفرنسي الوحيد في الاختيارات الرسمية الكافية لهذا العام. هناك ايضاً مواطنه فرانسوا اوزون الذي يريد الآن وبفيلمه الجديد "المسبح" ان يحقق لنفسه مكانة فنية مهرجانية، بعدما كان حقق قبل عامين مكانة جماهيرية بفيلمه "ثماني نساء". و"المسبح" هو فيلم عن مواجهة بين امرأتين إحداهما كاتبة روايات بوليسية شارلوت راميلنغ والثانية شابة حسناء هي ابنة عشيقها وناشرها لوديفين سانييه مرة اخرى في المهرجان نفسه. وهذا الفيلم من الأعمال المطروحة جدياً منذ الآن لجائزة ما. لكنه لكي يفوز سيكون عليه ان يجابه مجموعة اعمال يبدو انها من القوة بحيث ان الحديث عنها سيكثر خلال الفترة المقبلة. والمفاجئ في هذا السياق هو فيلم التركي نوري بيلغي جيلان "مسافة" الذي سنعود الى الحديث عنه بالتفصيل لاحقاً. ومثله في هذا "دوغفيل" للارس فان تراير، الذي فاز مرات عدة في "كان" من قبل.
ومنذ عرض "بولنغ لكولومباين" لمايكل مور في العام الفائت، يبدو ان الأفلام التسجيلية باتت تستهوي اهل "كان"، إذ ها هو ذا فيلم بعنوان "ضباب الحرب" يعرض لإيرول موريس. وموضوعه حرب فييتنام ومواقف وزير الدفاع الأميركي القديم روبرت ماكنامارا. والفيلم عن "الخمير الحمر" تسجيلي بدوره. وهناك في المجال التسجيلي ايضاً فيلم عن حياة شارلي شابلن لريتشارد شيكل، احد كبار مؤرخي السينما الأميركية.
وماذا بعد؟
كل هذا غيض، حتى الآن، من فيض مهرجان يحاول من جديد ان يؤكد كينونته الدائمة كنشاط سينمائي معلق بين عالمين: الماضي والحنين إليه، والمستقبل واكتشاف من سيكونون فيه اصحاب الأسماء الكبرى. وفي يقيننا ان دورة هذا العام ستنجح في هذا المجال بالتحديد، ليبدو المهرجان هذه المرة، معلقاً بين زمنين، مع اهتمام سياسي حاد بالزمن الراهن. وهو في هذا سيبدو شبيهاً بالفيلم الذي من المؤكد انه سيشهد الإقبال الأكثر حرارة: فيلم "ماتريكس" الثاني، الذي يراد له منذ الآن ان يكون حدث المهرجان، وسط صخب إعلامي كبير يكاد للأسف يطمس افلاماً اخرى، من المؤكد بالنسبة إلينا ان بعضها سيكون حدث المهرجان حقاً... بل حدث السينما لعام مقبل من الزمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.