سجل الشعر في الساحة الثقافية الاماراتية غياباً حقيقياً في الآونة الاخيرة، واجهه نشاط في المناحي الثقافية الأخرى: المسرح والقصة القصيرة والفن التشكيلي. ترى، ما سبب هذا الغياب؟ هل هو تراجع للشعر نفسه الذي أضحى كائناً مستهجناً في عصر الفضائيات والانترنت والتكنولوجيا الصاخبة؟ أم أن الشعر لم يعد قادراً على أن يعبّر عن الأحوال التي يعانيها الإنسان المعاصر؟ وفي حديثنا مع بعض الشعراء الاماراتيين، تساءلنا عن مدى تأثير الظروف الأخيرة، وما مرت به المنطقة من أزمات، في هذا الغياب. الشاعر أحمد منصور اعتبر ان الأجواء التي مرت بها المنطقة، كان لها أثر مؤجج، يحض على الشعر. ولكنه لفت الى توجس الشعراء من الوقوع في المباشرة، او المنبرية. وأضاف: "كثير من الأصدقاء يقرأون الشعر، ويحتفون به. ولكنهم يحتفظون بفهم حذر للخطابة". وفي المقابل، لحظ منصور ان الشعر لا يزال على هامش الاهتمام الرسمي و"يتجلى ذلك، عندما تعقد مقارنة بين الشعر والمسرح، إذ يجد الثاني دعماً مادياً ولوجستياً، متمثلاً في تأسيس الكثير من الجمعيات والنوادي المسرحية، في حين تفرض على الشعر الاقامة في هامش النشاط الثقافي". واستطرد: "لم يعد هناك مكان للثقافة الحقيقية، المتجذرة، أو لأصحاب الرؤى الفكرية الجادة. انهم غرباء تماماً. لهذا كله، تسهل ملاحظة انطفاء الشعر، وذهاب جذوته الى الانطفاء". أما الشاعر خالد بدر الحائز جائزة يوسف الخال، فأعاد اسباب غياب الشعر الى ما تمر به المنطقة من أحداث، مؤكداً ان الظروف العامة منعت من حضور اي نشاط ثقافي، بما في ذلك الأمسيات الشعرية. ولكنه استدرك قائلاً: "انه من الممكن ان تكون الجهات التي تتولى تنظيم الأمسيات الشعرية مسؤولة، بطريقة ما، عن هذا الغياب". وأضاف: "ينبغي الاعتراف بأن الشعر غير موجود كمادة اساسية في "أجندات" المؤسسات الثقافية. وان الاحتفاء به يظل ذا صبغة مناسباتية. وفي التخطيط الثقافي العام، فالشعر مجرد امسيات، وليس منشطاً ثقافياً أساسياً". الشاعر احمد راشد ثاني رفض اعتبار غياب الشعر ظاهرة مرتبطة بحدث راهن. وقال ان جذور الظاهرة تعود الى ثمانينات القرن المنصرم، عند تأسيس اتحاد الكتاب، وظهور الملاحق الثقافية. في هذه الفترة - يقول - بدأت ملامح الحال الثقافية الاماراتية تأخذ شكلها الأكثر نضجاً، وحضر بقوة شعراء قصيدة التفعيلة والنثر، على رغم ان ما يكتبونه كان مخالفاً للذائقة العامة والسائدة. وبعد التئام اعضاء جمعية اتحاد الكتاب العمومية، ومعظمهم من كتاب القصة القصيرة، ارتأى هؤلاء الانشغال بتقديم القصاصين الجدد، على حساب شعراء القصيدة الحديثة، درءاً للاحراج. صحيح ان القصة القصيرة كانت حديثة هي الأخرى، ولكن المجتمع كان اقل حساسية تجاهها. ومع ان قصيدة التفعيلة اصبحت مكرسة، في التسعينات، فقد ظل الحرج قائماً في الكثير من المؤسسات الثقافية المعنية، ما أدى في نهاية المطاف الى غياب الشعر. الشاعر حبيب الصايغ، تحدث عن صعوبة كتابة قصيدة في ظل الظروف الراهنة، "التي يعجز حتى رسام الكاريكاتير عن معالجتها". الوضع الآن - يقول - عجائبي تماماً، وعصي حتى على الشعراء الكبار، على قلتهم. واستطرد: "قبل أيام، استذكرت الشعراء العراقيين الذين ماتوا بعيداً من جذورهم، البياتي والجواهري وجان دمو وغيرهم. ولا أعرف لماذا خطر لي انهم ماتوا لأنهم لم يحتملوا كتابة المزيد من القصائد. اننا نعيش في بيئة غير شعرية على الاطلاق. حتى قصائد الحب لا تبدو الآن ممكنة. لهذا، الشعراء الحقيقيون واقعون في ورطة كبرى، فهم امام حقيقتين" موضوعية وذاتية. والانصراف عن اي منهما الى الاخرى، لن يكون ممكناً الآن، لأن الأولى أكبر من السؤال الشعري، ودسها في القصيدة هو تصرف عبثي محض، لا جدوى منه. اما على المستوى الذاتي، فتبدو الحال أكثر تعقيداً". في الفترات الأخيرة، كتبت قصائد لم تكتمل. ولم أشعر بالحال التي كانت تراودني، في السنوات الماضية، عندما كنت انهمك في كتابة قصيدة. اقصد الغيبوبة الخفيفة، التي تعني ان الشاعر كامن في قصيدته. هذه الحال تبدو لي الآن بعيدة جداً. قد يقع امر ما، يفجر ما راكمته تجارب الشاعر، ويعيد اليه لياقته الشعرية. وأعتقد ان الحدث العراقي من هذا النوع. ونفى الصايغ ان تكون هناك اي علاقة بين غياب الشعر وغياب الاهتمام الرسمي به... "لأن الشاعر لا ينتظر أمراً من أحد حتى يكتب، أو يتوقف عن الكتابة"، واذا كان هناك نشاط في وجوه ثقافية اخرى، "فلأن أداة القاص أو المسرحي أو الموسيقي أو التشكيلي، مختلفة نوعياً عن اداة الشاعر... وهي الأصعب ولا ريب". التساؤلات التي طرحها الشعراء، هي ذاتها التي حملناها الى رئيس مجلس ادارة اتحاد الكتاب الاماراتيين، القاص حارب الظاهري، الذي أكد ان الشعر يأتي على رأس قائمة اهتمامات الاتحاد، نافياً ان يكون هناك اي تأثير للحرب في الحركة الثقافية الاماراتية. وعن "اللامبالاة" التي تبديها المؤسسات الثقافية تجاه الشعراء، قال: "نعرف جميعاً الحساسيات بين الشعراء والقصاصين. لكن ذلك لا يعني ان ما تنطق به هذه الحساسيات صحيح دوماً. فقد شهدت برامجنا الكثير من الامسيات الشعرية. ونحن مواظبون على اقامة الجديد منها، ضمن حرصنا على ان يكون ذلك بالتوازي مع النشاطات الأخرى. واذا كان الظاهري اقر عدم وجود دعم للشعراء، مقارنة بما تحظى به المناحي الثقافية الأخرى، فهو فسر ذلك قائلاً ان معاناة المسرح الاماراتي، في ظل قلة عدد الكتاب والعاملين فيه، هي ما يملي توفير المناخ الملائم الذي يشجع على التوجه اليه. أما الشعر، فلا يبدو محتاجاً الى مثل ذلك. أنظر الى المسألة من الجانب العددي، وستكتشف الفارق".