خمس سنوات لإعمار العراق " عشر سنين يفترضها الاميركيون لبقاء قواتهم في العراق الجديد = جزرة كبيرة تستحق توجيه دعوة الى الاسرائيليين: أهلاً بكم، ابواب البلد مشرّعة لاستثماراتكم وسيّاحكم، وجنان من الفرص الذهبية لاقتصادكم المريض. صاحب الدعوة نائب وزير الخزانة الاميركي جون تايلور، وهو أطلقها من على ضفاف البحر الميت، من دون تردد او خجل، او ستر الهدف، اي انقاذ الاقتصاد الاسرائيلي، فيما ملايين من العراقيين لم يجدوا بعد وسيلة لتأمين قوتهم. سبق تايلور في العزف على وتر "العراق الجديد" من دون مراعاة لجروح شعبه الذي يواجه الاحتلال بعد الديكتاتورية، وزير المال الاسرائيلي بنيامين نتانياهو المتفائل بتدفق نفط كركوك على حيفا قريباً. الاول يستبيح ارضاً يحتلها، ويدعو من لا يزال عدواً في وجدان معظم اصحابها، الى مشاركته غنائم الحرب... أليست قمة الوقاحة، فيما الثاني يستفز العراقيين ومعهم جميع العرب، لأنه قادر بكل بساطة على "التعاقد" مع الاحتلال؟ ولئلا تُتهم واشنطن بالأنانية، ها هو تايلور يوجه دعوة اخرى الى الاسرائيليين للمشاركة في اعمار العراق، كأنه يضع الحجر الاساس لمشروع مارشال اميركي يهودي في بلد عربي تغنيه ثرواته وكفاءات أهله، عن "حسنات" الولاياتالمتحدة، و"هبات" الآتين من ارض سرقوها، فاكتسبوا خبرة تؤهلهم لنهب أرض أغنى. لسانهم يدينهم، والغزو الاسرائيلي للعراق، بعد الاميركي، برؤوس الاموال والتكنولوجيا، لم يعد مجرد هواجس منبعها اشاعات ومبالغات، بل مشروع خبيث سيتسلل الى جسد العراقي ووجدانه تحت حراب الاحتلال، لتحطيم هويته القومية، واستخدامه لاحقاً رأس حربة في طعن اشقائه. واذا كانت فضيحة تايلور تكاد ان تعادل "عراق غيت" ثانية، بعد ما آلت اليه فضيحة التلفيق والتضخيم في تقدير خطر الاسلحة المحظورة التي امتلكتها بغداد قبل الحرب، او حاولت تطويرها، فإن فتح بازار المشاريع امام الدولة العبرية في غياب سيادة البلد المحرر من صدام حسين، يغيّب ارادة العراقيين، ويعطي دليلاً جديدا على نيات الاحتلال الذي صوره الرئيس جورج بوش ممراً وحيداً الى الدولة الديموقراطية الفاضلة. ربما فات نائب الوزير الاميركي الذي كشف طموحاته في حضور حاكم العراق بول بريمر "ممثلاً" لهذا البلد في المنتدى الاقتصادي على ضفاف البحر الميت، ان الصراحة الوقاحة ستصبّ الزيت على نار العداء للاحتلال، وتمنح المقاومة سلاحاً فتاكاً في مواجهة "التحالف"، ألا وهو تعبئة العراقيين في صفوفها سريعاً. والمدهش ان الاميركيين أنفسهم يتبرعون في كشف الخديعة، واحدة تلو اخرى، مثلما أبدعوا في استعداء كل القوى السياسية التي حالفتهم لإطاحة صدام، ثم اكتشفت قبل ان يتبدد بارود الحرب ودخان حرائقها، كيف كانت مطية للغزو، وباتت مقراتها في بغداد أقل حصانة من مخابئ اللصوص! لا بأس على العراقيين، خصوصاً الفقراء منهم، فالاسرائيليون يبشّرونهم بتكنولوجيا متفوقة، وبأفواج من السياح تخرّج لهم جامعة حيفا مرشدين، كأن البلد المنكوب بالحروب، اكتشف العلة: العداوة لليهود، واهمال الآثار! يحدث ذلك بينما الحاكم بريمر لا يتوانى كل يوم عن تحطيم آمال من كانوا معارضين لصدام، بالمشاركة في صنع الدولة الجديدة، ولا يتردد عسكر الاحتلال في استباحة حريات المواطنين ومنازلهم، بحجة تعقب فلول النظام السابق. هؤلاء، لا يكفّ الرئيس جورج بوش عن تذكيرهم بأنه صاحب الفضل في منحهم "الحرية"، فيما يتناسى هو وإدارته، القوانين الدولية التي لا تبيح لأي قوة محتلة ان تتعاقد او تتصرف باسم مَن تخضعهم. أوليس تشجيع الاسرائيليين على اقتسام كعكة العراق، طعنة لأهله بخنجر يهودي؟... فرضاً لتطبيع بالقوة، كأنه بعض ثمن "التحرير"؟ ذاك آخر عشرات الأمثلة على الطيش الاميركي الذي يستضعف ملايين من البشر ويغريهم بجزرة ديموقراطية، لا أحد يتخيل لها حتى الآن سوى شكل الوليد المعاق، وربما الأخرس... بدليل أن بريمر لا يريد لها صوتاً إلا على أوتار "التحالف"، والتحالف في قاموس المصالح لدى تايلور يعني شراكة اميركية اسرائيلية. بعد كل ذلك، ألا يحق لاؤلئك الملايين ان يقلقوا على مصيرهم، في بلد خطفه الحكم البائد، ودمّرته حرب "التحرير"، وتهدّده مشاريع الإعمار بغزو اسرائيلي، عسكره رجال الاعمال والسيّاح؟