1 هل كان صدام حسين كما وصفه الرئيس بوش "جلاداً وقاتلاً وطاغية"؟ أجل انه كذلك. كان عهده يفوق التصور في بشاعته وكان يتجاوز بكثير ما هو مطلوب لإبقاء الشعب مستكيناً. كان سادياً فعلاً شأنه شأن أولاده وشأن الكثيرين من حوله. فالقتل والخطف والجلد والاغتصاب أمور عادية في سجونه المريعة. كانت الألسن تقطع إذا ما زلّت وأي شك في الولاء جزاؤه حكم بالموت. فقد تسلق الى رأس السلطة فوق أجساد رفاقه وظل كذلك طوال عهد من الرهبة والرعب. 2 هل كانت هذه الأسباب هي التي دعت أميركا وبريطانيا لشن حرب عليه؟ كلا... فسجله كان معروفاً تماماً، ولكنه ما دام يخدم مصالح الغرب كان يحظى بغض الطرف عن تجاوزاته لحقوق الانسان وعن وحشيته. فخلال ثماني سنوات مخضبة بالدماء، بين 1980 و1988، حارب صدام جمهورية ايران الاسلامية من أجل احتواء التهديد الذي يشكله آية الله الخميني واتباعه للوضع السياسي في الخليج... وكان طوال هذه الفترة يتلقى الدعم بالسلاح والمال والمعلومات السرية من جانب الدول الغربية ودول الخليج. كان سفيره يعتبر الصديق الحميم المدلل في واشنطن، كما كان ممثلوه يستقبلون بالحفاوة، والشيكات، في لندن وباريس. ولقد باعته الشركات الغربية المواد الأولية اللازمة لصنع الأسلحة غير التقليدية. وحين ألقى غاز الخردل على الأكراد في حلبجة اتجهت أنظار الغرب الى ايران. اذن فالغرب لم ينظر الى صدام حسين على أنه مصدر خطر إلا بعد انتهاء الحرب مع ايران وبعد اجتياحه الجنوني للكويت. عندها اعتبر صدام مصدر تهديد للنظام السياسي المدعوم من الغرب في الخليج وللمصالح النفطية، وكذلك لاسرائيل. لذلك اعلنت الحرب عليه عام 1991 ثم جرى حصاره طوال 13 عاماً وتطبيق أقسى العقوبات على بلاده لأنه ظل صامداً ومتحدياً. لذلك قامت واشنطنولندن وبتحطيمه وتحطيم نظامه في حرب ثانية عام 2003. 3 هل كانت الحرب ضد العراق مشروعة؟ كلا... لم تكن كذلك. فقد أعلنت هذه الحرب بناء على أسباب وذرائع احتيالية زائفة بحيث اعتبرت خرقاً لميثاق الأمم املتحدة. فلم يكن الادعاء بأن صدام يملك أسلحة دمار شامل سوى ذريعة للقيام بعمل عدواني. كذلك فإن اتهامه بإقامة علاقات مع أسامة بن لادن لم يكن سوى كذبة اخترعتها ادارة بوش. وكانت نتيجة الحربين وما أغرقتا به العراق من صواريخ لا يحصى عددها وقنابل عنقودية وقنابل اليورانيوم المنضب، ومن تدمير للبنية التحتية، اضافة الى سنين طويلة من العقوبات في الفترة ما بين الحربين، كانت النتيجة ان قتل من العراقيين أكثر بكثير مما فعل صدام، الى حد دفع اثنين من كبار المسؤولين في الأممالمتحدة الى تقديم استقالتهما تعبيراً عن اشمئزازهما من العقاب التعسفي الذي أنزلته أميركا بالعراق. 4 هل يضمن اعتقال صدام إعادة انتخاب بوش في تشرين الثاني نوفمبر 2004؟ لا شك انه سيساعد في عملية الانتخاب، وذلك لأن بوش لم يترك مناسبة إلا ووصف صدام بالشيطان الأكبر كي يجعل النزاع شخصياً، حتى أصبح ينظر إليه كمعركة بين الرئيس العراقي وعائلة بوش الأب والابن. ولا شك أن بوش باعتقاله لصدام وتكليف وكالة الاستخبارات المركزية باستجوابه سجل انتصاراً أكيداً، على الأقل بالنسبة الى الرأي العام الأميركي. ولقد نادى الرئيس بوش بإنزال أقصى عقوبة بصدام، أي الإعدام... ليس هنالك من حكم أكثر حسماً ومن انتصار أكثر اكتمالاً في هذه المرحلة من الحرب التي آلت الى نهايتها. وقد اعترفت أوروبا بهذا التقدير للموقف بما في ذلك الدول المناهضة للحرب، وانتهزت فرنسا وألمانيا هذه الفرصة لاصلاح علاقاتهما مع واشنطن ووافقتا على شطب جزء من ديونهما على العراق طمعاً في الحصول على نصيب من عقود إعادة إعمار العراق. ولكن الأمور قد تتطور بين اليوم وتشرين الثاني 2004، فإذا ما استمرت المقاومة واستمر سقوط القتلى في صفوف الجيش الأميركي المحتل فإن ذلك سيجعل انتصار بوش آنياً وسطحياً، وقد يؤدي ذلك الى إضعاف موقفه في المعركة الانتخابية. 5 هل تستمر المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي على رغم إبعاد صدام عن المسرح؟ الجواب على هذا السؤال سيكون على الأرجح ايجابياً، وان كان الأمر يتوقف الى حد كبير على كيفية تصرف الاميركيين. فصدام لم يكن زعيم المقاومة لأن معظم العراقيين يكرهونه. أما وقد أفقدته الحرب السلطة فقد راح يلجأ الى المخابئ خوفاً من شعبه ومن الأميركيين. فالمقاومة العراقية إذن لم تكن من أجل اعادته الى السلطة وانما من أجل طرد أميركا. فالاحتلال يولد التمرد، وقد وضح ذلك منذ اليوم الأول للاحتلال وما زال كذلك حتى الآن. أما وقد تخلصت المقاومة من شبح صدام فسوف تبدو الآن أكثر وطنية وأكثر مشروعية، وبالتالي فقد ينضم اليها آخرون فتصبح أكثر فاعلية من ذي قبل. على ان من الصعب التنبؤ بالأسلوب الذي ستسير عليه المقاومة وبمدى فاعليتها وذلك نظراً لكونها تضم أطيافاً متعددة وذات دوافع مختلفة دون قيادة موحدة ودون زعامة سياسية واضحة. فما هي أهدافها باستثناء طرد الأميركيين؟ وأي حكومة ترغب بتنصيبها؟ تلك أسئلة لم تجد بعد أجوبتها. ولعل السؤال الأساسي الذي يطرح هو عن موقف الطائفة الشيعية، أو على الأقل بعض العناصر المقاتلة في صفوفها وما إذا كانت سوف تشارك في حمل السلاح ضد قوات التحالف أم لا. فهنالك نظرية طالما ترددت أصداؤها ومفادها بأن أهل الشيعة لم يحاربوا أميركا خلال الأشهر الثمانية الماضية لأنهم لم يرغبوا في الظهور وكأنهم يقاتلون من أجل الطاغية الذي قمعهم. أما وقد زال من المسرح فقد زال معه امتناعهم عن الاشتراك بالمقاومة. وأما التكتيك الجديد الذي لجأ اليه الجيش الأميركي أي زيادة الاعتماد على المخبرين ومهمات الترصد والتدمير، واستخدام القوات الخاصة المدربة على القتل، وتدمير المنازل واطلاق النار على المتظاهرين المدنيين، كل هذه الأساليب المنقولة عن التكتيك الاسرائيلي في الأراضي المحتلة، فمن شأنه أن يزيد من عزم المقاومة لا أن يضعفها. 6 هل أصبحت أميركا آمنة الآن وقد تم القبض على صدام؟ لعل في ذلك كثيراً من الشك بل العكس أصح، فإن صورة صدام، رئيس الدولة السابق، خارجاً من حفرة وكأنه طريد العدالة، أثارت غضباً وشعوراً بالإذلال. وأما ظهور بول بريمر وتصريحه قائلاً: "سيداتي سادتي لقد قبضنا عليه" فقد يجد قبولاً ورضى في أميركا ولكنه ينم عن صلافة وقلة ذوق في النطاق العربي. فالولايات المتحدة مكروهة في العالمين العربي والاسلامي بسبب سياسات الهيمنة والتحدي والإثارة التي تتبعها على الصعيد الخارجي، وبسبب "حربها ضد الارهاب" التي تبدو وكأنها حرب ضد الإسلام، خصوصاً بسبب تحالفها مع اسرائيل. فدعمها لسياسة شارون الوحشية ضد الفلسطينيين عاد عليها بالكثير من النقمة. وجاءت حرب العراق لتعطي بعداً جديداً لمآخذ العرب والمسلمين. فالاحتلال العسكري والقتل اليومي للعراقيين والإدارة الاستعمارية النيوكولونيالية كل ذلك يشكل جروحاً جديدة لكبرياء العرب ونيلاً من استقلالهم. ومن هنا فالرغبة في الرد على كل ذلك لا تزال قائمة لا شك في ذلك. 7 ماذا تريد أميركا من العراق؟ يقول بوش وتوني بلير حليفه الرئيسي بأنهما يريدان رؤية عراق ديموقراطي مزدهر وانهما سينسحبان بمجرد أن يتحقق ذلك. وهما يدعيان بأنهما يريدان إعادة السيادة الى العراقيين في أقرب وقت ممكن. وقد أعلنا عن جدول زمني لتسليم السلطة في نهاية شهر حزيران يونيو المقبل. لا شك ان هذه عواطف مدهشة لكنها تثير الشكوك لأنها لم تكن من أهداف التحالف من هذه الحرب. فالسؤال الذي يصح طرحه بالتالي هو: هل تريد أميركا وبريطانيا فعلاً وصدقاً رؤية عراق قوي وموحد ومستقل فعلا يحتل مكانة ومكانته في الأسرة العربية؟ أم انهم يريدون كما سعوا دائماً عراقاً ضعيفاً، خاضعاً، فيديرالياً أو لامركزياً، لا يشكل أي تهديد لمصالح الغرب النفطية أم لاسرائيل؟ الواقع ان التشكيك في النيات الأميركية أمر مشروع ما دام الجيش الأميركي لا يملك خططاً للانسحاب من العراق حتى ولو تم تسليم الحكم الى العراقيين في حزيران المقبل. وحين يسأل الناطق باسم الجيش الاميركي عن ذلك يجيب بأنه لا يستطيع ان يتنبأ بما سيكون عليه الأمر بعد السنتين المقبلتين. فالاحتلال العسكري الأميركي قد يستمر، ويتوقف الأمر على مدى فاعلية المقاومة وعلى مدى تقبل الرأي العام الأميركي لسقوط الضحايا وتصاعد التكاليف. والحاصل ان الحرب كانت خطأ كبيراً، وربما كانت حسب قول نائب الرئيس السابق آل غور أكبر خطأ في سياسة اميركا الخارجية خلال ال200 سنة الأخيرة. ولعل السؤال الأهم هو ما إذا كان القبض على صدام سيمنح أميركا الفرصة لاعلان انتصارها والخروج من العراق. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.