أعضاء العصابة الليكودية في الادارة الاميركية التي اكد وزير الخارجية كولن باول وجودها بنفي هذا الوجود تغلغلت في الجامعات ومراكز الابحاث، وأجهزة الادارة. ولا استطيع في هذه العجالة التفصيل، فأكتفي بالاشارة الى مركزين اساسيين للمتطرفين الليكوديين هما المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي جينسا ومعهد اميركان انتربرايز، فمع استثناءات قليلة بريئة فيهما توجد غالبية اسرائىلية تعمل ضد المصالح الاميركية في الشرق الاوسط، اي ضد "بلدها". "جينسا" مثل آخر على نقل التهمة الى الآخر، فهي تزعم ان تحالف الولاياتالمتحدة مع اسرائىل يضمن المصالح الاستراتيجية الاميركية، مع ان هذا التحالف جعل الولاياتالمتحدة اول بلد مكروه بين العرب والمسلمين، وعرَّض مصالحها للخطر. وفي تشرين الاول اكتوبر من السنة ألفين وزعت "جينسا" عريضة زعم موقعوها ان الفلسطينيين مسؤولون عن العنف في الاراضي المحتلة، بدل ان تقول ان الاحتلال المستمر والممارسات النازية لحكومة مجرمي الحرب الاسرائىليين هي المسؤولة. ما شدّ انتباهي الى تلك العريضة انه كان بين موقعيها الجنرال السابق جاي غارنر الذي يعمل الآن رئىس مكتب اعادة التعمير والمساعدات الانسانية في وزارة الدفاع، وهو مكتب استحدث اخيراً وسيجعل رئيسه مسؤولاً عن العراق بعد الحرب، اي ان شارونياً ليكودياً متطرفاً سيحكم العراق. كيف يقبل العرب ان يحكمهم امثال غارنر؟ في فمي ماء أبصقه وأقول ان عصابة اسرائىل في ادارة بوش لا تريد اي دور للأمم المتحدة في عراق ما بعد الحرب، لذلك يلقى امثال غارنر دعماً من امثال ايليوت ابرامز، المسؤول عن الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي، وهو متطرف آخر تردد اسمه في فضيحة ايران كونترا. ومع ذلك فقد وجد طريقه الى ادارة بوش مع افراد العصابة الآخرين. وكتبت ال"غارديان" في 26 من الشهر الماضي، اي قبل يوم من مؤتمر صحافي لجورج بوش وتوني بلير طرح فيه دور الأممالمتحدة، ان اليمينيين، وابرامز تحديداً، يعارضون اي دور للأمم المتحدة. فهم يريدون حكم العراق مع المتعاونين من المعارضين العراقيين الذين فقدوا كل صلة ببلدهم. كنت في نهاية الاسبوع اقرأ تفاصيل جلسة صباحية في اميركان انتربرايز عقدت في 25 من الشهر الماضي وتلقيت نصها الاولي قبل يومين، وقرأت 36 صفحة من السم الزعاف، من احقر اعداء العرب والمسلمين. الجلسة كانت تحت عنوان "العراق: ماذا بعد؟"، وشارك فيها عدد من باحثي المعهد وضيوفه مثل بيرل ومايكل ليدين وجيمس وولزلي، الرئىس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية. ليدين، وهو كاتب تنشر له الصحف تعليقاته المتطرفة، تحدث عن تجربة لبنان وعن "حزب الله" و"الجهاد الاسلامي"، وانهم كانوا يطلقون النار على القوات الاسرائىلية من مستشفيات ومساجد وروضات اطفال. متى حدث هذا؟ هل هو قبل مجزرة قانا او بعدها؟ كان كلام ليدين من نوع "لماذا لا نفترض ان هؤلاء الناس الذين يهاجموننا الآن هم جزء من "حزب الله" و"القاعدة" وغير ذلك من القوات التي نعرف انها تسللت الى العراق من سورية وايران قبل الحرب؟". الكلام السابق ليس مجرد خطأ بل هو بذاءة من إناء ينضح بما فيه، ومع ذلك فهو مهم جداً لأنه يكشف بوضوح اهداف عصابة اسرائىل، بربط المقاومة العراقية الباسلة للاحتلال ب"حزب الله" و"القاعدة"، ثم تحميل سورية وايران المسؤولية المشتركة، ما يفسر لي اتهام وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بعد ذلك سورية بمساعدة العراق، فهذا ما لقنه افراد العصابة، وهذا ما اكده باول بنفيه له. هل يمكن ان نجد انساناً اوقح من ليدين؟ بيرل حاول جهده، وهو قال بعد اربعة ايام من بدء الحرب، وما رأى العالم كله من مقاومة باسلة عنيدة، "القوات الاميركية وقوات التحالف استقبلت كمحررين. واخترنا الا ندخل المدن لئلا نعوق التقدم السريع نحو بغداد. اعتقد ان هذه استراتيجية صائبة". هل يمكن هذه الكلمات ان تختصر فشل السياسة الاميركية في الشرق الاوسط وسقوطها؟ القوات الاميركية والبريطانية استقبلت كقوة احتلال، وكانت المقاومة لها في مناطق غالبيتها العظمى شيعية عنيدة ومؤثرة، ما يعني ان الشيعة في جنوبالعراق الذين يكرهون صدام حسين ولا ينسون جرائم نظامه بحقهم، يكرهون الولاياتالمتحدة اكثر. والعملية الانتحارية في النجف نفذها علي جعفر موسى النعماني، والاسم يدل على انه شيعي. ثم ما هي الاستراتيجية الصائبة التي يقول العسكر الاميركيون اليوم انها كانت خاطئة؟ الجنرال اريك شينسكي، قائد المارينز، والجنرال جيمس جونز، قائد القوات الاميركية في اوروبا، شككا في افتراض امثال بيرل وبول وولفوفيتز، رئىس العصابة ونائب وزير الدفاع، في ان النظام سينهار عند اول هجوم. وطلب القادة العسكريون وضع الاستعداد لسيناريو الاحتمال الأسوأ، الا ان انصار اسرائىل، في عنصريتهم وعماهم، قرروا ان العراقيين سيرحبون بالغزو. في 11 آذار مارس قال وولفوفيتز: "ان الشعب العراقي يفهم حقيقة هذه الأزمة. وهم مثل الشعب الفرنسي في الاربعينات سينظرون الينا بصفتنا المحررين الذين يرجون وصولهم". لم اسمع ان وولفوفيتز سحب كلامه واعتذر لأهالي القتلى من الجنود الاميركيين والبريطانيين على جرهم الى حرب عدوانية جعلت لصدام حسين انصاراً، مع انه يفترض ان يسقط، ويذهب الى جهنم وبئس المهاد. وكلمة اضافية، الفرنسيون كانوا تحت احتلال نازي، ولكن اي احتلال اجنبي كان في العراق، وأليس العراقيون يقاومون الآن الاميركيين كما قاوم الفرنسيون النازيين؟ بيل زعم في جلسة اميركان انتربرايز ان القوات العسكرية العراقية اختارت ألا تقاتل وألقى الافراد سلاحهم وعادوا الى قراهم. لا بد من انها حرب غير تلك الدائرة في العراق التي يتحدث عنها وولفوفيتز وبيرل، غير اننا نعرف انها الحرب المقصودة، ونفهم بالتالي لماذا انهارت السياسة الاميركية في الشرق الاوسط بعد ان تركت ليديرها عملاء اسرائيل من اعداء السلام والعرب والمسلمين.