جيري بريشر، تيم كوستيلو، برندان سميث ترجمة اسعد كامل الياس. العولمة من تحت - قوة التضامن. مكتبة عبيكان، الرياض. 2003 335 صفحة. وعد كثير من الدراسات المتفائلة حول العولمة بقيام "قرية عالمية" يمكن التخلي فيها عن عداوات الماضي المدمرة ليحل محلها التعاون على نطاق دولي. ولكن الواقع الحقيقي لعولمة نهاية الألفية الثانية لم يحقق هذا الوعد. بل على العكس اعطانا اعداداً من الفقراء تفوق ما عرفه العالم في اي وقت سابق. وزاد الأخطار البيئية، ودفع بالكثيرين الى الخوف من وسائل الحماية الاجتماعية التي اكتسبوها بشق الأنفس. ما هي "العولمة من تحت"؟ انها حركة تحاول ان تتصدى للعولمة من اعلى... حركة مقاومة على نطاق عالمي تحاول ان تجمع صفوفها منذ سنوات قليلة. بيد ان العالم لم يعرف وجودها إلا في آخر سنة 1999، وذلك عندما ارغم عشرات آلاف المتظاهرين، احتجاجاً في مدينة سياتل، اجتماع "منظمة التجارة العالمية"، الذي كان معقوداً في تلك المدينة، على الانفضاض. يومها علقت مصادر إعلامية مرموقة، ومن بينها صحيفة "نيويورك تايمز"، بقولها ان وفرة عدة المحتجين المفاجئة تؤشر الى انبثاق ائتلاف جديد عالي الصوت. ولم يكن هذا الائتلاف يشمل عمال صناعة الفولاذ، وعمال صناعة السيارات فحسب، بل شمل ايضاً طلاب الجامعات، وأعضاء الجماعات الكنسية الذين يحتجون على استغلال العمال، فضلاً عن جماعات حماية المستهلك، وحماية البيئة. واستطاعت هذه الجماعات والجمعيات ان تتواصل في ما بينها في شتى ارجاء العالم من طريق شبكات الاتصالات المتطورة، وبفضل سرعة هذه الاتصالات في عصر الإنترنت. وكان شعار هذه الجماعات: إن العولمة من اعلى الى ادنى التي تقودها الشركات العملاقة لا يمكن مجابهتها بصورة فاعلة إلا "بعولمة من تحت" ومن طريق التضامن. بيد ان انبثاق حركة اجتماعية على نطاق عالمي - تهدف الى تغيير ظروف العمل، وفتح امكانات جديدة لمعالجة مشكلات الفقر والقهر وتدمير البيئة - شيء، وتغيير العالم شيء آخر. ولذلك لا بد من الحوار. ويقول مؤلفو الكتاب إنه يشكل إسهاماً في الفهم الذاتي للحركة التي نشأت رداً على العولمة. ويطرحون منظوراً لهذه الحركة الناشئة وقيمها وأهدافها. ويأتي ذلك في سياق تفهم واسع للحركة ونشأتها، وكيفية تحقيق اهدافها وعوامل ضعفها وقوتها. ولا يكتفي المؤلفون بالعرض والتحليل، بل نراهم يقدمون معالجة للتناقضات القائمة ضمن هذه الحركة المعارضة للعولمة. والأكثر من ذلك نراهم يقدمون رؤية يمكن ان تتخذ شكلاً محسوساً في برنامج للعمل قابل التطبيق، وهذا ما يتجسد في فصل خاص من فصول الكتاب تحت عنوان "مسودة برنامج عالمي". يطرح المؤلفون بموضوعية تاريخية ان العولمة عكست مسيرة بلدان العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية، حيث خرجت هذه البلدان من الحكم الاستعماري واتجهت نحو الاستقلال الاقتصادي. بيد ان العولمة استطاعت استعادة الكثير من سيطرة الدول الإمبريالية السابقة. وامتدت هذه السيطرة في ما بعد الى بلدان العالم الشيوعي السابق. وسلبت العولمة البلدان الفقيرة تحكمها بسياساتها الاقتصادية. وتركزت ثروة هذه البلدان بأيدي المستثمرين من ابناء العالم الأول، ومع انها أغنت بعض النخب من العالم الثالث وفي عالمنا العربي نماذج واضحة من المقربين للسلطة إلا انها اخضعت تلك البلدان للشركات متعددة الجنسيات، والمؤسسات الدولية، والدول المسيطرة. ومع هذا فالمؤلفون يفسحون المجال امام المدافعين عن العولمة لكي يدلوا بدلوهم. فماذا يقول هؤلاء؟ يقولون: اننا نعيش في نظام دولي جديد. فالعولمة ليست مجرد اتجاه، وليست مجرد ظاهرة، أو دلع موقت. إنها نظام دولي حل محل نظام الحرب الباردة. والقوة الدافعة للعولمة هي رأسمالية السوق الحرة. العولمة تعني انتشار رأسمالية السوق الحرة الى كل بلد في العالم. وهي لا تقتصر على الاقتصاد بالطبع. انها تشمل الثقافة والإعلام والفنون. ومع انتشار تقنيات الاتصال الحديثة لم يعد يقف في وجه العولمة اي قيود او حدود او سدود! وبماذا ترد جماعات "العولمة من تحت"؟ إنها تركز على ظاهرة تفاقم الفقر. تقول هذه الجماعات: شهدت العولمة على مدى الربع الأخير من القرن الماضي زيادة كبيرة في الفقر بدلاً من الحد منه. ويشير تقرير موثق صدر عام 1999 ان دخل الفرد في اكثر من ثمانين بلداً كان ادنى مما كان قبل عقد من السنين. ويعترف رئيس البنك الدولي بأن حال الفقر على الصعيد العالمي تفاقمت بدلاً من ان تتحسن. إن نحو 2،1 بليون انسان يعيشون الآن في حال إملاق مدقع. واقترب معدل البطالة في العالم من بليون شخص. ويضيف آخرون: زادت العولمة الى حد كبير من قوة الشركات العالمية الكبرى مقارنة مع قوة الحكومات المحلية وحكومات الدول. وأصبحت الأخيرة غير قادرة على متابعة برامج التنمية، وتحقيق العمالة الكاملة، وغيرهما من الأهداف الاقتصادية الوطنية. ويرى هؤلاء في اتفاقات التجارة العالمية مثل اتفاق التجارة الحرة في اميركا الشمالية واتفاق التجارة العالمية، وفي المؤسسات المالية الدولية ك"صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" رموزاً للعولمة في اشرس حالاتها. إنها تنتهك مصالح الأكثرية الساحقة من سكان العالم... فضلاً عن انها تفتقر الى الشرعية السياسية! كتاب غني حقاً، وجدير بالقراءة... وزاده غنى وجدارة طلاوة لغة المترجم اسعد كامل الياس الذي يعتبر استاذاً في فن الترجمة.