George Soros. George Soros on Globalization. جورج سوروس والعولمة. Public Affairsm, New York. 2002. 192 pages. العالم اليوم أكثر ارتباطاً بعضه ببعض. ولم يعد تطور مؤسساتنا السياسية والاجتماعية يواكب التكامل السريع للأسواق المالية والتجارة عبر القارات. ومع التحول الذى طرأ على الاقتصاد العالمي في التسعينات وبداية القرن الحادي والعشرين كان جورج سوروس، البليونير والباحث والمفكر الاقتصادي الأميركي المعروف، من أوائل من وضع يده على المضامين السياسية والاجتماعية للعولمة. وهو من موقعه كناقد متعمق للنظام الرأسمالي العالمي عمل على الترويج لفكرة "المجتمعات المفتوحة" كعنصر مكمل وضروري لتوسيع الأسواق. يترأس جورج سوروس "صندوق سوروس للإدارة" وهو مؤسس شبكة عالمية من المؤسسات المخصصة لدعم المجتمعات المفتوحة. وله مؤلفات عدة فيء هذا الشأن، من أهمها: "أزمة الرأسمالية العالمية والمجتمع المفتوح". ويهدف المؤلف من هذا الكتاب إلى إلقاء الضوء على كيفية عمل الرأسمالية ويقترح الوسائل لكيفية تحسين أدائها... وهو يتبنى هنا تعريفاً ضيقاً نسبياً للعولمة، إذ يراها الحركة الحرة لرأس المال والسيطرة المتزايدة للشركات المتعددة الجنسيات والأسواق المالية العالمية على الاقتصادات الوطنية. والعولمة عبارة باتت تستخدم على نطاق واسع وذات إطار متنوع من المعاني. وإلى هذه الظاهرة يمكن أن تعزى المشكلات التي يربطها الناس بالعولمة بما في ذلك تسلل قيم السوق إلى مناطق لا توجد فيها هذا القيم تقليدياً. ولكن العولمة هنا هي الظاهرة المتأخرة نسبياً التي تفصل ما بين يومنا الحاضر والخمسين أو حتى الخمس والعشرين سنة التي خلت. ففي نهاية الحرب العالمية الثانية أحكمت معظم الدول قبضتها على المعلومات التجارية الدولية، وصُممت المؤسسات القائمة على اتفاق بريتون وودز، ك"صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي"، لتسهيل التجارة والاستثمار الدوليين في بيئة من التدفق المحصور لرأس المال الخاص. وسرعان ما توسعت أسواق "الأوف شور" المالية بدافع من أزمة النفط عام 1973، كما خُففت القيود على حركة رؤوس الأموال، الأمر الذي أدى إلى تسارع حركة رأس المال الدولي في بداية الثمانينات في عهدي رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر. وبعد انهيار الامبراطورية السوفياتية أضحت الأسواق المالية عالمية حقاً مع بداية التسعينات. لم تأت هذه النتيجة عرضاً. فهي قد جاءت محصلة لجهود ريغان في الولاياتالمتحدة وثاتشر في بريطانيا لتقليص قدرة الدولة على التدخل في الاقتصاد، وقامت العولمة بتسهيل هذا الغرض. ولا شك أن العولمة، كما يرى المؤلف، هي تطور مطلوب من وجوه عدة. فالمؤسسة الخاصة أفضل من الدولة في ايجاد الثروة. والدول كثيراً ما تسيء استخدام سلطتها، في حين أن العولمة توفر درجة من الحرية الفردية لا تستطيع أية دولة أن توفرها. لقد حرر التنافس الحر على نطاق عالمي المواهب الابداعية ومواهب العمل التجاري وسرّع وتيرة المبتكرات الحديثة. بيد أن للعولمة جانبها السلبي أيضاً. فكثير من الشعوب، خصوصاً في الدول الأدنى نمواً، تضرر من جراء العولمة من دون أية حماية من جانب شبكة أمان اجتماعي، كما أن كثيراً من الدول تهمش من جراء الأسواق العولمية. ويعترف المؤلف بعدد من نقائص العولمة فيقول إن الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء ما تزال تتسع بإطراد. فالأغنياء الذين يمثلون واحداً في المئة من سكان العالم، يحصلون على ما يحصل عليه الأشد فقراً والذين يمثلون 57 في المئة من سكان العالم. وهناك ما يزيد على بليون انسان يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم. وهناك بليون إنسان لا يحصلون على الماء النظيف. ويعاني 826 مليون إنسان على سطح هذا الكوكب من سوء التغذية، ويموت منهم 10 ملايين إنسان كل عام بسبب الافتقار إلى أبسط حدود العناية الصحية. وهذه الأوضاع المتردية ليست ناجمة عن العولمة بالضرورة، لكن العولمة لم تفعل إلا القليل لعلاجها أو التخفيف من حدتها. هذه المظالم في عصر العولمة زادت من حدة الاستياء والاحتجاج. وراح نشطاء معاداة العولمة يعملون على نسف أو تدمير المؤسسات الدولية التي تعمل على استمرار التجارة الدولية والأسواق المالية العالمية وبقائها. وباتت مؤسساتنا الدولية مهددة أيضاً من الاتجاه المعاكس. فالمحافظون المتشبثون بنظرية السوق يعارضون أي شكل من أشكال التدخل في آلية السوق. والحق أن عداوتهم للمؤسسات الدولية أشد من مقتهم للتدخل الحكومي في التنظيم. وينحي المؤلف باللائمة على ذلك التحالف السيء ما بين اليسار المتطرف المعادي للعولمة واليمين المتطرف المتشدد في تطبيقها أو سوء تطبيقها لاضعافهما المؤسسات الدولية القليلة التي نملكها. فالحركات المعادية للعولمة تهاجم على نحو خاص منظمة التجارة العالمية WTO، في حين يجابه الكونغرس ويحد من صلاحيات الأممالمتحدة. وهذا أمر يدعو للأسى. فنحن بحاجة الى مؤسسات دولية أقوى وليس مؤسسات اضعف. نريد ان نشكل تحالفاً مختلفاً يهدف الى اصلاح وتعزيز ترتيباتنا الدولية لا تدميرها. ان المؤسسات التي تحافظ على التجارة العالمية والأسواق المالية العالمية لهي قوية نسبياً، وهي تحتاج الى بعض الاصلاحات لأنها تعمل لصالح الدول الغنية التي تتحكم بها اكثر مما تعمل لصالح الدول الفقيرة التي تقف على هامش النظام. ولكنها تبقى مع هذا أفضل حالاً من المؤسسات الدولية المخصصة لأغراض اخرى، كحفظ السلام، والتنمية الاجتماعية والسياسية، وتحسين الصحة وشروط العمل، ومنظمات حقوق الانسان. ولا يمكن ان نعتبر العولمة مسؤولة عن جميع أمراضنا الراهنة. فالأسباب الأهم للبؤس والفقر في العالم اليوم هي النزاعات المسلحة، والأنظمة القمعية والفاسدة، ولا يمكن ان نلوم العولمة بسبب الحكومات الفاسدة. فالعولمة اجبرت على الأقل بعض الدول على تحسين كفاءتها أو تقليص دور الحكومة في الاقتصاد. لكن العولمة جعلت العالم اكثر اتكالية وزادت من الأضرار التي يمكن ان تلحقها المشكلات الداخلية في بعض الدول. ولهذا وجب علينا، كما يقول سوروس، ان نجد بعض الطرق لتحسين الأوضاع السياسية والاجتماعية داخل بعض الدول. فهل تسمح حكومات هذه الدول بذلك؟ أليست رداءة الأوضاع السياسية والاجتماعية أشد ملاءمة لبعض الأنظمة للبقاء في سدة الحكم؟! من حسن حظ الأنظمة الفاسدة أو سوء حظ شعوبها ان الديموقراطية لا يمكن ان تُفرض من الخارج، لأن مبدأ السيادة يقف في وجه أي تدخل خارجي. ولا يمكن تشجيع الديموقراطية الا بتعزيز المجتمع المدني، وتقديم الحوافز للحكومات كي تتحرك نحو الاصلاحات الاقتصادية والسياسية. جورج سوروس كاتب اقتصادي ليبرالي متحمس للعولمة كما يقول، وكما يبرهن من خلال ما يقول، لكن حماسة كهذه لا تمنعه من ان ينتقد بجرأة عيوب العولمة ونقائصها، وذلك دفاعاً عنها لا هجوماً عليها. وهو في الوقت نفسه ينتقد خصومها من الراديكاليين واليساريين، فضلاً عن الأنظمة المحافظة والمنغلقة التي تحاول الوقوف في وجه مد كاسح محاولة عبثاً يحاول جر عجلات القطار الى الوراء.