الكتاب: العولمة والتنمية البشرية. الكاتب: جلال أمين. الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية. في مقدمة الكتاب، يحدد جلال أمين معنى "العولمة" بالتضاؤل السريع في المسافات الفاصلة بين المجتمعات الإنسانية، سواء في ما يتعلق بانتقال السلع أو الأشخاص أو رؤوس الأموال أو المعلومات أو الأفكار أو القيم. ويعتبر أن "العولمة"، وفق هذا المعنى، تعادل في القدم نشأة الحضارة الإنسانية. وتثير مشاعر متضاربة بالقبول الثقة بقدرة التكنولوجيا الحديثة على تحقيق الارتفاع بمستوى المعيشة أو الرفض الخشية من الآثار السلبية في الاستقلال الثقافي والحضاري. ومرور قرنين على بداية اتصال العالم العربي بالغرب لم يعدّل أو يغيّر من صفته متلقياً سلبياً لآثار العولمة. وتتمحور فصول الكتاب حول الآثار القوية "للعولمة" في الاقتصاد العربي وفي مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية العربية، وبالتحديد، حول المرحلة الحديثة من "العولمة" المتعلقة بالاتفاقات الدولية لتحرير التجارة. في الفصل الأول، يخامر الكاتب شعور بأن العلاقة الطويلة بين العرب والغرب تقترب الآن من نهايتها. ويعرض الأحداث السياسية والاقتصادية المهمة التي تميّزها. ويشير الى وجهتي النظر المتعلقتين بتاريخ العلاقة بينهما: قصة تقدم اقتصادي مطرد. وقصة استغلال مطرد أو تاريخ من التبعية. وتقوم هاتان الصيغتان على المسلّمة الغربية: التقدم الاقتصادي أو أنماط السلوك والتفكير الغربية. وهناك مدرسة ثالثة أكثر مدعاة للسأم ممثّلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويطرح وجهة نظر ثالثة جديدة: قصة اغتراب مطرد وتشويه للهوية، وتتميّز ب"التقدم الاقتصادي" و"الاستغلال الاقتصادي"، و"الاغتراب الحضاري والثقافي". في الفصل الثاني، يشير الكاتب الى نوعين من السياسات الاقتصادية العربية: السياسات الحمائية والسياسات المنفتحة. ويبدي بعض التحفظ على تسارع حركة العولمة في المنطقة العربية. ويذكر ثلاث سمات خاصة ب"عولمة" الاقتصاد العربي: الدور البالغ الأهمية للنفط في النمو الاقتصادي للوطن العربي، وهجرة العمالة بين دولة عربية وأخرى، وميل دور الدولة الى الانحسار في العقود الأخيرة. ويشرح الآثار المترتبة على هذه السمات في التنمية البشرية، من خلال ثلاثة نماذج: الكويت واليمن وتونس. ويعرض الآثار الإيجابية والسلبية. ويرى أن العولمة في حالة الكويت لم تكن نتيجة اختيار حر، بقدر ما كانت نتيجة ضرورات اقتصادية وسياسية. في الفصل الثالث، يتحدث الكاتب عن تيار العولمة الآن الذي يكاد يلمس كل جانب من جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر. ويعتبر أن الأثر الصافي لقوى العولمة في الثقافة المحلية في مصر وغيرها من الدول العربية، كان سلبياً. ويشكّك بالثقافة الغازية التي تتغنى بمزايا التعددية وتنوع الآراء والاتجاهات، لتضحي بسهولة بتعدّد الثقافات وعدم الالتفات ل"أذواق" أمم كثيرة. ويعتقد بأن القوانين الاقتصادية قد لا تكون لها الكلمة الحاسمة في هذا الميدان، بل قد تكون العوامل الأكثر حسماً العوامل السوسيولوجية والتاريخية. ولكن، تبدو قوى العولمة كأنها تنطوي على درجة من الحتمية أقرب الى حتمية القوانين الطبيعية بحيث أن الأفراد والمجتمعات يبدون كأنهم لا حيلة لديهم ازاء ظاهرة كهذه، وقد يبدو توجيه الاقتراحات الى الدولة نوعاً من التفكير الطوباوي. وتُعتبر ردود الأفعال من التنظيمات غير الحكومية بمثابة "القوى الموازنة" الجديدة للتعويض عن الانحسار الذي أصاب قوة الدولة. في الفصل الرابع، يرى المؤلف ان اجراءات التثبيت والتكييف الهيكلي يمكن أن تضر بالفقراء، وكذلك تحرير التجارة الخارجية والخصخصة، على عكس ما تؤكده الكتابات الصادرة عن صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. في الفصل الخامس، يميّز المؤلف بين مفهوم النمو الذي يشير الى مجرد الزيادة في الناتج القومي ومفهوم التنمية الذي يشير الى هذه الزيادة مصحوبة بتغيير الهيكل الإنتاجي لصالح الصناعة التحويلية. ويقول ان التجارة قد تكون "محركاً للنمو" ومعطلة للتنمية، والحماية هي "محرك التنمية". وقد تساعد التجارة على التنمية في ظروف وشروط محددة. والتحفظات التي أوردها المؤلف على دور التجارة في النمو، تبدو صحيحة في ما يتعلق بدور الاستثمارات الأجنبية الخاصة. ويحذّر من أخطاء الكتابات التي تتحدث عن الاتفاقات المتعلقة بالتنمية أو بتحرير تجارة السلع والخدمات وتحرير الاستثمارات الأجنبية وحماية الملكية الفكرية. في الخاتمة، يؤكد المؤلف على آثار العولمة وعلى تفاوت الفوائد والأضرار بين دولة وأخرى. ويعتبر العولمة نمط حياة. وهي ليست ثمرة اختيار حرّ على المرء أن يقبله أو يرفضه، بل تكاد تكون قدراً، ولا يبدو أن من الممكن منعه. وهي ظاهرة حتمية بمعنى أن تقارب أجزاء العالم وتضاؤل المسافات الفاصلة بين جزء وآخر، لا مجال لوقفه أو صدّه. ولكن، ليس من قبيل الأقدار أن تكون دولة ما طرفاً فاعلاً وإيجابياً أو طرفاً متلقياً وسلبياً. ويرى أن العالم العربي في مرحلة أفول حضاري. ما أثاره الكاتب من تساؤلات بخصوص العولمة، يستدعي الملاحظات التالية: - قول الكاتب ان العلاقة الطويلة بين العرب والغرب تقترب الآن من نهايتها، ليس دقيقاً، هل كشف أسرار هذه العلاقة من قبل بعض العلماء والمثقفين كافٍ لوضع حدٍ لها؟ هل التغيير يتعلق بموقف مجموعة محدودة من الناس أم بموقف فئات اجتماعية فاعلة تؤثر في القرار أو تصنعه؟ وما قيمة وعي المثقفين أسرار العلاقة إذا لم يبلغ هذا الوعي الفئات الاجتماعية والسياسية المعنية صاحبة المصلحة في التغيير؟ كيف يحصل التغيير وتعديل السياسة مع الغرب إذا بقي الوعي أو منطق الحياة الفكرية منطق الحجة والرفض محصوراً ولم ينتشر في الحياة العامة ليواجه الفكر السائد وخداع الوعي، أو إذا بقي الخطاب المهيمن متأصلاً ومتجذراً في نفوس الصحافيين والمواطنين العاديين وعدد من المثقفين من خلال عمل التلقين الرمزي؟ - لا تنم مطالبة الكاتب أو مناشدته "العالم الخارجي" اظهار درجة كافية من التعاطف مع متطلبات التنمية البشرية عن موقف علمي يبحث في الأسباب الموضوعية لأي موقف أكثر ممّا تنم عن موقف سياسي أو أخلاقي ينطلق من مسلّمة الاقرار بالضعف واستمرارية العلاقة وحق المساعدة من الطرف القوي. - يقع الكاتب في التناقض حين يعتبر العولمة ظاهرة حتمية كالقوانين الطبيعية، من جهة ولن يغيّر من وطأة هذا الفهم القول بإمكان التعديل في سرعتها، وحين يقول ان الكلمة الحاسمة هي للعوامل السوسيولوجية والتاريخية التي تتميّز بالتغيّر أو عدم الثبات وليس للعوامل الاقتصادية، من جهة أخرى. ويتناقض هذا الفهم مع مبدأ العلاقات الذي يحاول تطبيقه. إذ، كيف نقول، من ناحية، بالتأثير المتبادل بين الإنسان والظروف، ونعطي، من ناحية أخرى، أهمية أكثر للظروف؟ - مع أن التحليل الذي يقدّمه المؤلف قد يشكل موقفاً مهماً وجديداً، مقارنة بالخطاب المهيمن عن العولمة، ويطرح تساؤلات ويبدي تحفظات عن السياسة الاقتصادية للغرب أو السياسات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي إزاء البلدان النامية، ويؤكد على أهمية السياسات الحمائية للصناعة أو للإنتاج الوطني، إلاّ أنه لا يشكّك في مبادىء الليبرالية بشكليها القديم أو الجديد كنظام اقتصادي أو سياسي مبدأ الفردية، ولا يطرح مبادىء جديدة اجتماعية أو سوسيولوجية أو أشكالاً من التفكير النظري والفعل العملي. ما يطالب به المؤلف هو القيام بإجراءات أو اتخاذ تدابير تخفّف من وطأة الآثار السلبية للعولمة، أو العمل على تحسين الموقع في العلاقة مع الغرب. وبعبارات أخرى، ليس لدى المؤلف تصور عام شامل لمواجهة النظام الرأسمالي العالمي القائم، أو أنه يسلّم به كحقيقة. - يتحدث المؤلف عن الآثار السياسية السلبية للعولمة في البلدان العربية، لجهة ضعف الدولة، ويعتبر أن قوة الدولة تساهم في اتخاذ تدابير ايجابية. ويتجنّب الحديث عن تناقضات الدولة العربية، ولا يحاول إبراز القوى الاجتماعية والسياسية التي تشكّلها. ويتجنّب الحديث كذلك عن تناقضات الدولة في الغرب لجهة الفساد وخيانة الخدمة العامة وكل أشكال الاختلاس والرشوة وانحطاط أو فساد الفضائل أو الأخلاق المدنية، إلخ وعن التمايز بين الدولة في أوروبا والدولة في أميركا. كما أنه لا يقدّم تعريفاً للدولة. - يتحدث الكاتب عن التأثيرات السلبية للعولمة في الثقافة الوطنية لجهة الحد من استقلاليتها، من دون التحدث عن تأثيراتها السلبية في الثقافة الغربية نفسها لجهة التعرّض للقيم والمعايير الخاصة بالفن أو الأدب أو العلم، إلخ قيم التضامن والإنسانية. - بين النظرية أو الرؤية التي تؤكد على سلبيات العولمة والنظرية التي تؤكد على إيجابياتها، يطرح الكاتب نظرية "ثالثة" تتحدث عن الإيجابيات والسلبيات معاً، وهي أميل الى اعتبار السلبيات أكثر من الإيجابيات. وفي حين أن هذه الرؤية تطمح الى أن تكون جديدة ومميّزة، إلاّ أنها تقترب من الرؤية الليبرالية حين تنزع عن الحتمية الطبيعية للعولمة الصفة الاجتماعية والتاريخية وتفصل بين الاقتصاد والحقائق الاجتماعية. - مع أن الكاتب يبدي اهتماماً بجماعات الدفاع عن حقوق العمال، مثل النقابات والجمعيات والتعاونيات، إلاّ أنه لم ير فيها النقيض الفعلي لقوى السوق.