تعالت أصوات اقتصاديين وقانونيين بضرورة حسم ملف المتعثرين الذي يكمل الاسبوع المقبل ثلاث سنوات على بدء طرحه للنقاش العام عقب مصالحة بين حكومة الدكتور عاطف عبيد ومنظمات الأعمال بعد جفاء بين حكومة الدكتور كمال الجنزوري والمنظمات نفسها. ويتزامن ذلك مع مطالبة مصرفيين بالنظر جدياً الى فوائد الديون المتعثرة التي قد تصل الى قيمة المبلغ الأصلي ما يتعذر على المتعثر سداد تلك الفوائد لأنه لا يمكنه أساساً سداد الدين الأصلي. ماذا يحدث في مصر؟ سؤال استحوذ على الأوساط الاقتصادية الاسبوع الماضي بسبب ملف المتعثرين الفارين وغير الجادين في آن. فالملف الذي أُعيد فتحه بقوة عقب عودة رجل الأعمال مصطفى البليدي المدين للمصارف بنحو 200 مليون جنيه، تمر في 26 حزيران يونيو الجاري 3 سنوات على بداية فتحه رسمياً وطرحه كقضية رئيسية في الاجتماعات التي تضم رئيس الحكومة، ومنظمات الأعمال اذ كان الاجتماع الاول في 26 حزيران يونيو 2000. واعتقد الجميع في غمرة الاجتماعات الحكومية ومنظمات الأعمال أن عام 2001 سيحِلُّ من دون مشاكل، وستحصل المصارف على حقوقها ورجال الأعمال غير الجادين سيسددون ما عليهم، والأوضاع ستكون مستقرة تماماً، لكن لا شيء من الطرح السابق تحقَّق. فحتى 26 حزيران يونيو عام 2002 صدر نحو 2141 تصريحاً حسب الصحف لرئيس الحكومة والمجموعة الاقتصادية، ورؤساء المنظمات والمصرفيين في شأن المتعثرين وإمكان حل مشاكلهم، ثم هدأت التصريحات حتى آذار مارس الماضي إلى أن اثيرت لتصل إلى ذروتها الاسبوع الماضي من دون تحقيق أي شيء ملموس. الأسماء المتكررة وكان مضمون التصريحات الأخيرة مشابهاً لمضمونها العام الماضي والسابق عليه. لا جديد سوى فقط مجرد تغيير الاسماء مرة رامي لكح، وأخرى مصطفى البليدي، وثالثة حاتم الهواري، علماً أن التصريحات الصادرة تشمل القضية برمتها وليس شخصاً بعينه، وبقي في ذهن الاقتصاديين والرأي العام عموماً أن رامي لكح مدين ب1300 مليون جنيه، واسحق حكيم 200 مليون جنيه، مارك فهمي 37 مليون جنيه ومجدي يعقوب 300 مليون جنيه، على رغم أن الحكومة تعلن بين فترة وأخرى أن هناك حالات تسوية ستتم وأن البنوك باعت أصولاً لمدينين لها لكن لا يلحظ الجميع أي تطور. من جهة أخرى انتهز قانونيون وأعضاء في منظمات أعمال فتح ملف المتعثرين لينتقدوا بشدة قانون المصارف الجديد وسط إشادة بوضع القانون نصاً ضمن أحكامه يُجيز التصالح مع أصحاب القروض المتعثرين المنظورة قضاياهم أمام المحاكم ولم تصدر في شأنها أحكام نهائية شرط سداد ما عليهم من أموال للبنوك وانقضاء الدعوى المقامة ضدهم. ويرى هؤلاء ان هذا النص يفتح الباب أمام الفارين من اصحاب القروض المتعثرين العودة لتسوية اوضاعهم مع المصارف وهو بديل اكثر واقعية من اتخاذ التدابير البوليسية للعودة من خلال الانتربول، كما ان هذا النص يضع الأمور فى نصابها السليم، لأن المتعثرين وقعوا تحت خطأ سببه إما المقترض نفسه لسوء ادارته او البنك الذي لم يدرس مشاريع المقترضين إذ أن الدراسة الواعية لجدوى المشروع هى الضامنة الاساسية لاسترداد المصرف امواله، فيما يرى مصرفي بارز ان ما تطلبه المصارف للتسوية ليس فقط الاموال المقترضة بل الفوائد المستحقة عليها وهو ما لا يستطيع المتعثر سداده نهائياً إذ أن الفوائد قد تصل الى قيمة المبلغ المقترض إضافة الى تغيير سعر الدولار وقت الاقتراض مقارنة مع وقت السداد. فى الوقت نفسه يرى قانونيون أن البلاد لم تكن في حاجة الى مثل هذا القانون ويشير المستشار حسن احمد عمر المحامي امام الدستورية والنقض ان قانون المصارف بالفعل لم يأت بجديد لحل المشاكل العالقة فى القطاع المصرفي وان القانون القديم لو طُبِّق تطبيقاً صحيحاً لكان كافياً فى حل هذه المشاكل على اساس ان العلاقة بين العميل والمصرف يحكمها القانون المدني وليس القانون الجنائي إلا فى حالة واحدة هى حكم الفقرة الثانية من المادة 65 الخاصة باعطاء بيانات غير صحيحة للحصول على تسهيلات ائتمانية بغير وجه حق. والأمر الثاني يتعلق بالطلب الخاص بتحريك الدعوى الجنائية بناء على طلب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، وفق القانون القائم وطبقاً للمادة 65، بعد أخذ رأي محافظ المركزي فإن هذا النص لا يتعلق بموظفي المصارف فحسب وإنما ايضاً بعملاء المصرف فلا يجوز تحريك الدعوى الجنائية ضد عملاء المصرف قبل صدور مثل ذلك الطلب، وذلك تطبيقاً للقاعدة الاصولية التى تقضي بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويرى عمر أن هاتين المادتين تتكفلان بتسوية الامور المثيرة للجدل حالياً خارج نطاق القانون الجنائي وان التسوية تتم فى إطار احكام العقود بين العملاء والبنك التي تُنظم احكام القانون المدنى، وهو ما يمكنه حسم الجدل القائم حالياً ضد المتعثرين. وبالتالى حل المشكلة نهائياً. ويشدد عمر على تأكيد أننا لسنا في حاجة الى قانون جديد فقط علينا النظر بدقة الى القانون القديم. وسط هذا الجدل المتلاحق سواء في تعاطي الدولة مع قضية المتعثرين الفارين وعدم نجاحها حتى الآن في تسوية أزمة العائد رقم واحد البليدي الذي هو محط انظار كل الفارين لمعرفة ما ستؤول اليه الاوضاع وماذا ستفعل الحكومة معه بعد عودته الاسبوع الماضي، والانتقادات الموجهة إلى بنود قانون المصارف الجديد الخاص بالتعثر يكون هناك أكثر من طرح، حسب رئيس احدى منظمات الاعمال لكن الأبرز أن تُصاحب عملية المصالحة التي تقوم بها الحكومة مع نفسها أولاً ومع منظمات الأعمال والرأي العام مصارحة بالأوضاع القائمة. ويرى الحكوميون الأوضاع وردية، فيما ترى غالبية القطاع الخاص أن أزمة الثقة لا تزال قائمة، وقد تتجاوز الحدود الآمنة لو لم تتم معالجة الأمور بحكمة وشفافية في ظل قناعة أن الحكومة الحالية إذا كانت أخطأت في العامين الأخيرين فهي في الطريق شبه الصحيح لإصلاح ما يمكن إصلاحه. أما إذا بقيت الحكومة على حالها فإن السنة الثالثة لفتح ملف المتعثرين ستنقضي وتأتي الرابعة والخامسة والملف قائم، وقد يتحول إلى ظاهرة تؤرق الرأي العام عموماً والوسط الاقتصادي خصوصاً.