يبدو ان هناك جديداً في الافق في شأن التعاطي مع قضية المتعثرين الفارين، إذ علمت "الحياة" أن "البنك الاهلي المصري" يقود مفاوضات، إضافة الى مصرفين آخرين، مع رجل الاعمال عمرو النشرتي لعودته الى القاهرة وتسوية الديون المستحقة تمهيداً لاغلاق ملف النشرتي الذي فُتح قبل عامين اثر حكم قضائي ضده لمدة ثلاث سنوات، بدعوى إصدار شيكات من دون رصيد. أكد مصدر مقرب من المفاوضات أن رئيس "البنك الاهلي" فاروق العقدة مقتنع تماماً بصحة موقف النشرتي، وبأنه كان ضحية أمور عدة بعضها إداري وبعضها خارج عن إرادته، ما يعني أن النية لم تكن قائمة بالمرة عند النشرتي للفرار. لكن هناك شيئاً ما حدث في القضية وصار بها في الاتجاه الذي وصلت إليه. وقال المصدر أن التسوية ستكون شاملة، معتبراً ان ظروف المذكور مختلفة نسبياً عن الفارين الآخرين، علماً ان السيرة الذاتية للنشرتي جيدة وساعدت كثيراً في إنجاز خطوات جادة لتقريب وجهات النظر بين البنوك ورجال الاعمال. وكشف المصدر أن الامور تسير حتى الآن وفق المخطط لها، مؤكداً ان العودة للنشرتي ستكون قبل نهاية السنة بعد حسم الجدل في شأن قضايا محل خلاف حالياً. وقال إن اصول النشرتي في البلاد تغطي بنسبة كبيرة المديونيات المستحقة عليه وجاري النظر في إمكان تغطية المبلغ المتبقي من المديونية. ورفض المصدر الكشف عن الرقم الحقيقي للمديونيات، إذ يرى البعض انها تراوح بين 150 الى 250 مليون جنيه. وأكد مصدر في "البنك الاهلي" ل"الحياة" صحة المفاوضات قائلاً: "المفاوضات لا تشمل النشرتي فقط، لكن هناك مفاوضات مع فارين آخرين عليهم ديون للبنك وقد نتلقى موافقات مبدئية لإجراء مفاوضات مع بعضهم من دون لي ذراع الحكومة من جهة وتحقيق خسارة للبنك من جهة اخرى ووقف نشاط العميل من جهة ثالثة". وعلى رغم ما سبق فإن التخوفات قائمة من ان ينال النشرتي معاملة كتلك التي تلقاها محمد مصطفي البليدي، "الحبة الاولى في عقد المتعثرين"، والذي طالته قضايا عدة منذ عودته في أيار مايو الماضي ولم تنفذ الحكومة وعدها بحسن معاملته وبإعطائه تيسيرات للنفاذ من عنق الزجاجة، ما أرهب الباقين الذين بقوا على حالهم منذ أن فروا من دون اعطاء رغبة حقيقية للعودة خوفاً من بطش الحكومة. ويحذر معنيون من استمرار التعاطي مع المتعثرين الفارين ب"فظاظة القوانين" وغلظتها، ولا بد من تغيير السلوك الحكومي لجذب غالبية الاموال التي تم الفرار بها، والتي تراوح بين سبعة و15 بليون جنيه. واللافت أن مضمون التصريحات الأخيرة للحكومة هو مضمون العام الماضي نفسه والعام السابق له. لا جديد سوى تغيير الاسماء، مرة رامي لكح وأخرى مصطفى البليدي وثالثة حاتم الهواري، علماً أن التصريحات الصادرة تشمل القضية برمتها وليس شخصاً بعينه، وبقي في ذهن الاقتصاديين والرأي العام عموماً أن رامي لكح مدين ب1300 مليون جنيه واسحق حكيم 200 مليون ومارك فهمي 37 ومجدي يعقوب 300 مليون، على رغم أن الحكومة تعلن بين فترة وأخرى أن هناك حالات تسوية ستتم وأن البنوك باعت أصولاً لمدينين لها لكن لا يلحظ الجميع أي تطور. انتهز قانونيون وأعضاء في منظمات أعمال فتح ملف المتعثرين لينتقدوا بشدة قانون البنوك الجديد الذي بدئ العمل به قبل شهرين، وسط إشادة بوضع القانون نصاً ضمن أحكامه يُجيز التصالح مع أصحاب القروض المتعثرين المنظورة قضاياهم أمام المحاكم ولم تصدر في شأنها أحكام نهائية، شرط سداد ما عليهم من أموال للبنوك وانقضاء الدعوى المقامة ضدهم. ويرى هؤلاء ان هذا النص يفتح الباب أمام الفارين من اصحاب القروض المتعثرين للعودة لتسوية اوضاعهم مع البنوك وهو بديل اكثر واقعية من اتخاذ "التدابير البوليسية" للعودة من خلال الانتربول. كما ان هذا النص يضع الامور في نصابها السليم، لأن المتعثرين وقعوا تحت خطأ سببه إما المقترض نفسه، لسوء ادارته، او البنك الذي لم يدرس مشاريع المقترضين، إذ أن الدراسة الواعية لجدوى المشروع هي الضامنة الاساسية لاسترداد البنك امواله، فيما يرى مصرفي بارز ان ما تطلبه البنوك للتسوية ليس فقط الاموال المقترضة بل الفوائد المستحقة عليها وهو ما لا يستطيع المتعثر سداده نهائياً، إذ أن الفوائد قد تصل الى قيمة المبلغ المقترض إضافة الى تغير سعر الدولار وقت الاقتراض مقارنة بوقت السداد. في الوقت نفسه يرى قانونيون أن البلاد لم تكن في حاجة الى مثل هذا القانون. ويشير المستشار حسن احمد عمر المحامي امام الدستورية والنقض ان قانون البنوك فعلاً لم يأت بجديد لحل المشاكل العالقة في القطاع المصرفي وان القانون القديم لو طُبِّق تطبيقاً صحيحاً لكان كافياً في حل هذه المشاكل، على اساس ان العلاقة بين العميل والبنك يحكمها القانون المدني وليس القانون الجنائي، إلا في حالة واحدة هي حكم الفقرة الثانية من المادة 65 الخاصة باعطاء بيانات غير صحيحة للحصول على تسهيلات ائتمانية بغير وجه حق. والامر الثاني يتعلق بالطلب الخاص بتحريك الدعوى الجنائية بناء على طلب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، وفق القانون القائم وطبقاً للمادة 65، بعد أخذ رأي محافظ البنك المركزي فإن هذا النص لا يتعلق بموظفي البنوك فحسب وإنما ايضاً بعملاء البنك، فلا يجوز تحريك الدعوى الجنائية ضد عملاء البنك قبل صدور مثل ذلك الطلب، وذلك تطبيقاً للقاعدة الاصولية التي تقضي بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن ثم يرى المستشار عمر أن هاتين المادتين كفيلتان بتسوية الامور المثيرة للجدل حالياً خارج نطاق القانون الجنائي وان التسوية تتم في إطار احكام العقود بين العملاء والبنك التي تُنظم احكام القانون المدني، وهو ما يمكنه حسم الجدل القائم حالياً ضد المتعثرين. وبالتالي حل المشكلة نهائياً. ويُشدد عمر على التأكيد بأننا لسنا في حاجة الى قانون جديد فقط، بل علينا النظر بدقة الى القانون القديم. وسط هذا الجدل المتلاحق في شأن تعاطي الدولة مع قضية المتعثرين الفارين وعدم نجاحها حتى الآن في تسوية أزمة العائد رقم واحد البليدي، الذي كان محط انظار كل الفارين لمعرفة ما آلت اليه الاوضاع، وماذا فعلت الحكومة معه بعد عودته من الخارج، والانتقادات الموجهة إلى بنود قانون البنوك الجديد الخاصة بالتعثر يكون هناك أكثر من طرح، حسب رئيس احدى منظمات الاعمال. لكن الأبرز أن تُصاحب عملية المصالحة التي تقوم بها الحكومة مع نفسها أولاً ومع منظمات الأعمال والرأي العام مصارحة بالأوضاع القائمة، فالحكوميون يرون الأوضاع وردية، فيما يرى غالبية القطاع الخاص أن أزمة الثقة ما زالت قائمة، وقد تتجاوز الحدود الآمنة لو لم تتم معالجة الأمور بحكمة وشفافية في ظل قناعة أن الحكومة الحالية إذا كانت أخطأت في العامين الأخيرين فهي في الطريق شبه الصحيح لإصلاح ما يمكن إصلاحه. أما إذا بقيت الحكومة على حالها فإن السنة الثالثة لفتح ملف المتعثرين ستنقضي قريباً وتأتي الرابعة والخامسة والملف قائم، وقد يتحول إلى ظاهرة تؤرق الرأي العام عموماً والوسط الاقتصادي خصوصاً.