تجري اتصالات بين منظمات أعمال وقانونيين وبعض المسؤولين مع متعثرين كبار في الداخل ومتعثرين فارين خارج البلاد ل"جس النبض" في شأن اقتراح رئيس البرلمان الدكتور أحمد فتحي سرور قبل أيام إعداد قانون جديد للمتعثرين في ضوء استتباب الوضع المصرفي في البلاد. وجاء اقتراح سرور في الوقت الذي وصلت فيه المطالبات بالاخذ بفكرة "العفو الاقتصادي" للتوصل الى تسويات ذروتها، فيما يتحفظ مصرفيون على ما طرحه سرور ويطالب القانونيون وممثلو الدفاع عن المتعثرين ب"العفو الاقتصادي". ويرى الاقتصاديون أن اقتراح رئيس البرلمان ينافس "أم المبادرات" التي طرحها رئيس الحكومة عاطف عبيد في التاسع من أيلول سبتمبر 2002، في إشارة إلى فشل المبادرة الحكومية واقتناع الغالبية بأن حسم ملف المتعثرين لن يتم قبل إصلاح الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وهو أمر غير متوقع حالياً. فاجأ رئيس البرلمان الأوساط الاقتصادية بالحديث عن دور البنك المركزي في أعمال الرقابة، مشدداً على ضرورة إعطاء المركزي سلطات تُمكنه من تنفيذ توصياته، ما يعني أن استقلاله بات أمراً حتمياً للقيام بدوره الرقابي والإشرافي. وأدخل سرور نفسه في دائرة الجدل الذي لم ينته ولا يتوقع ان ينتهي قريباً، نظراً لارتباط ما قاله بقضية التعثر والمتعثرين الفارين ب30 بليون جنيه من أموال البنوك ولا يرغبون في تسوية اوضاعهم ولم تنجح الحكومة حتى الآن في تسوية حالة واحدة من 11 حالة انشغلت بها البلاد منذ تشرين الأول أكتوبر عام 1998 ما كان له تأثير بالغ في الوضع الاقتصادي ككل وعلى المصارف بصفة خاصة. ودعا رئيس البرلمان إلى إنجاز قانون جديد لأصحاب المشاريع الاستثمارية من المتعثرين في سداد القروض تتحدد في نصوصه الإجراءات القانونية المناسبة على حسب كل حالة، حتى يمكن تسوية المنازعات المصرفية بصورة أفضل. وانتقد العديد من الخبراء اقتراح سرور على رغم أهميته. وكان سبب الانتقاد أن صاحب الاقتراح هو رئيس البرلمان الذي بإمكانه تفعيل الاقتراح والتفاوض مع الحكومة في شأنه بل وحض النواب على الضغط بكل الوسائل، ومن بينها طلبات الإحاطة والاستجوابات للمعنيين لتحويل الاقتراح إلى واقع ملموس، علماً أن رئيس البرلمان قانوني بارز ونجح باقتدار في ضبط ثورة النواب عند مناقشة قانون الاستثمار الجديد وتعديلاته الاسبوع قبل الماضي وامتص غضبهم بسبب تباطؤ الحكومة في تنشيط العملية الاستثمارية، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في جذب الاستثمارات. وتحفظ في الوقت نفسه رجال أعمال عن انتقاد الاقتراح، واعتبروا أن الحديث مع سرور فيما قاله هو الأفضل وقد ينجح هؤلاء في إقناع رئيس البرلمان بتفعيل الاقتراح، أو على الأقل جس نبض الحكومة. وأشار هؤلاء إلى أن الحكومة قد تقبل بالاقتراح ل"تبييض وجهها" أمام الرأي العام، خصوصاً لو أدرك أعضاؤها أن الأوضاع إلى الأسوأ، ولاپبد من طرح جديد ينعش الاقتصاد الذي أصيب ب"سكتة" مجهولة أسبابها وصعب علاجها لأن تلك السكتة مرادفة لعدم الثقة في الحكومة، التي أكثرت من تصريحاتها وأجلّت تنفيذها لحين استقرار الأوضاع التي لم ولن تستقر طالما تسير الأمور بعشوائية. وكشف رئيس بارز لإحدى منظمات الأعمال عن مفاوضات مع فارين بارزين لإرسال مذكرة باسمهم إلى رئيس الحكومة ورئيس البرلمان لحضهما على تبني الاقتراح. وأشار إلى أن تدخل سرور في الأمر شجع رجال الأعمال على البحث في أمر المتعثرين الفارين عموماً والحالات التي أكدت استعدادها التصالح والتسوية، مع التذكير بأن فخ الحكومة الذي رسمته لرجل الأعمال محمد مصطفى البليدي بعد عودته إلى البلاد في التاسع من حزيران يونيو الماضي لا ينبغي أن يتكرر مع أي رجل أعمال سواء في الداخل أو الخارج، فالحكومة وعدت البليدي بالتسوية لو عاد إلى البلاد، لكنه فوجىء عقب وصوله بإجراءات قانونية وتولي النائب العام القضية ولم تُحل حتى الآن وزج به في غياهب القضاء ليسيء تاريخ البليدي أكثر من السابق. وأعلن رجال أعمال تضامنهم مع ما طرحه رئيس إحدى المنظمات، وأكد أحدهم ل"الحياة" أنه على استعداد للتفاوض مع فارين عن طريق مسؤولين من الحكومة لتسوية حالهم الفارين أو على الأقل الاستفادة من اقتراح سرور. العفو الاقتصادي يتزامن اقتراح سرور مع طرح بعض القانونيين وممثلي دفاع رجال أعمال فارين فكرة تطبيق اسلوب "العفو الاقتصادي" وعدم اتباع الاساليب القانونية ضد الفارين، خصوصاً بعد إدراج اسم رجل الأعمال عمرو النشرتي الاسبوع الماضي على قائمة ترقب الوصول للبلاد، على رغم تقدم المفاوضات مع البنوك الدائنة لتسوية حاله. ويرى ممثلو الدفاع أن تطبيق هذا الاسلوب مهم لضمان مصلحة الاقتصاد القومي، كما الحال في العفو السياسي الضامن للحياة الاجتماعية والاستقرار على اساس ان هناك بعض المتعثرين كانوا ضحية سياسات اقتصادية متضاربة، على نحو اسباب الحكم في قضية حديد اسوان الذي ارجع التجاوزات التي حدثت في المشروع إلى عشوائية القرارات الحكومية وعدم وجود صيغة معلنة لإنجاح المشروع. وركز القانونيون على نقطة مهمة خاصة باللجوء إلى القضاء ضد المتعثرين أو الفارين، إذ أن اللجوء الى المحاكم سيحول الامر من مشكلة اقتصادية بحتة إلى قضية جنائية، وهذا تعارض خطير في السياسات سيفاقم المشكلة اكثر ولا ينبغي معالجة وضع خاطئ بحلول خاطئة قد تكون مدمرة. وقالوا ان اللجوء إلى القضاء سيكون ضد المتعثر الذي دُرست حاله ولم يستجب نهائياً لأي حلول عاجلة أو موقتة أو نهائية، ثم ان الدعاوى القضائية في الاوضاع الاقتصادية ستؤدي إلى هروب الاستثمار من الداخل لان مجرد دخول رجل اعمال أو متعثر أو شركة بعينها على دور القضاء يضر بالسمعة، الا اذا كان المبرر قوياً لحسم نزاع طال أمده. وأضافوا ان الموضوع تراكمي وفي حاجه إلى حكمه للعلاج، فرأس المال جبان لا ينبغي محاربته بالجنائي والقضائي وعلينا الترغيب بحكمة لا الترهيب بقوة في مثل هذه الامور. المصرفيون على الجانب الآخر رفض المصرفيون التعليق على اقتراح سرور، وقالبوا في الوقت نفسه عدم الأخذ بأسلوب العفو الاقتصادي، في إشارة إلى رفضهم اي محاولات للالتفاف على حقوقهم في الاموال الهاربة التي استنزفت من ارصدة عملائهم، اياً كانت اللافتة التي يتم من خلالها تمرير هذا المسلك، فلا يوجد لديهم ما يمنع صدور عفو عام عمن صدرت في مواجهتهم احكام قضائية ولكن الشرط في قبول ذلك هو سداد تلك الاموال. وقال السكرتير العام لاتحاد البنوك أحمد قوره إنه لا مانع من تنازل البنوك عن الدعاوى والاحكام التي صدرت لصالحها، اذا ما اثبت العميل المتعثر جديته في وفاء الالتزامات المترتبة عليه، كأن يدفع على سبيل المثال قيمة احد الشيكات أو بعضها مما استحق عليه دفعه، وفي المقابل من الممكن ان يوقف البنك بالتعاون مع السلطات اي اجراءات تم اتخاذها حيال العميل المتعثر، على الا يكون ذلك في صورة عفو شامل كما هو في العفو السياسي الذي تردد حديث في شأنه اخيراً لأن الوضع مختلف ولا بد لمن يقبل العفو ان يكون قادراً على تفويض اموال المودعين في حال اذا ما اثبت عدم أهلية العملاء المتعثرين أو بعضهم للعفو. وأضاف قوره انه لا يعتقد ان هناك من يستطيع تحمل هذه الكلفة المادية التي ستكون بالغة الارتفاع، لذلك فإن الضمان الحقيقي للعفو هو التزام سداد حقوق البنوك. واستبعد نائب المدير العام في "البنك العربي الافريقي الدولي" أحمد سليم ان يقبل اي بنك، مهما بلغت محدودية دائنيه، أن يكون طلب العفو الاقتصادي المنتظر تحريكه عبر محامي بعض المتعثرين ماساً به، ليس لان ذلك خارج عن حدود تصرفه فحسب ولكن لأن المساس بأصل الدين يعني تعريض المراكز المالية للبنوك لمزيد من المؤثرات السلبية التي لن تتحملها أو تقبل بتحملها اي ادارة حريصة على مصالح الكيان المصرفي المسؤولة عنه. واضاف سليم انه في الامكان فهم دواعي طلب العفو الذي يسعي بعض المتعثرين لطلبه من الناحية الجنائية، بعد ان اخذت الحكومة تأييداً صريحاً من الرئاسة بانه لن يكون اي تهاون بعد فراغ المهلة من الملاحقة القضائية للهاربين حتى ينالوا القصاص العادل جزاء على تخاذلهم في رد ما حصلوا عليه من اموال. فبعض هؤلاء المتعثرين يخشى إلقاء القبض عليه وسجنه في الوقت الذي كان يعمل فيه بنجاح قبل سنوات قليلة، وفي هذا الشق الجنائي قد تقبل البنوك بالتسامح شرط اعتراف كل متعثر بحقوق البنوك الدائنة له والعمل على سدادها كالتزامات واجبة الأولوية. وتعتبر الدوائر الاقتصادية اقتراح سرور من جهة وفكرة ممثلي الدفاع من جهة أخرى ورفض المصرفيين أو تحفظهم على الطرح والفكرة يؤكد أن ملف المتعثر والمتعثرين سيظل هاجساً أمام الرأي العام، ويؤكد عجز الحكومة البالغ في حسم هذا الملف الذي سيظل ينزف إلى حين، ومن دون استشارة الطبيب المتخصص والدارس لمثل هذه الأمراض.