جاءت عودة رجل الاعمال مصطفى البليدي الى البلاد الثلثاء الماضي لتشكل النموذج والاختبار الأول لمدى جدية الطرفين، البنك والعميل المتعثر، في التصالح، وهي المادة التي شدّد عليها قانون البنوك الجديد الذي سيقره رئيس الجمهورية قريباً. ووصف مصرفيون كبار الفرصة القائمة بأنها نهائية وتأتي في ما يسمى بصيغة "أم المبادرات" لغلق ملف المتعثرين نهائياً. والبليدي الذي أبدى في كانون الثاني يناير الماضي رغبة في العودة الى البلاد بعد غياب ثلاثة أعوام للتصالح مع البنوك الدائنة قد يكون الحبة الأولى في عقد عودة رجال الاعمال الفارين وتسديد ما عليهم من ديون للمصارف، وهي القضية التي شغلت الرأي العام منذ خمسة أعوام وقت فرار هدى عبدالمنعم ورامي لكح وتيسير الهواري ومارك دوارف وعمرو النشرتي وغيرهم، وكلهم اسماء كانت ساطعة في الأوساط الاقتصادية ومن ثم كانت المفاجأة على الرأي العام لفرارهم مدوية. وأعطى فرارهم الفرصة للبعض لضرب القطاع المصرفي واتهام الحكومة بالتيسير لهؤلاء وهو ما نفته الحكومة تماماً. وأكد مصدر رسمي أن الأمور تسير في اتجاهها الصحيح بالنسبة للفارين، متوقعاً أن يعود في غضون أيام مارك دوارف الذي يملك شركات زراعية عدة ويعمل في المنتجات الغذائية، بعد تطمينات مع البنوك الدائنة بأن إجراء الحوار الصريح فائدة للجانبين. ويعزو المصدر ذلك الى أن ظروف تعثر دوارف تشبه الى حد كبير ظروف البليدي، كون القضية متعلقة بخلاف مع البنوك الدائنة فقط ولا تتعلق بإصدار شيكات من دون رصيد أو على ذمة قضايا أخرى، ما يجعل عودة الآخرين في حاجة إلى دراسة أعمق. واستبعد المصدر عودة قريبة لكل من رامي لكح وعمرو النشرتي لكن الأمور بالنسبة لتيسير الهواري قد تتحسن، ما يعني أن الهواري قد يكون الثالث في عودة الفارين في حال صدق النيات. وفرضت قضية المتعثرين نفسها على الأوساط الاقتصادية ليس من جهة كيفية التعامل مع هؤلاء لكن من جهة نجاح أو فشل المبادرات الحكومية السابقة وآخرها في 11 تشرين الأول اكتوبر عام 2002. وعلى رغم حديث الغالبية عن إحراز بعض تقدم في التفاوض مع رجال الأعمال الذين فروا من دون سداد ديونهم، تجاوزت قيمتها 15 بليون جنيه، وكذلك المفاوضات مع المتعثرين في الداخل والذين تقارب ديونهم القيمة نفسها لأكثر من بنك، إلا أن الحديث بات حالياً نحو الهدوء تماماً بعد تطمينات بأن الأيام المقبلة ستشهد إنفراجاً. ويرى الخبراء أن "أم المبادرات" ستتجنب سلبيات كانت في المبادرات السابقة، خصوصاً تهديد المتعثرين بأنه لا تهاون مع الرافضين للتسوية ووصْف حكوميين المتعثرين بأنهم لصوص نهبوا أموالاً ويجب وضع حد لأعمالهم، ما يعني أن الحكومة اخطأت بالفعل عند طرحها للمبادرات السابقة بالصورة "البوليسية" التي طرحت بها وتعاملت مع المتعثرين وكأن غالبيتهم غير شرفاء واثبتوا عدم الولاء والانتماء ومن ثم فشلت المبادرات تباعاً ولا جدال في أن هذا الموقف خلق رأياً عاماً جديداً، يرى أن الحكومة بالمرصاد للمتعثر الضعيف الذي اقترض حتى 10 ملايين جنيه وتطالبه بالسداد والتهديد بالسجن في حال عدم التزامه بالمبادئ التي اتفق عليها عند اقتراضه، فيما فشلت الحكومة في معالجة قضية المتعثرين الكبار ما فرض وضعاً يتبلور خلال المرحلة المقبلة في شأن العلاقة بين البنوك والراغبين في الاقتراض من رجال الاعمال في ضوء حديث مصرفيين كبار ومتعثرين جادين بأن الفترة المقبلة ستكون محل تقدير من الجميع. وأكدت مصادر مصرفية ان هناك بالفعل اجراءات جادة لاصلاح شامل في الجهاز المصرفي تبدأ بقانون البنوك الذي يسمح بإجراء تعديلات هيكلية في الجهاز، واعادة النظر في مناخ الاستثمار عموماً سعياً لجذب 10 - 15 بليون جنيه سنوياً للحفاظ على معدل النمو مرتفعاً. وأشارت المصادر إلى أن إجمالي الديون المستحقة على المتعثرين الكبار للبنوك في حدود اربعة الى ستة بلايين جنيه ويجري الاتفاق على إعادة الجدولة مع مراعاة ألا يمثل ذلك تهديداً للاقتصاد القومي. لهذا فإن الحكومة، حسب المصادر، عندما توجه دعوتها الى الجميع "جادين وغير جادين" بانتهاز الفرصة ومحاولة تسوية مديونياتهم والالتزام بالجدية في تنفيذ بنود اتفاقات البنوك هي في الواقع تعرض محاولة انتشال المتعثر منهم دون ضجيج مصاحب للتفاوض ومن يتخلف طوعاً يكون هو الخاسر الأكبر.