الخيمة الكبيرة التي نصبها في إحدى ساحات مدينة سامراء أهل الفتى شاكر ذياب السبع الذي قُتل ليل أول من أمس اثناء تنفيذه عملية عسكرية ضد القوات الأميركية في المدينة، لم تكن عامرة بالمعزين. الحذر كان بادياً على وجوه أهل الفتى وأقربائه. وقال والده إنه قتل برصاص جنود أميركيين، ونفى أن يكون قام بأي عمل ضدهم. لكن أهالي سامراء أكدوا جميعهم أن شاكر الذي يبلغ من العمر 17 عاماً، وابن عمه الذي اعتقلته القوات الأميركية، هما اللذان نفذا عملية فجر أمس في المدينة التي يبدو أنها تشهد الكثير من الأعمال العسكرية ضد الأميركيين. فقبل يومين وجه مجهولون قذائف هاون إلى موقع أميركي فيها لكنهم أخطأوه وأصابوا منازل، مما أدى إلى مقتل مواطن وجرح 12 آخرين. ومدينة سامراء التي تبعد أكثر من مئة كيلومتر شمال بغداد، جارة لتكريت، مسقط رأس صدام حسين، والتي بدورها تشهد أعمالاً عسكرية، حيث يقوم الأميركيون منذ نحو يومين بعملية تمشيط وبحث واسعة عن مسؤولين في حزب البعث. ويؤكد أهالي سامراء أن "مجمع صلاح الدين" القريب من مدينة الدور، مدينة آل الدوري البعيدة عن سامراء نحو 25 كيلومتراً، تشهد عملية مشابهة، وأن أكثر من 100 مواطن دوريين أُوقفوا في إطار هذه الحملة. سامراء هي إحدى مدن العتبات الشيعية المقدسة، لكنها مدينة سنية أيضاً، وللطائفتين فيها مراكز عبادة مهمة. فللأولى الجامع الملوي الذي بناه الخليفة العباسي المعتصم بالله، وفيها أيضاً مقام الإمامين الشيعيين حسن العسكري وعلي الهادي. ولذلك فإن مورد أهلها الأول هو السياحة الدينية، إذ يقصدها يومياً آلاف من الزوار الايرانيين والعرب، وبهدف ضبط حركة هؤلاء ومراقبتهم، عزّز النظام السابق الجهاز الأمني المحلي، واخترق الأسواق المحيطة بالمقام والجامع بعدد من التجار الموالين. وتكريت كانت في ازدهارها أفقدت سامراء الكثير من بريقها، كعاصمة سابقة للدولة العباسية، وبسبب طغيانها هذا فإن مشاعر السامرائيين تجاه النظام معقدة وتتفاوت بين الولاء والخوف والكراهية. فصدام حسين كان حذراً من طموحات السامرائيين، وهو عاقبها كما يقولون، ويدلون على ذلك بالتفاوت الكبير بين ازدهار تكريت ونمائها وفقر سامراء على رغم مواردها الكثيرة التي تتوزع بين السياحة الدينية والزراعة والصيد النهري، فهي كمعظم المدن العراقية مشاطئة لدجلة. اما الموقف من الوجود الاميركي فيشترك فيه الموالون للنظام مع الكثير من كارهيه، ولكن ايضاً بين أبناء سامراء كثيرون من الذين عبروا عن رفضهم الأعمال العسكرية ضد القوات الاميركية. فتجارها مثلاً منقسمون بين أولئك المتضررين من تزنير النظام المقامات الدينية بمحال تجارية لموالين له ولأعضاء في أجهزة استخباراته بهدف مراقبة الزوار الايرانيين، وبين تجار النظام أنفسهم وهم كثر، فخمس وثلاثون سنة من الحكم أفرزت فئة واسعة من المستفيدين الذين تحولوا مناصرين هم وعائلاتهم. في ساحة سامراء يمكنك سماع مئات المواطنين الذين يقولون إن "الأميركيين دخلوا منازلنا ليلاً وسرقوا حلي نسائنا وأموالنا، وسنقاومهم ونقاتلهم"، لكنك تسمع أيضاً أن "الأميركيين أفضل بأضعاف من أجهزة النظام، وهم أنقذونا من كابوس هائل اسمه صدام". بعضهم يسمي الفتى الذي قتل في العملية "شهيداً وبطلاً"، وآخرون يستحضرون القصف الذي أخطأ الأميركيين وأصاب الأهالي ليقولوا إن البعثيين ما زالوا يقصفوننا. في شوارع المدينة شعارات كتبت على الجدران تضمنت تهديدات بالقتل للمتعاونين مع القوات الأميركية، وقال أحد السكان ان ثمة من أعد لوائح بأسماء هؤلاء بهدف طردهم أو تصفيتهم، لكن مواطنين آخرين أخرجوا لوائح بأسماء البعثيين أيضاً، وقالوا إن الانتماء إلى البعث يشكل طعناً بتاريخ المدينة الذي كان يكرهه صدام.