سنرجع يوماً كان عامل النظافة ابو طاهر مستغرباً جداً رد فعلي الحانق على رميه كيساً صغيراً لي فيه بعض اشرطة الكاسيت، وقصاصات الورق الصغيرة التي بقيت اقتات عليها طوال تلك الأعوام منذ مغادرتي عمان بعد تخرجي من الجامعة الأردنية. فماذا يعني شريط كاسيت لأم كلثوم تغني به "اصبح عندي الآن بندقية"، او شريط آخر لفيروز تشدو به "سنرجع يوماً"، وماذا تعني قصاصات ورق متهالكة تضم بين حناياها المتعبة بعض الخواطر التي كتبتها بين اروقة مدرجات كلية التجارة، او في زاوية كافتيريا الكلية؟ لا شيء على الإطلاق لأخينا ابو طاهر. كانت تلك الأشرطة سلوتي وصديق الرحلة المضنية التي لا تنتهي مسافاتها، وصوت محمود درويش يأتي من رمال الصحراء الممتدة ويقول: "الكمنجات تبكي على العرب الخارجين من الأندلس"، ويداهمني صوت فيروز وهي تطمئنني: "سنرجع يوماً الى حينا"، ساعتها اشعر بأن المسافات الطويلة في وسط الصحراء لها متعة بلون مختلف، وأن هذه الصحراء ألوانها بألوان قوس قزح وأكثر. ويغمرني الشعور بأن العودة صارت قاب قوسين او ادنى. ويأتيني صوت صديقي من بعيد ويقول: "لا تتفاءل كثيراً، فغربتك ستطول كثيراً، وهذا الوطن لن يعود بسلم موسيقي او نغم فيروزي، فالأوطان يا صديقي ليست وردة بلاستيكية نغطيها برشة عطر كي يفوح منها عبير مصطنع، بل هي دماء وشهداء ونفس من روح الله. آه يا ليل الغربة ما أطولك، ألم تعتد على هذه الغربة؟ أراك تسكن بيتاً جميلاً، خلفه حديقة جميلة، وأمامه سيارة فارهة، جد جدك ما حلم حتى بركوبها. ولا تزال تقول وتردد: الغربة. إذاً، بالله عليك قل لي ماذا تريد؟ كنت اتمنى ان أعرف ماذا أريد. أو ليس لي حق في ان اسأل ابو طاهر مرة ثانية عن اشرطتي وقصاصات الورق الصغيرة؟ وهل يمكن ان نرجع يوماً؟ صرت اخاف من التفاؤل. وما الذي يدعو الى التفاؤل؟ الرياض - تيسير محمد بكليزي [email protected]