Tony Barnett and Alan Whiteside. Aids in The Twenty First Century. الإيدز في القرن الواحد والعشرين. Palgrave, London. 2003. 416 pages. يعالج هذا الكتاب مشكلة انتشار وباء الايدز الذي ينقله فيروس نقص المناعة البشري HIV في علاقته بالعولمة، على ضوء المضاعفات التي انتجتها عبر اتساع العالم في ما خص اسواقه ومواصلاته وعلاقاته الدولية والبشرية. ويعتبر مؤلفا الكتاب، اللذان يشرفان منذ عشر سنوات على برامج بحث حول التأثير الاجتماعي والاقتصادي للوباء في عدد من البلدان، ان المجتمع الدولي بمن فيه من سياسيين واختصاصيين يرفض حتى الآن تأثير هذا المرض وينكر نتائجه المؤذية على المدى البعيد مع فهمه المحدود له ومواجهته المحدودة ايضاً. فبعد فشل العدد الأكبر من البلدان، وخصوصاً الأفريقي منها، في الوقاية، وأمام العدد المتزايد من المرضى والموتى، يقترح المؤلفان الانتقال من نظرة فردية وجسدية للمرض وللصحة العامة إلى نظرة اعمق واوسع تتطرق أولا إلى أسباب إمكان انتشار الفيروس في المجتمعات، من خلال مفهوم "قابلية التأثير" susceptibility وهو عبارة عن الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية التي تسمح للوباء بالانتشار بسرعة وفي بعض الفئات دون الأخرى، وثانياً إلى تأثير الوباء على الشعوب من خلال مفهوم "قابلية العطب" vulnerability معبراً عن خصوصيات مجتمع يتحمل نتائج سلبية وغير عادلة تتجسد في عدد متزايد من المرضى والموتى. ويستنتج الكتاب وجوب العمل على وجهين: تخفيض فعلي في عدم المساواة لجهة توزيع الثروات، وتطوير القدرات الاقتصادية والاجتماعية للفئات الأكثر تأثراً بالوباء من جهة أخرى. والكتاب يمزج بين التحليل النظري الدقيق والأمثلة، بين النظرة العامة والتفصيل، مسهلاً الربط بين تاريخ انتشار الوباء وأسبابه، فيدرس ديناميكيته وأشكاله المختلفة، كما يتمثل في بلدان نجحت في مواجهة المرض كأوغندا وتايلاندا ودول رفضت خوض المعركة كأفريقيا الجنوبية. وهو يجمع عدداً كبيراً من الدراسات والوثائق التي نشرت حول الموضوع من قبل الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والمحلية، دارساً أدواتها القياسية والتحليلية بطريقة نقدية، ومذكراً بنسبية كل "حقيقة موضوعية": من الممول؟ من يكتب؟ وفي أي إطار؟ من يقرأ؟ ولأي هدف؟ فهو كتاب مزود بالمعلومات والجداول العلمية من تاريخ وجغرافيا إلى علم الاقتصاد والمجتمع والسياسة، مفصلاً كل مفهوم يستعمله لبناء أطروحته ومقدماً اقتراحات عملية على رغم مثاليتها بينما يصرح المؤلفان بأن لا جديد في كتابهما وان العيب هو ضرورة التكرار. لقد لعبت الأوبئة دوراً مهماً في تاريخ البشرية، كالطاعون الذي انتشر حوالى عام 1347 في أوروبا وتسبب بموت ما يقارب 24 مليون شخص وقضى على القوى البشرية المنتجة في النظام الإقطاعي آنذاك. وهذا أدى، بحسب بعض المؤرخين، إلى ابتكارات تقنية وتغيرات اجتماعية ودينية ساهمت في تطوير الرأسمالية. واكتشف باستور العنصر المعدي للأمراض سنة 1870 من خلال اكتشافه الجمرة Anthrax فاتحاً مرحلة جديدة في تاريخ علاج الأمراض بمضاد للجراثيم. فآخر وباء عرفه العالم قبل الإيدز كان الأنفلونزا سنة 1917، وكان معظم الأمراض المعدية التي كانت تهدد الاطفال في شكل خاص قد اختفى في شكل شبه نهائي أوائل الستينات بعد حملات تلقيح في البلدان الغنية ونسبياً في بلدان العالم الثالث. وبدورها عرفت أواخر القرن الماضي عدداً من الأمراض "المتفرعة" مثل أيبولا وأشكال من السالمونيلا ومرض البقرة المجنونة. ولوحظ ما بين 1979 و1980 في مدينتي نيويورك ولوس أنجليس الأميركيتين عدد من الإصابات بأمراض نادرة مثل الالتهاب الرئوي الذي تحمله الطيور أو سرطان الكابوزي، وتبين لاحقاً أنها ناتجة عن اصابة الجهاز المناعي للجسد عندما يضربه فيروس نقص المناعة الذي لا يظهر عبر مرض معين بل يقضي ببطء على خلايا المناعة المعروفة. والفيروس معدٍ للغاية بخاصة في الأسابيع والأشهر الأولى من التقاطه، لكنه يبقى غير مكشوف حوالى عشر سنوات هي "مرحلة الحضانة"، ما يسهّل انتشاره من دون علم حامليه الذين ينقلونه. بعدها تتالى انتشار أمراض مختلفة تصيب ضحاياها كلٌ في محيطه. وهذه "مرحلة الإيدز" حيث تمتلئ فجأة المستشفيات والمراكز الطبية غير المعدة لذلك. فإن لم يتوافر العلاج - كما كانت الحال طوال السنوات التي سبقت اكتشافه وكما هي الحال لمن لا يتمكن من الحصول عليه إذ انه مكلف للغاية - أدى ذلك إلى موت المصاب في مرحلة تتراوح بين 12 و14 شهراً، وذلك بحسب الضغوط اليومية ونوعية الطعام والتعرض للأمراض الجانبية. أما إذا توافر العلاج، وهو عبارة عن ثلاثة أدوية مختلفة، فإنه يحد من انتشار الفيروس في الجسد لكنه لا ينهيه. فمن الممكن العيش سنوات طويلة بينما تحظى متابعته بشروط صعبة، من تناول عدد هائل من الجرعات بانتظام إلى وجوب المتابعة الطبية الدائمة لعدم تطوير مناعة الفيروس. ولم يكتشف حتى الأن علاج نهائي ولا طُعم. فهذان ربما كانا اقل ربحا من العلاج الدائم الذي تمتلك براءته شركات متعددة الجنسية. وهذه العوامل كلها تحدد من سيعيش ومن سيموت. ففي أوروبا وأميركا الشمالية وجزر المحيط الهادئ تشتري الفئات الغنية "سنوات حياة" بحصولها على العلاج وعلى الشروط الملائمة لمتابعته، بينما في العالم الثالث، وربما في ضواحي العالم الأول، فيقضي المرض على المصابين به دونما علاج. والفيروس يتمدد عبر الدم من خلال التبرع والنقل - الذي نظمت له وقاية دولية ناجحة - وبالأدوات الملوثة التي يستعملها متعاطو المخدرات، والتي طُورت برامج تقي منها باستعمال أدوات نظيفة ومعقمة، وأيضاً عبر العاملين في ميدان الصحة - من خلال الأدوات الصحية الملوثة - وعبر ابر الوشم. ومن الممكن ان تنقله الأم إلى طفلها خلال الحمل، أثناء الولادة وعند فترة الرضاعة، وهو ما وجد له علاج سهل ورخيص يجنب نقل العدوى للأطفال في حال توافره. أما الجماع الجنسي فله الدور الأكبر في العدوى عبر السائلين المنوي والغمدي. والأشخاص المتراوحة أعمارهم ما بين ال15 وال50 سنة يشكلون الفئة الأساسية المصابة بالوباء. فهم الناشطون جنسياً، وفي الوقت نفسه الناشطون على مستوى الإنتاج. ويركز العدد الأكبر من البرامج التي تحد من انتشار الوباء على الوقاية، وفي شكل خاص على برامج تطمح إلى إقناع الأشخاص بتغيير سلوكهم الخطر، كتعدد العلاقات الجنسية وعدم استعمال الواقي الجنسي "ذي الفاعلية العالية" كما ان للختان ايضاً فاعلية نسبية في عدم انتقال العدوى. ويتساءل المؤلفان عن كيفية طلب تغيير سلوك الناس وتحمل المسؤولية دون تأمين الشروط المناسبة لذلك. لقد ظهر الوباء في أميركا الشمالية ومن ثم، وفي آن واحد، في أوروبا واستراليا وأميركا اللاتينية وأفريقيا حيث يوجد حالياً العدد الأكبر من المصابين. كما انه ينتشر بطريقة مقلقة في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً بينما ستصبح آسيا والهند والصين في شكل خاص المحور الأساسي له في المستقبل. ومن اطروحات الكتاب ان الوباء ليس استثنائياً في المجتمع البشري لأن طرق انتشاره تظهر تناقضات العلاقات الاجتماعية والمعيشية. فهناك مجتمعات قابلة للتأثر اكثر من غيرها، ومن هنا مفهوم البيئة الخطرة التي قد تنتج عن مجتمع تقليدي مبني على أهمية التناسل حيث يكون الإنجاب تعبيراً عن الاستمرارية كما يكون اقوى من الوعي بخطورته وعدواه. والبيئة الخطرة قد تسببها العولمة عبر الشركات العالمية ووكلائها المحليين، هي التي تفرض على عمالها شروط العمل الموسمي والأجور المتدنية التي يُصرف قسم منها في الملاهي والنوادي الليلية المحيطة بهؤلاء العمال فيحملون الفيروس عند تنقلهم بين بلدانهم أو قراهم وأماكن عملهم. فقارة بأكملها مثل أفريقيا تملك طابع البيئة الخطرة، بجغرافيتها التي تتميز بأراض شاسعة فقيرة بمائها وبعدد قليل من السكان نسبياً في أريافها وبمناخات متعددة وبتاريخها الحافل بالأحداث، أو "طبيعتها الاستثناء" بحسب تعبير المؤلفين. فهي عاشت قروناً من العبودية، واستهلك الخارج موادها الأولية ورُسمت حدودها الحديثة بحسب مصالح الاستعمار، ثم تتالت فيها الحروب وتعددت الأنظمة العسكرية خلال الحرب الباردة، وهي الآن غارقة في الديون وحقل مميز لمتطلبات صندوق النقد الدولي عبر وضع برامجه للتسوية الهيكلية ونظام الخصخصة. وكل هذا يعمل على إنتاج أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية دائمة يتسارع من خلالها انتشار الوباء وعدم المقدرة على الحد منه. ويعتبر المؤلفان ان تأثيره لا يجد الاهتمام الكافي من قبل المسؤولين، فيستعرض الكتاب بالتفصيل تأثيرات الإيدز على حياة الأفراد والأسر، على الجماعات ومختلف قطاعات العمل، وأخيراً على تطوير المشاريع الإنمائية والأوضاع السياسية، خصوصاً في العالم الثالث، معتمداً على الوقائع والتصورات المستقبلية. فعندما يصاب الفرد يضطر إلى صرف كل ما يملك لكي يؤمن علاجه إلى ان يموت تاركا خلفه ايتاماً من دون مدخول، بحيث يضم حل الربط بين الأجيال والأجناس. وإذا كان التأثير الأساسي ديموغرافياً بما فيه من فقدان مهارات مهنية مختلفة، وجب أيضاً اخذ التأثير على الإنتاج بعين الاعتبار. ففي القطاع الزراعي ترهن الأراضي والمواشي او حتى تباع وتبور مساحات شاسعة من الأراضي. أما ازدياد معدل الغياب عن العمل في قطاعي الصناعة والخدمات واحتمال مطالبة العاملين بحقوقهم في الضمان والتعويضات فمما يدفع الشركات الى مغادرة المنطقة او طرد المصابين. ويعم الفقر وتخفض القدرة الشرائية وتصاب المشاريع الإنمائية المنتشرة في تلك البلدان بمقتل يطاول رفع مستوى المعيشة وتأمين الحد الأدنى من التعليم والصحة والمساواة. والحال ان هروب الشركات الخاصة ومزاجية ممولي الجمعيات المتخوفين من الوباء يلقي العبء الأكبر على الدولة في حين يصر أصحاب القرار في زمن العولمة على تقليص دورها! فالوباء، كما يرى المؤلفان، حدث جماعي تلزمه معالجة جماعية. فالقرار السياسي بخوض المعركة مع المرض بمرونة وارادة، ضروري، كما أن العمل الفعلي على ازالة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي وعدم المساواة هو ايضاً ضروري، وذلك بالتعاون الاستراتيجي بين الجمعيات والمنظمات والسلطات ورجال الدين والقطاع الخاص. كما يجب تشجيع الجزء الأكبر من المشاريع النابعة من المجتمعات نفسها والتي تعي خصوصيات الوباء المحلية. وفي النهاية فإن السؤال عن الوباء غدا سؤالاً يتصل بنوع العولمة التي نريد.