يبدو ان "التجمعات"الغنائية باتت السمة الأبرز في الحياة الفنية خلال الحرب. والاحباط الناتج من شعور الفنانين بأنهم غير قادرين على ان يفعلوا شيئاً حيال الأيام المصيرية في حياة بلدانهم، يدفعهم الى ان "يخترعوا" موقفاً فنياً غنائياً - تمثيلياً يعتقدون انه يسدّ الحاجة الى دورهم الاجتماعي والوطني المفقود. فقد بنى الفنانون من مغنين وممثلين في الأغلب الأعم في العالم العربي، أبراجاً من العواطف ومشاعر الحب، ولم يفطنوا الى ان ثمة في الحياة ما هو أبعد من موضوعات العشق، فصاروا كلما هبّت رياح الأزمات والحروب يلجأون في آخر لحظة الى نتاج غنائي لا يُخفى على اللبيب انه نتاج "آخر لحظة" حيث لا أثر للإبداع أو للفكرة الجديدة أو للمعالجة الفنية العميقة، بل حيث يسود التقليد واعادة احياء السائد من الألوان الغنائية غير الحاملة بذور تغير وتمرّد... في هذا المناخ الذي يكرر نفسه ويكرر المراحل السابقة من الغناء الوطني كانت أوبريت "كلنا بنكمل بعض" التي قدّمت في دار الأوبرا المصرية خلال حرب العراق. ومع ان كلمة أوبريت لا تصح مطلقاً في التعريف بأغنية يشارك في ادائها مجموعة مغنين ومغنّيات، الا ان الكثيرين ما زالوا يطلقونها خطأ على نتاجهم منذ شيوع "أجيال ورا أجيال" التي سميت "الحلم العربي" وأطلق عليها منتجوها اسم "أوبريت" ثم درجت التسمية عشوائياً. فالأوبريت هي عمل مسرحي متكامل له شخصياته ومواقفه وأجواؤه التمثيلية، ولا "الحلم العربي" ولا "القدس ح ترجع لنا" التي قُدّمت قبل سنتين تلفزيونياً وجمعت رتلاً من الممثلين والمغنين المصريين، ولا "كلنا بنكمل بعض" التي قدمت اخيراً في الأوبرا المصرية هي من عالم الأوبريت. كلها من عالم الأغنية لا أكثر ولا أقل. لكن يبدو ان رنة كلمة "الأوبريت" تجذب الفنانين أكثر من كلمة أغنية خصوصاً في الغناء الوطني، فيعتمدونها على غير وجه حقّ ويصرّون على اعتمادها! "كلنا بنكمل بعض" أغنية طويلة من كلمات سيد حجاب وتلحين حلمي بكر، أدّاها خمسة عشر فناناً عربياً هم: محمد الحلو، نادية مصطفى، كاتيا حرب، عبدالله الرويشد، رجاء بلمليح، ذكرى، أروى، عمد عبد اللات، الشب جيلاني، حنين، أميرة، حسين الجسمي، عبادي الجوهر وأركان فؤاد. وفي المعلومات ان عدداً كبيراً من المغنين والمغنيات في العالم العربي رفضوا المشاركة في هذه الأغنية لا الأوبريت، وغالبية الاعذار التي قدّمت كانت الارتباط في مشاغل أخرى، الا ان الحقيقة هي أن الذين اعتذروا شعروا ان المسألة لا تعدو كونها تكراراً لتجربة "الحلم العربي" التي راحت تُستنسخ في شكل لا يحمل تجديداً أو عمقاً، وانهم لو شاركوا فيها لن يكونوا أكثر من مرددين أو كورس في أغنية تستعيد مفردات أو معاني "المحبة والوحدة والأخوّة والمصالح المشتركة والمصير والى آخره" من الذاكرة العربية وتنسج عليها شطوراً شعرية حالمة ورومانسية كأنها من زمن آخر، وتصُبُّ فوقها ألحاناً تريد ان تكون كلاسيكية فلا تكون الاّ بما تيسّر من الاقتباسات! من رأى الديكور في حفلة الأوبرا بالايحاء الساذج الذي أثاره: جوقة وسط شعار السلام المكوّن من حمامتين وغصن أخضر، لا بد من انه أدرك انه سيسمع ما لا يقل سذاجة. يجدر ببعض الفنانين العرب ان يكابدوا مشقة التجديد لأنها متعة الحياة.