لا تتمتع المطربة ماجدة الرومي بصوت قوي فقط، بل تنسحب القوة على شخصيتها والمواقف الحاسمة التي تتخذها ولا سيما أثناء المحن العربية الطويلة. وهي على رغم صورتها الحالمة، الطفولية والبريئة، سيدة تتأمل في الحياة بعمق ودراية، وتقدر أن تتحوّل في ثوان من الهدوء الى العاصفة وخصوصاً حين يتعلّق الأمر بأمور شخصية أو بكرامة الوطن اللبناني والعربي. وتكشف الرومي عن موقف ستتخذه في حفلتها بعد أيام في القاهرة 1 تشرين الثاني - نوفمبر عبر أغنية حيال ما يحصل في الأراضي المحتلة، وتدعو الفنانين العرب الى تشكيل جبهة دفاع ضد العدو كل في موقعه، وبعدما أحيت في أيلول سبتمبر الفائت حفلة في قاعة خوفو في مصر داخل مركز القاهرة للمؤتمرات في حضور بعض الوزراء المصريين والدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، تستعدّ اليوم لافتتاح مهرجان الموسيقى العربية في مصر في الأول من تشرين الثاني المقبل. أمام أوراق النوطات الموسيقية، وهي جالسة وراء البيانو تدندن وتكتب كان ل"الحياة" حوار عن حفلتها المقبلة، والأحداث في فلسطين وشريطها الغنائي المقبل. تختلف زيارتك الى القاهرة اليوم عنها في مناسبات سابقة فهي تتمّ في ظرف عربي عصيب. كيف تقرأين هذا الظرف وماذا خصصت له في هذه المناسبة؟ - أحاول تحضير عمل خاص، وأعتبر أنه في ظل الأحداث الجارية ينبغي على كل انسان عربي أن يدافع عن كرامته انطلاقاً من موقعه. نكون بلا كرامة إن لم نتفاعل مع ما يحصل في الأراضي المحتلة، ان المشاهد المؤلمة التي أراها ليست غريبة عني إذ عرفتها أثناء حرب لبنان، وتجعلني أتساءل كيف يمكن إنساناً بشرياً أن يتصرّف على هذا النحو، كيف يمكن جندياً أن يوجه سلاحه صوب طفل ويقتله،. ويقضي على حياة بريء، هذه جرائم يحاكمها التاريخ. ومن الطبيعي أن يكون لي موقف عبر أغنية أحاول أن أنهيها قبل موعد افتتاح المهرجان... أما اذا لم تنته في أوانها فسأستعيض عنها بأغنية "سيدي الرئيس" التي كتبها الشاعران حبيب يونس وهنري زغيب وتحمل في طياتها رسالة الى رؤساء العرب أجمعين تؤاتي الظروف الحاصلة. وبرأيي ينبغي إطلاق هذه القصيدة لتعطي مفعولها، خصوصاً أنها لم يُرحّب بها في بعض الدول العربية، ربما لأنها لم تتم متابعة معانيها بدقة، كأن العالم العربي يخاف من الكلام الموجّه والصريح. لكنني شخصياً أعتز بهذه القصيدة وهي مؤهلة لأن تشكل جزءاً من الجبهة الإعلامية المدافعة عن العالم العربي. ثمة عمل عربي مشترك سيتم تسجيله في القاهرة عنوانه "أوبريت القدس" سيشارك فيه عدد كبير من المطربين والمطربات اللبنانيين والعرب دعماً للانتفاضة الفلسطينية، هل ستساهمين فيه؟ - لا، في الواقع لا أعرف ما يحصل من أعمال في الكواليس. ولكن من الضروري أن يتصرف كل شخص من موقعه متفاعلاً مع ما يحدث. نلاحظ في هذه الفترة عودة الى الأغنيات الوطنية العربية التي اشتهرت في حقبة الخمسينات والستينات، هل تعتبرين أن أغنياتك الوطنية ستحيا بعد أعوام طويلة كتلك الأغنيات؟ - هذا الأمر متوقف على المرحلة المقبلة، فإن حفلت بالحروب سيبقى لهذه الأغنيات موقعها، وان حملت سلاماً تكون هذه الأعمال قد أرّخت لفترة مرّ بها لبنان والعالم العربي. هل تؤيدين الأغنية الوطنية المرتبطة بظرف معين أم الأغنية الوطنية المطلقة التي تصلح لأي ظرف؟ - ثمة أحداث تهز الانسان ولا يمكنه تخطيها بسهولة إلا إذا كان قلبه متحجراً. هذا ما حصل معي مثلاً حين غنيت "قانا" التي هزت الرأي العام الاسرائيلي وقد تساءلت دوماً ان كان من أمر ما يهزه. هناك أحداث تضع الانسان ضمنها احتى لو لم يختر ذلك. لذا، يجب اتخاذ موقف إزاء ما يحصل في فلسطين لندافع عن قضيتنا ولننال احترام عدونا لدفاعنا عن بلادنا. ستفتتحين في الأول من تشرين الثاني مهرجان الموسيقى العربية في "دار الأوبرا المصرية" ويرافقك 500 عازف ومنشد، ماذا سيتضمن البرنامج الغنائي؟ - الواقع ان هذا المهرجان تطلب أشهراً طويلة من التحضير والعمل الدؤوب. وكما ذكرت سيرافقني 500 عازف ومنشد ينتمون الى الفرق الموسيقية الخاصة بدار الأوبرا التي يرئسها الدكتور سمير فرج صاحب الدعوة. ويقود الأوركسترا الدكتور جمال سلامة. وستبث مباشرة على كل الأقنية الفضائية المصرية. أما البرنامج فسيتضمن 16 أغنية أذكر منها: سيدي الرئيس، طوق الياسمين، غنّ أحبك أن تغني، كلمات، أحبك وبعد، مطرحك بقلبي وسواها. الواقع إنها المرة الأولى التي أعمل فيها مع هذا الكمّ الهائل من الموسيقيين والمنشدين واعتبر الأمر حدثاً سعيداً في حياتي الفنية. وأود أن أشير الى أن ما يميز مصر عن بقية الدول العربية هو أنها تحتضن الجميع وترعى كل الفنانين العرب وكأنهم أفراد من العائلة المصرية. ان ما تقوم به مصر فنياً يجمع الفنانين ويؤسس لحركة فنية عربية جدية ورصينة يمكن الاعتماد عليها كخطوة تعدّل كفّة الميزان بين التجاري والمستهلك وبين ما يجعل بعض الناس يمشون عكس التيار. ان مصر ودار الأوبرا بالذات يستطيعان الترويج للفن العربي الراقي وهو مكسب لمصر والعالم العربي أجمع، وأعتبر الأمر جبهة دفاع إعلامية مهمة عند العرب. أدّيت في الحفلتين الأخيرتين في "الأونيسكو" و"الاسمبلي هول" في الجامعة الأميركية أغنيتين Contژ partira لأندريا بوتشيللي وMalade لداليدا هل من الممكن أن يكون لك أغنيات غربية خاصة؟ وماذا تكتشفين في صوتك حين تؤدين الأغنيات الغربية؟ - اكتشفت نكهة مختلفة في صوتي، وهذا يسعدني ويمتعني. ولكن لن تكون لي أغنيات غربية خاصة لأنني أغني هذا اللون لأفرح فقط. لقد غنيت هذه الأغنيات ببساطة وعفوية وقد تجاوب الناس معي كأنني أغني للمرة الأولى. يهمني أن أكون سعيدة بما أعمله وأن أقدم الفرح لمن يحضرون. قلت في حديث صحافي: "أحب لو تتيح لي الظروف إداء أغنيات عالمية تسمح لصوتي بالتحليق. يصعب على الفنان أن يتقيّد بأجواء غنائية محدودة تكبّله". ما هي القيود التي تشعرني بها حين تغنين، وما الأغنيات العالمية التي تودين غناءها؟ - حين أغني بالعربية ألتزم قواعد الغناء العربي ولو وضعت فيه فسحة صوت أوبرالي كنوع من الزينة. لكنني لا ألتزم بها كأساس للغناء الشرقي. أحب الإفادة من الفسحة الأوبرالية الموجودة في صوتي وأضيفها الى أغنياتي لاعطاء مساحات الصوت كلها. ويمكن مستقبلاً أن نعمل على معادلة الأوبرا - المودرن وليس الأوبرا القديمة التي يصعب تطبيقها عربياً لأن الأذن الشرقية لا تستطيع استساغتها نظراً الى قواعدها الصارمة المتوارثة، لكن تجديدها في صيغة الأوبرا العصرية المعتدلة، يجعلها في المنطق الوسط بين الصوتين العادي والمقلوب صوت الرأس فتصل الى صيغة جديدة وحلوة شبيهة بالصيغة التي توصلنا اليها في "عم بحلمك يا حلم يا لبنان" و"يا طيور" لأسمهان. أما الأغنيات العالمية التي أحب اداءها فأذكر منها Sole Mio لبافاروتي وقد أدرج بعضاً منها في برامجي الفني في المستقبل كنوع من الانفتاح على العالمية. إذا أردت اختيار اثنين من بين الذين كتبوا ولحنوا لك تعتبرينهما أكثر من فهمَا صوتك وقدرته التعبيرية، من تختارين؟ - لا يمكنني فعل ذلك، لأنني لا أحب إلغاء دور أحد، وكل الأغنيات التي أختارها ضمن ريسيتال معين أحبها. تعاونت مع كاظم الساهر في "طوق الياسمين"، وكنت مقتنعة بالعمل معه، هل سيتجدد هذا التعاون؟ - ممكن. والواقع أن كاظم كان أعطاني ألحاناً أخرى لم أغنها منها قصيدة لحبيب يونس وأخرى لنزار قباني. يقال ان الأغنية الحقيقية هي التي يحفظها الناس ويرددونها، ما هي الأغنية الخاصة التي تعتبرين أن الناس رددوها أكثر من سواها؟ - ثمة أغنيات كثيرة يرددها الجمهور في حفلاتي أبرزها: كن صديقي، بيروت، مطرحك بقلبي، عيناك ليال صيفية. ان المستمع العربي تشده الايقاعات الشرقية التي يسهل حفظها. هل تعتبرين أنك وجدت اللون المناسب لك وماذا تسمينه؟ - نعم، ان لوني هو الكلاسيكي - مودرن. أشعر انني وصلت الى المطرح الذي يلائمني. كانت أغنية "عم بحلمك يا حلم يا لبنان" أول أغنية صنعت لي شخصية صوتي تبعتها أعمال أخرى أحبها الناس مثل "مطرحك بقلبي" و"كلمات" و"طوق الياسمين" و"بيروت ست الدنيا"، وان فتشنا عن القاسم المشترك بين هذه الأغنيات نجد أنه الكلاسيك - مودرن. تتهم ماجدة الرومي باتخاذها مواقف سياسية معينة ربطت بين بعض أغنياتها وبعض الشخصيات السياسية في مراحل معينة، هل هذا الأمر صحيح، وهل تؤيدين أن يقدم الفنان صوته لأشخاص سياسيين معينين؟ - كنت أغني الانسان وهمومه، وطالما آمنت أن الله يخلق الانسان حرّاً ولا يحق لأحد أن يسرق منه حريته. انطلاقاً من هذا المبدأ، غنّيت لبنان الحر المستقل المرفوع الرأس المحفوظ الكرامة. لم أغنّ أشخاصاً لكنني لست ضد أي شخص يتوافق مع هذا المبدأ الذي أؤمن به. وأعتبر ان أي زعيم يُتغنّى به يصغر ولا يكبر، لأنه ينبغي أن تكون الأرض هي الهدف وليس الشخص. أنا مع كل مبدأ يصب في خدمة وطننا وإنساننا وكرامتهما. السيدة فيروز رفضت يوماً الغناء للحبيب بورقيبة حين طلب منها ذلك ما رأيك بهذا الموقف؟ - من الممكن ألا تكون الظروف التي وضعت فيها مناسبة، ومن المهم أن تبقى كرامة الفنان محفوظة ولو أحست أن كرامتها محفوظة لقبلت. أحدثت حفلتك في لندن على مسرح "رويال ألبرت هول" عام 1996 تعليقات صحافية متضاربة خصوصاً أنها أخذت منحىً سياسياً معيناً، هل تضايقت من نتائجها وماذا اتخذت عبرة منها؟ - لا لم أتضايق من نتائجها البتة. هذا الأمر طبيعي وأتعامل معه ببساطة انسان يدرك أن لكل أمر وجهين. أنا مصرّة على كل كلمة غنيتها في القصائد الوطنية اليوم وغداً وبعد مئة عام. وافتخر انني حققت لهذا الصوت موقفاً مع حرية لبنان واستقلاله وانسانه المرفوع الرأس. ان من لا يكون مع هذا المبدأ لا ينتمي إلي ولا أنتمي اليه. لكن يجب ألا يلومني إن غنيت كرامة وطني بالشكل الذي أملاه عليّ ضميري ووجدته مناسباً. ما هي مشاريعك الغنائية الجديدة؟ - أحضّر ألبوماً من الأغنيات الجديدة بين الظروف الصعبة ونمط العمل السريع والحفلات التي أقيمها وينبغي أن يصدر في نهاية هذا الشتاء. والجديد فيه هو تعاوني مع شاعرات عربيات مثل الشاعرة العراقية لميعة عمارة، وباسمة باطولي، الى تعاوني مع إيلي شويري وآخرين، والألحان لمن اعتدت التعاون معهم علاوة على أسماء شباب أتعامل معهم للمرة الأولى.