تتوقع المصادر العاملة في صناعة النقل الجوي أن تفوز شركة "بوينغ" الأميركية بصفقة تجديد أسطول شركة "الخطوط الجوية العراقية"، الناقل الوطني للعراق، التي ستتجاوز قيمتها خمسة بلايين دولار على أقل تقدير. وقال مصدر مطلع في كونسورتيوم "ايرباص" الأوروبي ل"الحياة": "الاتفاقات المبدئية التي وقعناها مع العراقيين في السابق لا تتجاوز قيمتها قيمة الورق الذي وقعت عليه. لكننا لن نقف مكبلي اليدين، وسنحاول اجراء اتصالات على رغم اعتقادنا أنه ليس لدينا أي حظ في ابرام أي صفقة الآن مع العراقيين". وفتح سقوط النظام السابق في بغداد ومعه إلغاء العقوبات الدولية وربط كل القرارات الادارية والاقتصادية في العراق بإرادة الأميركيين، الباب واسعاً أمام تكهنات عدة تخص الكيفية التي سيُدار بها قطاع النقل الجوي في العراق مستقبلاً، لا سيما عملية تحديث الناقلة الوطنية وتخصيصها. ويعود تاريخ انطلاق الشركة إلى عام 1945. واعتمدت حتى عام 1974 في أسطولها على طائرات بريطانية وروسية، لتتحول الى الطائرات من طراز "بوينغ" المزودة بمحركات "برات أند ويتني" الأميركية وتجعلها عماد أسطولها، ولتبدأ من ثم فترة نمو فائقة السرعة جعلتها في طليعة الناقلات الجوية في منطقة الشرق الأوسط. إلا أن الحظر تغير مع اندلاع الحرب مع ايران مطلع الثمانينات، لتتوقف طلبيات الطائرات الجديدة حتى عام 1989 حينما أوصت "العراقية" على عشر طائرات ايرباص "ايه 300 -310" منها خمس مؤكدة. وتم تجميد الصفقة بعد غزو الكويت. ويضم أسطول "العراقية" 23 طائرة ركاب وشحن متقادمة، منها ثمانٍ متوقفة في مطار صدام الدولي، من دون محركات، و15 طائرة أوقفت في تونس وعمان وطهران ولا يعتقد أنه يمكن استعادتها للطيران مجدداً. وحصلت "ايرباص" على موقع مفضل لدى العراقيين لتطوير أسطول ناقلتهم. وتغيرت المفاوضات بعد فترة، في ظل لقاءات دورية متكررة عُقدت في بغداد بين مسؤولي "ايرباص" و"العراقية" لتهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد انتهاء العقوبات الدولية. وطلب العراقيون الاستغناء عن صفقة "ايه 310" والاستعاضة عنها بخليط مركب من طرازات أخرى ل "ايرباص" منها "ايه 320" و"ايه 330" و"ايه -340" بقيمة تتجاوز ثلاثة بلايين دولار. إلا أن الصفقة بقيت حبراً على ورق، بسبب اعتراض الولاياتالمتحدة التي تسهم شركاتها ببناء أكثر من عشرة في المئة من مكونات طائرات "ايرباص". وعلمت "الحياة" أن اتفاق حسن نوايا وتأكيد على نية التعاون الثنائي تم التوقيع عليه قبل نحو خمس سنوات بين "ايرباص" و"العراقية". وقال المصدر معلقاً: "أبدينا كل رغبة في التعاون. وأغلب الظن أن الرئيس صدام حسين كان يرى في اتفاق حسن النوايا ورقة سياسية يستخدمها. وأعتقد أن كل اتفاقاتنا الموقعة في هذا الاطار لم تعد لها قيمة". وسمح التعاون القائم بدعوة خبراء "العراقية" إلى المنتديات السنوية التي تنظمها "ايرباص" لشرح التطور الذي تعرفه صناعة النقل الجوي، والتي كان آخرها منتدى في مراكش حضره ثلاثة من مهندسي "العراقية". ويقول العاملون في النقل الجوي إن الطائرات الوحيدة المتاحة ل"العراقية" ستكون ثماني طائرات "بوينغ" قديمة من طرازات "707" و"200- 727" و"002 - 737" و"002 - 747"، عمر أقدمها 29 سنة وأحدثها 21 سنة. وتحتاج "العراقية" لاستئناف عملها إلى استئجار طائرات في المرحلة الأولى، ريثما يتضح مصير الشركة ومصير أصولها التي دمرت اجزاء كثيرة منها، لا سيما في مطار بغداد الدولي حيث مقر عملياتها. وقال عبدالوهاب تفاحة، الأمين العام ل"الاتحاد العربي للنقل الجوي" ل"الحياة": "الخطوط العراقية تملك مقومات كبيرة للنمو، أولها العامل الجغرافي، ذلك أن بغداد تعتبر مكاناً مثالياً لممارسة الحرية السادسة لنقل الركاب من مكان إلى آخر، لا سيما بين شبه القارة الهندية وأوروبا. وهناك أيضاً المرافق الجوية ذات النوعية الجيدة وفق أرقى المعايير الدولية. أما على صعيد المهندسين فالشركة تتميز بمجموعة عالية من الكفاءات، وهي إلى ذلك كانت تتميز باستمرار بامتلاكها قدرات متقدمة للصيانة، سواء على الصعيد البشري أو التقني". وأشار إلى نقطة أخرى اعتبرها مهمة: "وضع الناقلة الوطنية العراقية مرتبط باعتبارات عدة بالغة الأهمية، منها تحديد مستقبل اتفاقات النقل الجوي الثنائية التي وُقّعت في عهد الرئيس صدام حسين إذ بوسع الأميركيين، حسب الصلاحيات التي أعطاهم إياها قرار مجلس الأمن الأخير، تعديل هذه الاتفاقات أو نقضها. وكذلك يرتبط الأمر بسن تشريعات جديدة تنظم سوق النقل الجوي وتحريره، وكذلك بالعثور على شركاء استراتيجيين يرغبون في شراء الخطوط العراقية أو حصة منها، في حال كان الاتجاه الى اعتماد التخصيص". وكانت مصادر مطلعة في "بوينغ" أكدت ل"الحياة" قبل اندلاع الحرب أن "هناك خططاً جاهزة للتعامل مع ملف الخطوط العراقية وحاجاتها"، مع الاشارة إلى أنه سيكون "بديهياً ألا تحصل ايرباص على أي حصة من صفقة تحديث أسطول الناقلة الوطنية العراقية التي ستتضمن أكثر من 40 طائرة يتم تسليمها على سنوات وتتجاوز قيمتها خمسة بلايين دولار"، من طرازات "600 - 737" و"800 - 737" و"200 - 737" و"300 - 777" و"300 - 767"، علاوة على عقود تدريب وتأهيل آلاف الفنيين والمهندسين والطيارين، وعلى أن يتم تزويد هذه الطائرات بمحركات أميركية وأخرى من طراز "رولز رويس".