شكلت الصفقة التي تمثّلت باعلان شركة "رايانير" الايرلندية يوم الجمعة الماضي، شراء مئة طائرة جديدة بالاضافة إلى شراء ثالث أكبر شركة طيران متهاودة الأسعار في بريطانيا، تأكيداً لما كانت سوق النقل الجوي بدأت تعرفه منذ الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، أي النمو المتواصل لشركات الطيران المتهاودة الأسعار في أوروبا الغربية، وتوسعها المستمر في سوق الطيران التجاري. تقدمت شركات الطيران المتهاودة الأسعار في بريطانيا بطلبيات تفوق 500 طائرة جديدة منذ 11 أيلول 2001. وتفوق هذه الزيادة بمفردها مرتين حجم أسطول "الخطوط الجوية البريطانية"، التي تربعت على مدى أكثر من أربعة عقود على عرش النقل الجوي في بريطانيا، واستطاعت الاستئثار بمكانة الصدارة في حقوق استخدام المطارات البريطانية، لا سيما مطار هيثرو الذي يعتبر أكبر مطار للرحلات الدولية في العالم. وتعتبر "رايانير" الايرلندية، و"ايزي جت" البريطانية، وهما شركتان أسسهما مستثمران من القطاع الخاص، وسعتا منذ البداية الى محاكاة تجارب شركات الطيران الأميركية التي تسيّر طائرات تقدم فقط خدمة النقل الجوي من دون أي إضافة أخرى، أسرع الشركات الجوية نمواً في القارة الأوروبية. وازدادت سرعة هذا النمو لتبلغ معدلات تتجاوز 30 في المئة بعد 11 أيلول 2001، بعد الصدمة التي عرفتها السوق، واتجاه المسافرين الى الاستفادة أكثر فأكثر من أسعار التذاكر المتهاودة للتنقل داخل أوروبا. واستطاعت الشركتان المحافظة على معدلات النمو المرتفعة هذه بالاستثمار بقوة في حملات ترويج شرسة ومتواصلة، بالاضافة إلى السعي الى توسيع أسطوليهما وتحالفاتهما، في معركة كانت "بوينغ" و"ايرباص" طرفين فيها. وقبل أربعة شهور أثارت "ايزي جت" تساؤلات كثيرة بعد إعلانها المفاجىء عن توقيع صفقة بقيمة أربعة بلايين دولار على الأقل، تشمل طلبية مؤكدة لشراء 120 طائرة من طراز "ايرباص 319"، يبدأ تسليمها في أيلول 2003 ولمدة خمس سنوات، مع حق خيار شراء 120 طائرة أخرى من الطراز نفسه، تسلم في مدة تستمر حتى 2012. وكانت "ايزي جت" خطت خطوة أخرى كبيرة باتجاه توسيع انتشارها الجغرافي، عندما اشترت في الأول من آب أغسطس الماضي شركة "غو فلاي" للطيران المتهاود بقيمة تناهز 650 مليون دولار، وأتمت دمجها تحت شعارها لتصبح "ايزي جت" بذلك أول شركة طيران متهاودة في أوروبا، قادرة على نقل 14 مليون مسافر في السنة، وهو رقم يتجاوز بكثير قدرة كثير من الشركات الأوروبية الوطنية العريقة. وشكل إعلان صفقة شراء الطائرات من "ايرباص" مفاجأة للعاملين في قطاع النقل الجوي، سيما وأن أسطول "ايزي جت" يضم 64 طائرة من طراز "300- 737"، تسير 100 خط جوي الى 36 مطاراً في أوروبا. وكان سبب المفاجأة أن المفاوضات بين "ايزي جت" وكل من "بوينغ" و"ايرباص" استمرت سنة. ويبدو أن السبب الذي جعل الناقلة تحسم أمرها، باتجاه تحويل أسطولها الى الاعتماد على طائرات "ايرباص"، على رغم الكلفة الاضافية التي سيولدها استخدام طرازين مختلفين من الطائرات، هو الأسعار المتهاودة التي منحتها "ايرباص"، والتي يعتقد أنها قد تكون وصلت الى 50 في المئة من السعر المعتاد. ونفت "ايرباص" صحة هذا التخفيض، في حين بررت "ايزي جت" أن طراز "ايرباص 319" يحقق وفراً تشغيلياً على صعيد الوقت بمقدار عشرة في المئة. إلا أن هذه التصريحات لم تقنع أحداً وأن الخفض الذي قدمته "ايرباص" هو الذي سمح لها بالانتصار على غريمتها "بوينغ". وشكّل إعلان الجمعة انتقاماً ل"بوينغ"، استطاعت من خلاله أن تؤكد أنها قادرة بطراز "بوينغ 737" ونسخته الكبيرة "800-737"، على تحقيق ريادة في السوق الأوروبية، كما استطاعت على مدى 40 سنة في السوق الأميركية حيث يعتبر هذا الطراز أحد أفضل الطرازات الجوية العاملة في العالم، وأكثرها فاعلية ومرونة. وبلغت قيمة الصفقة ستة بلايين دولار، فازت بها مجموعة "بوينغ للطائرات التجارية"، في إطار خطة قالت الناقلة الايرلندية إنها تنوي تنفيذها في القارة الأوروبية. وأتى نبأ الصفقة، ليؤكد مكانة "بوينغ" وقدرتها على مواجهة شركة "ايرباص" المنافسة في عقر دارها، بعد عام واحد من طلبية كبيرة سابقة أوصت فيها "رايانير" على 150 طائرة من طراز "بوينغ 737 - 800"، وشكلت حتى اليوم أكبر طلبية فردية من هذا الطراز المتطور. وقالت شنيد فين، مديرة تسويق المبيعات في الناقلة، ل"الحياة" إن الصفقة الجديدة التي تضم مئة طائرة أخرى من طراز "بوينغ 737 - 800"، ستتيح رفع عدد الطائرات من هذا الطراز في أسطول الشركة إلى 250 طائرة، من الآن وحتى سنة 2010، مشيرة إلى ان هذه الطائرات الجديدة ستجعل أسطول "رايانير" أصغر الأساطيل الجوية في أوروبا سناً، وستجعل الناقلة المالك لثاني أكبر أساطيل "بوينغ 737 - 800" في العالم حجماً، بعد شركة "ساوث وست" الأميركية. وقال مارلن دايلي، نائب رئيس "بوينغ للطائرات التجارية" للمبيعات في أوروبا ل"الحياة" إن "رايانير" زادت خلال الشهور الماضية عدد الطائرات المؤكدة من طلبيتها التي أبرمتها العام الماضي من 100 إلى 103 طائرات، مقابل 47 طائرة لا تزال تحتفظ بحق شرائها. وأضاف أن الصفقة الجديدة تتضمن 22 طائرة مؤكدة، ما يرفع عدد الطلبية المؤكدة إلى 125 طائرة، في حين وصل عدد الطائرات خيار الشراء الجديدة التي تعاقدت عليها "رايانير" الى 78 طائرة، ما يوصل عدد الطائرات التي تتضمنها عقود خيار الشراء الى 125 طائرة أيضاً. وقال إن قرابة 25 في المئة من الصفقة سيذهب لتغطية كلفة محركات "سي.أف.أم 56-7" التي تصنعها "جنرال الكتريك". وعلى رغم تأكيد دايلي أن الصفقة الجديدة لا تبدو بمثابة رد على صفقة "ايرباص" مع "ايزي جت" العام الماضي، إلا أن كل المؤشرات يدل على أنها كذلك. وقال دايلي ان صفقة شراء "رايانير" ثالث شركة للرحلات المتهاودة في أوروبا وهي شركة "بوز" التي باعتها الناقلة الهولندية "كاي. أل. أم" لها يوم الخميس، والتي سيكشف عنها النقاب بالتفصيل يوم غد، ستتيح أيضاً تزويد الشركة الجديدة مزيداً من طائرات "737". وتشغّل "رايانير" حالياً أسطولاً من 50 طائرة "بوينغ"، تؤمن خدمات نقل إلى 100 محطة في 15 دولة. وقالت الشركة إن عدد الركاب الذين ستكون نقلتهم في السنة المالية المنتهية في 3 الشهر المقبل سيصل الى 15 مليون مسافر محققة نسبة نمو مقدارها 35 في المئة، مقارنة بالسنة المالية الماضية. وأشارت إلى أن هذه الأعداد تجعلها رابع أكبر شركة طيران أوروبية للرحلات المجدولة. وقالت فين إن الناقلة ستتمكن من رفع عدد مسافريها الى 50 مليون مسافر، عندما ينتهي تسليم كل الطائرات التي أوصت عليها، مشيرة إلى أن هذا الرقم سيجعلها أكبر ناقلة جوية للرحلات الدولية في العالم. وذكرت أن الطلبية الجديدة ستولّد ثلاثة آلاف وظيفة، أي 30 وظيفة لكل طائرة جديدة، من بينها أكثر من 800 طيار، و200 مهندس، وألفي فرد من أفراد الطواقم. وقالت إن الشركة لا تنوي التوسع خارج أوروبا، مشيرة إلى "مفاوضات تجري مع 50 مطاراً لفتح رحلات اليها داخل أوروبا الغربية، بالاضافة إلى عشرة مطارات أخرى سيتم اعتمادها كقواعد لرحلات الناقلة وشركتها الحليفة الجديدة "بوز". وأوضحت أن السوق الأوروبية تحفل بالكثير ن الفرص وأنه لا داعي للتوسع في منطقة الشرق الأوسط على المدى القصير، مؤكدة أن أوروبا الشرقية ستكون مجال التوسع المقبل، بدل أوروبا الغربية، ولتحقيق مزيد من الأرباح من دون الانتقال الى الضفة الأخرى للبحر المتوسط. الجدير بالذكر أن ثمن اتمام صفقة "بوز" وصل الى نحو 25 مليون دولار. وكانت الشركة نقلت العام الماضي مليوني مسافر، ما يعني أن "رايانير" قد تقترب من احتلال المرتبة الأولى أوروبياً، بعد دمج "بوز" وتخطي عتبة 17 مليون مسافر.